مجزرة داخل مستشفى فى السودان: اتهام قوات الدعم السريع بقتل مئات المرضى والأطباء في الفاشر

سقوط الفاشر يقلب الموازين: دعوات أمريكية عاجلة لتصنيف “قوات الدعم السريع” كـ “منظمة إرهابية”
كتبت – د. هيام الإبس
منظمة الصحة العالمية وشبكة أطباء السودان تكشفان عن مجزرة مروعة ارتكبتها قوات الدعم السريع داخل مستشفى الولادة السعودي في الفاشر، حيث قُتل أكثر من 460 شخصاً بدمٍ بارد بعد سيطرة الميليشيا على المدينة.
الخرطوم تحت الصدمة: مستشفى يتحول إلى ساحة إعدام جماعي
كشفت تقارير صادرة عن منظمة الصحة العالمية وشبكة أطباء السودان عن واحدة من أبشع الجرائم منذ اندلاع الحرب في السودان، إذ ارتكبت قوات الدعم السريع مجزرة داخل مستشفى الولادة السعودي بمدينة الفاشر بعد سيطرتها على المدينة يوم الأحد الماضي، أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 460 مريضاً وطبيباً وممرضاً داخل المستشفى “بدمٍ بارد”.
وقال مدير منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم جيبريسوس إنه “مصدوم ومروع بشدة” من حجم القتل داخل المستشفى، دون أن يوجّه اتهامًا مباشرًا لطرف محدد، مضيفاً عبر منصة “إكس” أن التقارير الواردة من الميدان “تُظهر كارثة إنسانية تتجاوز الوصف”.
قتلوا كل من وجدوه في المستشفى
في بيان على فيسبوك، أكدت شبكة أطباء السودان أن عناصر الدعم السريع “قتلوا بدمٍ بارد كل من وجدوه داخل المستشفى، دون تمييز بين مريض أو طبيب أو امرأة”.
ويأتي هذا التطور بعد عامين من اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، إثر صراع على السلطة داخل النظام العسكري، توسّع سريعاً من الخرطوم إلى مختلف أنحاء البلاد.
الفاشر: مدينة المليون التي خُنقت بالجوع والحصار
تعد الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، وكانت تؤوي أكثر من مليون نسمة قبل أن تحاصرها قوات الدعم السريع منذ مايو 2024، لتصبح رمزاً للمأساة السودانية الحديثة.
في أغسطس من العام نفسه، أُعلنت المجاعة رسمياً في معسكر زمزم جنوب المدينة، حيث مات الآلاف من الجوع، ثم نفذت قوات الدعم السريع في أبريل الماضي مجزرة بحق أكثر من 2000 نازح أثناء سيطرتها على المعسكر الذي كان يضم نصف مليون شخص.
جرائم متكررة ومجازر ممنهجة
حذر الخبراء سابقًا من أن استيلاء الدعم السريع على الفاشر سيكون “تكرارًا لمأساة الجنينة”، المدينة التي شهدت في عام 2023 مقتل ما لا يقل عن 15 ألف مدني، معظمهم من المجموعات غير العربية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن قوات الدعم السريع هي الامتداد المباشر لميليشيات الجنجويد المتهمة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في دارفور عام 2003 بأوامر من نظام عمر البشير.
وفي يناير الماضي، أعلنت الحكومة الأمريكية رسمياً أن قوات الدعم السريع ارتكبت جرائم إبادة جماعية في دارفور.
أدلة من الفضاء: صور الأقمار الصناعية تكشف المقابر الجماعية
أظهرت صور تحليلها مختبر الأبحاث الإنسانية بجامعة ييل أن ثلاثة تجمعات من “الأجسام البيضاء” ظهرت بجوار المستشفى خلال يومين فقط (27 و28 أكتوبر)، مصحوبة بـ”بقع حمراء على الأرض” تشير إلى وجود مقابر جماعية أو مناطق قتل جماعي.
كما كشف التقرير عن “أدلة متسقة مع عمليات قتل جماعي” في موقع احتجاز تابع للدعم السريع داخل مستشفى للأطفال سابقًا بشرق المدينة، إلى جانب استمرار “عمليات قتل منهجية” قرب الجدار الترابي الشرقي للفاشر.
وقالت كايتلين هوورث، مديرة التحليلات في مختبر ييل، إن “الأرقام الحقيقية لم تتضح بعد، لكننا لا نتحدث عن عشرات، بل عن مئات وربما آلاف القتلى”.
