أراء وقراءات

“ثقافة المقارنة”: عندما يصبح الآخرون معيارًا لسعادتنا

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

في عالم السوشيال ميديا، لم يعد الإنسان يبحث عن سعادته… بل أصبح يبحث عن نسخة أفضل منه ليقارن نفسه بها.
نفتح هواتفنا فنجد حياة الآخرين مثالية: رحلات، نجاحات، إنجازات، علاقات ساحرة، وجوه بلا عيوب.
وبين صورة وأخرى، تتولد فكرة خطيرة: الجميع أفضل مني… وأنا متأخر.

هنا تبدأ ثقافة المقارنة.

*المثالية الزائفة: صورة لا تشبه الحقيقة

وسائل التواصل لا تعرض الحقيقة، بل اللحظات المنتقاة بعناية.
لا أحد يصوّر دموعه، خلافاته، إحباطه، أو الأيام العادية المملة.
نرى فقط: أفضل زاوية، أجمل لحظة،
أقوى إنجاز

لكن العقل يقارن تلك اللحظة الاستثنائية بيومك العادي، فتشعر أنك أقل، رغم أن المقارنة أصلاً غير عادلة.

*لماذا نقارن أنفسنا بالآخرين؟

العقل البشري مبرمج على المقارنة لتحديد مكانه داخل الجماعة.
لكن مع السوشيال ميديا، أصبحت الجماعة العالم كله.
بدلاً من مقارنة نفسك بأقرانك في محيطك الطبيعي، أصبحت تقارن نفسك بمؤثر يعيش في بلد آخر، أو مشهورة تملك فريق تصوير، أو شخص لا تعرف حتى إذا كان ما ينشره حقيقيًا أم مجرد تمثيل.

المشكلة ليست أنك تقارن نفسك، بل أنك تقارنها بـ نسخة غير واقعية من الآخرين.

*الشعور بالنقص: أثر نفسي صامت

ثقافة المقارنة لا تؤثر على الثقة فقط، بل تخلق دائرة مغلقة من المشاعر السلبية: تشك في قدراتك، تقلل من قيمة إنجازاتك، تشعر أنك متأخر مهما حققت.

ويتحول الهاتف إلى مرآة مشوهة تعكس أسوأ نسخة من نفسك.

*من المقارنة إلى اختلاق الذات

عندما يصبح معيار السعادة هو “كيف يرانا الآخرون”، يبدأ الإنسان في تزييف حياته أيضًا.
يبدأ في نشر ما يلمّع صورته، لا ما يعكس حقيقته.

هكذا يتحول الجميع إلى ممثلين…
وجمهور في الوقت نفسه.

وفي النهاية، لا أحد سعيد، لأن الجميع مشغول بصناعة صورة بدل عيش الحياة.

*كيف تتخلص من ثقافة المقارنة؟

ليست المشكلة في السوشيال ميديا، بل في علاقتك بها.
ولكسر المقارنة… جرّب هذه المبادئ:

▪️راقب نفسك: إذا شعرت بأن حسابًا يأخذ منك طاقتك، ألغِ متابعته.
▪️قارن نفسك بنفسك: ما تقدمه اليوم أفضل مما كنت عليه أمس، هذا هو المعيار الوحيد العادل.
▪️ركز على رحلتك: كل شخص لديه توقيته وظروفه ومساره المختلف.

السعادة ليست سباقًا…
والقيمة لا تمنحها اللايكات.

وختاماً..

ثقافة المقارنة تسرق أجمل ما في الإنسان: رضاه عن نفسه.
الحل ليس أن تغادر السوشيال ميديا…
بل أن تغادر منطق المقارنة.

تذكّر دائمًا: الصورة التي تراها ليست الحياة.
الحياة تُعاش… ولا تُنشر.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى