غزة… عامان على سؤال لم نجد له إجابة؟

بقلم أيقونة الاتزان / السفير د. أحمد سمير
مرّ علينا في يوم 7 أكتوبر2025 ليكتمل العام الثاني على ما صار يُعرف بطوفان الأقصى، ونبدأ في دوامة العام الثالث وعلى غزة التي لم تزل تُقاسَم العالم ضحكتهُ ونسيانه أن تستمر في التضحية وخلال هذه الأيام والاشهر السابقة كلما تذكّرت صور البيوت المهدَّمة والوجوه المتّسخة بالتراب شعرتُ بثقلٍ لا يفارِقُ القلب: كيف لأمةٍ تملكُ هذا الكم من الامكانيات أن تَفتَقِرَ إلى أفعالٍ تُخَلِّصُ إخوتها من القهر؟
لا أتحدث هنا عن أوهامٍ دبلوماسية أو بياناتٍ تملأ الصحف ثم تُطوى في أدراج البيروقراطية؛ أتحدث عن آلام بشرٍ تهشّمت حياتهم، عن أطفالٍ صار وجههم صورةً تُعاد على الشاشات، ثم يُطوى الملفّ مع أفتقدهم؟ من يدفنهم؟ من يروي عطشهم؟ سيل الأسئلة يفيض، والإجابة تبقى محرّمةً على الشفاه التي تختبئ خلف «نحن ندين» ونعبر عن القلق.
الدين لا يقبل التخاذل
الدين يعلّمنا شيئًا لا يجوز تهميشه: المسلمُ أخُ المسلم، والواجب أن نكون لبعضنا سدًّا وعضدًا ليست هذه مجرد شعارات تُحلق في المؤتمرات، بل نداءٌ يتسلّل من نصوصٍ تُذكّرنا بأن الأخوّة تُقاسُ بالعمل لا بالتصفيق أو التنديد إن لم نحرّك أجسادنا ومواردنا لتخفيف مَصابهم، فكيف نَنطقُ عند الحساب؟ كيف نردُّ على سؤالٍ يوجهنا جميعًا: ماذا قدمتُ لغزة؟
الحربُ تركت آثارًا كارثية على كل متر في غزة: منازل مهدّمة ومرافق مدمّرة وأجسادٌ بحاجةٍ إلى علاجٍ لا يصل والحصارُ يضيفُ فصولًا يوميةً من الجوع والمرض، بينما تُستنزَف إرادة الشعب الصامد.
إن الحديث عن «حلٍّ سياسي» صار من الأوهام، بينما الأرض تُسلب وتُجزّأ والمستوطنونُ يتزايدون ويُكرّسون واقعا يجعلَ قيامَ دولة فلسطينيةٍ متصلةٍ أمرًا شبه مستحيل.
شموخٌ لا تُطفئه قنابل
لكن رغم كل هذا الألم، يبقى في غزة ما يُذهل: شموخٌ لا تُطفئه قنابل، وإرادةٌ تُنبتُ من الركام من رفع راية الصمود يعلّمنا درسًا قاسياً: ليس الخضوع طريق النجاة، بل الثبات والكرامة مهما علا ثمنُها وعلينا نحن كمجتمعات وأمم أن نُترجِم هذا التحدّي إلى فعلٍ حقيقي: دعمٌ إنساني بلا شروط، ضغطٌ دبلوماسي يُحاسبُ المحتلّ، وحراكٌ شعبيٌّ يصنعُ فرقًا أمام الضمّ والتهويد.
أدعو نفسي والآخرين إلى مراجعةٍ وجدانية: هل سنقف مع غزة؟ إنّ الإجابة الصادقة سيشهدُ بها الجسدُ كلّه، كما يقول الرسول عن حال المؤمنين كالبنيان المتكامل.
غزة: أنتم لستم وحدكم
أخيرًا، أقول لأهلنا في غزة: أنتم لستم وحدكم وإن طال لسانُ الظالم بحديثٍ عن الانتصار، فالقيم باقيةٌ، والحقُّ باقٍ، والنصرُ إن لم يأتِ في دنياكم فهو آتٍ حتمًا في ميزان العدل فلتبقوا شامخين؛ فبصمودكم تُعلّموننا ماذا تعني الكرامة حين تُروى بالدم والدموع. ويبقي السؤال إلى متي؟
السفير د. أحمد سمير
عضو هيئة ملهمي ومستشاري الأمم المتحدة
السفير الأممي للشراكة المجتمعية
رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية