أبو الغيط: المنطقة العربية تمر بأزمات.. أخطرها التهجير والإبادة الجماعية في غزة
سياسة إسرائيل العدوانية والتوسعية تمثل تهديداً خطيراً لما تحقق على صعيد السلام والتسوية

كتب- إبراهيم عوف
في بداية كلمته تقدم أحمـد أبـو الغيـط الأمين العام لجامعة الدول العربية بالتهنئة إلى جمهورية كوريا لتوليها منصب الرئاسة الدورية لمجلس الأمن لشهر سبتمبر… متمنيا لها النجاح في قيادة وتسيير أعمال المجلس.. خاصة في ظل الأوضاع الحرجة التي يعيشها العالم والتي تتطلب حكمةً والتزاماً أكبر من جميع الأطراف.
كما عبر عن تقديري للسيد تشو هيون وزير خارجية لجمهورية كوريا على مبادرته بعقد هذه الجلسة الهامة… التي تعكس إدراكاً متزايداً بجديّة المرحلة وبأهمية الشراكة الاستراتيجية بين جامعة الدول العربية باعتبارها المنظمة الاقليمية الأساس في اقليم الشرق الاوسط والأمم المتحدة بصفة عامة، ومجلس الأمن بصفة خاصة. كما أُعرب عن خالص الامتنان لمعالي وزراء خارجية الترويكا العربية وممثلي الدول الأعضاء في المجلس لمشاركتهم بالجلسة.
و قال:” في هذا الإطار، لا تفوتني الإشادة بالدور الهام الذي لعبته الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية باعتبارها العضو العربي بالمجلس في الدفاع عن القضايا العربية العادلة….. وذلك بالتنسيق مع باقي الأعضاء، وفي مقدمتهم جمهورية الصومال الفدرالية، العضو بالجامعة وممثل شرق إفريقيا، كما أتمنى كل التوفيق لمملكة البحرين التي ستمثل صوت العرب والمنطقة بمجلسكم الموقر انطلاقا من بداية السنة القادمة.
وأضاف ابو الغيط من الواضح لنا جميعاً ما تمر به المنطقة العربية من أزمات.. وفي القلب منها قضية فلسطين وهي الأخطر والأشد تأثيراً في الوضع العام في المنطقة.. فالوضع في غزة يفوق أي وصف مع تواصل حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على مجتمع أغلبه من المدنيين.. وبالذات النساء والأطفال وكبار السن… وبغرض تمزيق نسيج المجتمع ومحوه من الوجود وإلغاء الرابطة بين الأرض والشعب.
و إن إسرائيل، بحربها التي تأبي أن تنهيها، يحرك قادتها نزعات دينية وقومية بالغة التطرف، وتضرب أسس الاستقرار الإقليمي لعقود قادمة.. عبر توسيع دائرة النار والعنف.. واعتماد سياسة جوهرها الإبقاء على التوتر على كل الجبهات… وصولاً إلى الاعتداء على الدوحة التي لم تسع سوى للوساطة وتحقيق السلام.
إن إسرائيل تُخاطر باستمرار الصراع والكراهية لعقود قادمة… بل وتُمثل سياساتها العدوانية والتوسعية تهديداً خطيراً لما تحقق على صعيد السلام والتسوية عبر نصف قرن، وما يُمكن أن يتحقق من تعايش سلمي في المستقبل.
وأوضح.. لقد شاهدنا جميعاً الزخم الذي تولد عن الاعترافات التاريخية بفلسطين… ومن الاجتماعات التي احتضنتها هذه المنظمة خلال الأيام الماضية حول مستقبل غزة والدولة الفلسطينية، والتي شهدت إجماعاً واضحاً حول مسار التحرك نحو إنهاء الحرب والبدء في ترتيبات اليوم التالي… وأمامنا فرصة – قد تكون الأخيرة- لفتح مسار جاد ولا رجعة عنه لتجسيد الدولة الفلسطينية وتحقيق التسوية على أساس حل الدولتين… وبديل هذا المسار هو المزيد من الدماء والألم والمعاناة للجميع.
وأشار إلى أن الأزمة في السودان تتسبب في تداعيات خطيرة علي شعبه وعلي الدول المجاورة.. ولا زال الإدراك باستحالة الحلول العسكرية غائباً عن الجميع.. بما يُعرض البلد لمخاطر عديدة في مقدمتها الانقسام.
إن الجامعة العربية تحرص على تعزيز التنسيق والتشاور مع الأمم المتحدة وأيضا مع الاطراف الاقليمية الاخري مثل الاتحاد الأفريقي وايجاد من أجل استعادة السلام والاستقرار في جمهورية السودان…وضمان عدم تهديد وحدته وتكامل ترابه الوطني… ونحن في ذلك نعمل تنفيذاً لقرارات مجلس الجامعة وكذا تحت إطار قرار مجلس الأمن رقم (2736) لعام 2024 الداعي إلى فك حصار الفاشر، واستئناف مباحثات جدة لوقف إطلاق النار، وكذلك بيان المجلس في 13 أغسطس 2025 الذي أدان تشكيل حكومة موازية لما فيها من تهديد لوحدة البلاد.
