كيف نداوي ذاكرة الألم بعد حرب غزة؟

بقلم :عبير الحجار
الحرب توقفت… أو هكذا قالوا.
لكن من يوقف الحرب داخل القلب؟
من يُسكت صرخات الأطفال التي ما زالت تتردد في الجدران،
ومن يطفئ في الذاكرة لهب البيوت التي احترقت؟
لقد أعلنوا وقف النار، فهل تُعلن الذاكرة وقف نزيفها؟
هل يمكن لعينٍ رأت ما لا يُحتمل أن تبصر النور من جديد؟
وجع لا يُنسى، لكنه يمكن أن يُشفى
لا تُمحى من الذاكرة مشاهد الجوع والدمار بسهولة.
كل طفل بكى صار رمزًا،
وكل أم ودّعت وليدها تركت في القلب ندبة لا يبرئها الزمن.
لكننا، رغم الألم، نعرف أن الله لم يخلق الحزن ليكسرنا،
بل ليعيد تشكيلنا بعمقٍ أكبر وإنسانيةٍ أصدق.
النسيان ليس هو الحل،
بل الاعتراف بالوجع، ومواساة أنفسنا ومن حولنا،
والإيمان بأن من فقدوا لا يُغيبهم التراب، بل تخلّدهم السماء.
حين يصبح الحزن طريقًا للفعل
الشفاء يبدأ حين نُحوّل الدمع إلى فعل،
والألم إلى طاقة حياة.
نواسي من بَقوا، نبني لمن هُدم،
نروي الحكايات كي لا تُطمس،
ونُربي أبناءنا على ألا يكرهوا، بل أن يعرفوا أن القوة ليست في الانتقام، بل في البقاء أحياء رغم كل شيء.
سلامٌ يُولد من الرماد
قد لا نستطيع محو الصور من ذاكرتنا،
لكننا نستطيع أن نعيد رسمها بألوان الأمل.
كل مرة نختار فيها الرحمة على الغضب،
والعطاء على اليأس،
نُشفى قليلًا.
غزة لا تحتاج فقط إلى إعمار بيوت،
بل إلى إعمار القلوب التي أنهكها المشهد،
إلى إيمانٍ جديد بأن العدالة، وإن تأخرت، آتية لا محالة.
وختاما
الحرب انتهت، لكن الذاكرة لا تنام.
ومع ذلك، في داخل كل قلبٍ عربيٍّ ومسلمٍ وإنسانٍ صاحب ضمير حي،
توجد شعلة صغيرة تقول:
“سنحبّ الحياة كما أحبّها شهداؤنا،وسنكتب بالرحمة ما حاولت الحرب أن تمحوه.”
صوت يكتب كي لا ينسى الألم… ولكي لا تموت الحقيقة
عبير عبد السلام الحجار
كاتبة صحفية وإعلامية