قائد الدعم السريع يعترف بـ“تجاوزات” غامضة
وفي أول تعليق له منذ سقوط الفاشر، اعترف قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتى) بوجود “تجاوزات ارتكبها بعض الأفراد”، معلناً فتح تحقيق داخلي، لكنه لم يقدّم أي تفاصيل، ما اعتبره مراقبون محاولة لامتصاص الغضب الدولي.
سقوط الفاشر يقلب الموازين
تفاقمت الأزمة السودانية إلى مستوى جديد من الخطورة بعد سيطرة قوات الدعم السريع (RSF) على مدينة الفاشر، آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور ، في 28 أكتوبر 2025. التطور العسكري المفاجئ أثار ردود فعل غاضبة في الولايات المتحدة، حيث دعا عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى تصنيف قوات الدعم السريع كـ”منظمة إرهابية أجنبية” (FTO)، في ظل تقارير عن جرائم واسعة ضد المدنيين.
السيطرة على الفاشر: نقطة تحول في الحرب السودانية
أعلنت قوات الدعم السريع، بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتى)، سيطرتها الكاملة على الفاشر بعد حصار استمر لأشهر. المدينة كانت آخر مركز رئيسي للجيش السوداني في دارفور، وسقوطها يمثل انتصارًا ميدانيًا كبيراً لقوات الدعم السريع.
منظمات حقوقية مثل هيومن رايتس ووتش أكدت وقوع إعدامات جماعية وحرق قرى ونهب مساعدات إنسانية، مستهدفةً بشكل خاص سكان قبائل الزغاوة والفور، صور أقمار صناعية نشرتها وكالات دولية أظهرت دمارًا واسعًا في ضواحي المدينة.
ومنذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني (SAF) وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، قُتل أكثر من 20 ألف شخص، ونزح نحو 10 ملايين آخرين، فيما تصف الأمم المتحدة الوضع بأنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
الدعوات الأمريكية: نحو تصنيف إرهابي رسمي
أطلق السيناتور الجمهوري جيم ريش، رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، دعوة رسمية إلى إدارة الرئيس دونالد ترامب لتصنيف الدعم السريع كـ”منظمة إرهابية أجنبية”، واصفًا ما حدث في الفاشر بأنه “إبادة جماعية مخططة”.
وكتب ريش عبر منصة X:”الفظائع في الفاشر لم تكن خطأ، بل جزء من استراتيجية ممنهجة للإبادة العرقية في دارفور.”
من جانبها، أبدت السيناتور الديمقراطية جين شاهين دعماً مشروطاً للدعوة، مشيرة إلى ضرورة تقييم الأثر القانوني والدبلوماسي للتصنيف، لكنها انتقدت بشدة دور الإمارات العربية المتحدة، التي تُتهم بدعم قوات الدعم السريع بالسلاح والتمويل – وهي مزاعم تنفيها أبوظبي.
الخلفية القانونية والسياسية
الدعوات الحالية تأتي بعد خطوات سابقة من إدارة بايدن في يناير 2025، حين اتهمت رسمياً قوات الدعم السريع بارتكاب إبادة جماعية، وفرضت عقوبات مالية على حميدتى وعدد من قادته.
كما قدم ريش وآخرون في أغسطس 2025 مشروع قانون بعنوان “قانون المساءلة في السودان”، يدعو لتقييم الدعم السريع ككيان إرهابي.
في حال تصنيف الدعم السريع رسمياً ككيان إرهابي من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، ستُفرض إجراءات تشمل تجميد الأصول والحسابات المرتبطة بالدعم السريع وقادتها، وحظر التعامل المالي أو التجاري مع أي جهة مرتبطة بها.
ردود الفعل الدولية
الخارجية الأمريكية لم تُصدر بعد بيانًا رسمياً، لكن مصادر دبلوماسية تحدثت عن “مناقشات جادة” داخل الإدارة حول التصنيف.
الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي حذّرا من “خطر الإبادة العرقية المتجددة”، ودعوا إلى وقف فوري لإطلاق النار.
الإمارات نفت أي علاقة بدعم قوات الدعم السريع، بينما أشارت تقارير ميدانية إلى شحنات أسلحة عبر الأراضي الليبية.
الشارع السوداني والتفاعل الرقمي
حملة رقمية بعنوان #KeepEyesOnSudan انتشرت على منصة X، داعيةً إلى الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف حازم.
العديد من النشطاء واللاجئين السودانيين في المهجر رحبوا بالدعوة، معتبرينها “خطوة نحو العدالة الدولية”، بينما حذر آخرون من أن التصنيف قد يؤدي إلى إطالة أمد الحرب دون حلول سياسية حقيقية.ذ