وأعلن لقد بدأنا منذ يونيو من العام الماضي سلسلة من الاجتماعات التشاورية ضمت إلى جانب الجامعة العربية دولاً ومنظمات معنية… كما عقدنا على هامش القمة العربية (34) في بغداد في مايو من هذا العام اجتماعاً على مستوى رؤساء المنظمات الثلاث (امم متحدة – اتحاد افريقي -وجامعة عربية) للتوافق حول العمل المنسق فيما بيننا… ويتركز جهدنا حالياً على تسهيل عقد محادثات سياسية بين الأطراف المدنية السودانية للوصول إلى رؤى متناغمة حول مستقبل البلاد… وبناء درجة من الثقة تسهل محادثات وقف إطلاق النار، ووصول المساعدات الإنسانية إلى ملايين السودانيين المتضررين من النزاع.
واضاف ابو الغيط.. لا زالت ليبيا تعاني تبعات الانقسام وما يفرضه من تحديات أمنية وسياسية بل واقتصادية ضخمة… وثوابت الموقف العربي كما تنص عليها قرارات مجلس الجامعة العربية واضحة: الالتزام بوحدة ليبيا وسيادتها واستقلالها ورفض التدخل الخارجي في شئونها… إن الحل في ليبيا لا يُمكن إلا أن يكون سياسياً جامعاً… بملكيةٍ وقيادة ليبية.
و إننا اذ ندعم ولاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الممنوحة لها بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة…فاننا نأمل دائما ان يكون التنسيق بين منظمتينا علي مستوي افضل وأقوي تخقيقاً للمصلحة المشتركة.. وقد قامت الجامعة العربية من حانبها بدعوة الفاعلين الليبيين إلى الانخراط في الحوار ضمن خارطة الطريق التي قدمتها مؤخراً ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا كونها تمثل فرصة يتعين استثمارها من أجل الوصول إلى تسوية سياسية شاملة، على أن تحظى بدعم إقليمي ودولي صادق.
وذكر أبو الغيط أنه بعد مرور عشر سنوات كاملة منذ بدء الأزمة اليمنية- عشر سنوات من المعاناة الإنسانية التي تفوق الوصف- ولا زال المسار السياسي للحل مفتقداً… بل زاد المشهد تعقيداً بسبب تداخل الأزمة اليمنية مع المشهد الاقليمي المغقد من الاساس.. ولا يخفى ما ينطوي عليه استمرار الأزمة اليمنية من تداعيات خطيرة على أمن الملاحة في البحر الأحمر… ويظل الحوار السياسي الشامل، بعيداً عن التدخلات الخارجية، هو المسار الصحيح لمعالجة الأزمة وإنهاء معاناة ملايين اليمنيين.
واوضح أن سوريا تمر بمرحلة انتقالية، صعبة وفارقة، في مسار التعافي ولمّ الشمل الوطني بعد سنوات طويلة ومريرة من الحرب… وتواصل الجامعة العربية جهودها الرامية إلى دعم سوريا انطلاقاً من احترام خيارات وإرادة الشعب السوري والتضامن معه في مواجهة التحديات الراهنة… والتزاماً بالحفاظ على سيادة سوريا واستقرارها ووحدة وسلامة أرضيها… وإدراكاً لأهمية المساهمة الفعالة في دعم مسار انتقالي سلمي يتسم بالشمولية.
وأضاف أنه في هذا الإطار، تحرص الدول العربية على تشجيع الحكومة السورية على اتخاذ الخطوات اللازمة لبناء سوريا الجديدة على أسس تضمن مشاركة الجميع واحتواء الجميع في الإطار الوطني الجامع…. وقد أدانت قرارات الجامعة العربية أعمال العنف التي شهدتها منطقة الساحل السوري ومحافظة السويداء، وشددت على الرفض التام لأي نزعات أو تحركات انفصالية قد تهدد وحدة سوريا…كما أدانت جميع أشكال التدخل الخارجي السلبي أو الهدام ودعت إلى نزع فتيل الفتنة ومعالجة الاحتقانات عبر الحوار مع الالتزام بآليات العدالة الانتقالية.
وأكد أبو الغيط علي أن الجامعة العربية تدين بشدة وعلى طول الخط الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الأراضي السورية… وتطالب مجلس الأمن بالقيام بدوره لوقف هذه الاعتداءات والضغط على إسرائيل للانسحاب من الأراضي السورية التي تحتلها… إن وحدة التراب الوطني السوري هي ركيزة أساسية للأمن الإقليمي والدولي يجب الحفاظ عليها وصيانتها… وتدعو الجامعة المجتمع الدولي إلى دعم جهود التعافي وإعادة الاعمار في سوريا بما يحقق تطلعات الشعب السوري المشروعة نحو مستقبل أفضل…ونؤكد في هذا السياق على أهمية دور منظومة الأمم المتحدة في دعم جهود الحكومة السورية خلال المرحلة الحالية وصولاً الي استكمال بناء سوريا الجديدة.
ونوه إلى أن الحكومة الحالية تسعي من أجل تعزيز سلطة الدولة وحصر السلاح بيدها واستكمال مسار الإصلاح في كافة القطاعات… والجامعة العربية تؤيد قرار الحكومة حصر السلاح بيد الدولة والقوى الأمنية اللبنانية دون سواها وعلى كافة أراضي البلاد… باعتبار ذلك من الأسس الثابتة لمفهوم الدولة المعاصر، وضرورة لا غنى عنها لضمان الحفاظ على الصيغة التعددية القائمة على العيش المشترك.
و كذلك ترفض الجامعة العربية رفضاً كاملاً الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على لبنان وتُدين انتهاكها لسيادته واستهدافها المدنيين، وخرقها إعلان وقف الأعمال العدائية الذي دخل حيز النفاذ في نوفمبر الماضي… وتعتبر الجامعة هذه الهجمات تخريباً متعمداً لمسار الاستقرار السياسي في لبنان… كما ندعم موقف لبنان الداعي إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 1701 بكافة مندرجاته، وندعو المجتمع الدولي والوسطاء للضغط على إسرائيل لإلزامها بالانسحاب الكامل من كافة الأراضي اللبنانية والوفاء بتعهداتها… وندعو المجتمع الدولي لتقديم الدعم للجيش اللبناني باعتباره الضامن لوحدة لبنان واستقراره، وبما يُمكنه من تنفيذ المهام الضخمة الملقاة على عاتقه لاسيما ما يتعلق بتنفيذ قرار الحكومة بحصر السلاح بيد الدولة.
وأكد أبو الغيط علي إن استمرار التوترات والازمات الأمنية والسياسية في عدد من الدول العربية لا يهدد أمنها الداخلي فقط، بل ينعكس سلبا علي الأمن الإقليمي ويهدد السلام الدولي… ومن هنا أجدد مطالبة مجلس الأمن بضرورة تحمل مسؤولياته السياسية والقانونية استنادا إلى ميثاق الأمم المتحدة الذي أكد بوضوح على أهمية التعاون مع المنظمات الإقليمية، باعتباره ركيزة أساسية لضمان السلم والأمن في العالم…. وفي هذا الصدد، فإنني أدعو المجلس إلى تكثيف التعاون الثنائي المؤسسي مع الجامعة العربية وتعزيز دورية انعقاد المشاورات السياسية وتطوير آليات الإنذار المبكر والاستفادة من جهود الوساطة ودعم دور المبعوثين الأمميين والتنسيق في عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك… كما اؤكد علي ترحيب الجامعة باحتضان أشغال الاجتماع القطاعي السادس عشر بين المنظمتين في نوفمبر المقبل … وسيخصص لموضوع التعاون في مجال “حقوق المرأة وحماية الطفل في النزاعات المسلحة”.
واضاف إن موضوع إصلاح مجلس الأمن يكتسي أهمية بالغة، خاصة ونحن نناقش اليوم سبل تعزيز التعاون بينه وبين الجامعة… فتحربة حرب غزة تحديداً اثبتت ان المجلس يقف بعيداً عن تلبية تطلعات الشعوب التي تنتظر منه أن يكون أداة فعّالة لحفظ السلم والأمن بعيداً عن الانتقائية والمعايير المزدوجة… إن الإصلاح استحقاقٌ يفرضه الواقع الدولي الراهن… وفي هذا السياق، فإننا مستعدون كجامعة للدول العربية للانخراط بفاعلية وجدية ضمن هذا المشروع الطموح وذلك في إطار تنفيذ مخرجات ميثاق المستقبل والمرجعيات الإصلاحية الأممية الأخرى.
وفي النهاية شدد علي إن الامة العربية هي أمة سلام.. وسنواصل انطلاقا من هذا المبدأ واستنادا إلى مسؤولياتنا كجامعة للدول العربية، دعم جهود السلام لتسوية جميع الملفات الإقليمية المطروحة على جدول أعمال مجلسكم الموقر، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
كما نجدد التأكيد على التزامنا الثابت بالعمل المشترك مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن لتجاوز هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة والعالم…. وتفعيل تعاون مؤسسي يمكننا من تجاوز مآسي الحروب والصراعات والأزمات والانتقال نحو إرساء أسس السلام وتعزيز دعائم الاستقرار والتنمية المستدامة والشاملة لشعوبنا.