أراء وقراءات

النصب الرقمي… حين يتحول الفضاء الإلكتروني إلى شبكة صيد متقنة

بقلم / الدكتورة هناء خليفة

لم يعد العالم الافتراضي مساحة للمعرفة والتواصل فقط، بل أصبح البيئة الأكثر خصوبة لعمليات الخداع والنصب بمختلف أنواعها. فالمحتال لم يعد بحاجة إلى حيّز مادي أو أدوات تقليدية؛ يكفيه هاتف متصل بالإنترنت، وحساب مزيف، ورسالة مُغرية تُرسل في لحظة ضعف أو تسرُّع، ليقع المستخدم في الفخ بلا مقاومة تُذكر.

الخطير أن النصب الرقمي لم يعد سلوكًا فرديًا عابرًا، وإنما ظاهرة ممنهجة تعتمد على التخطيط والدراسة وتحليل سلوك المستخدمين. نحن أمام مجموعات منظمة تُتقن تصميم صفحات مقنعة، وصياغة رسائل تبدو “رسمية”، وبناء سيناريوهات خداع أكثر تطورًا من أي وقت مضى.

*منظومة خداع رقمية تعمل بدقة عالية

بعيدًا عن الصورة التقليدية للمحتال، باتت هناك شبكات كاملة تعمل وفق آليات واضحة.. مراقبة اهتمامات الضحية عبر تفاعلها اليومي، استثمار احتياجها للمال أو العمل أو الخدمات، خلق فرصة تبدو شديدة الإغراء وسهلة المنال، ودفعها إلى تقديم بياناتها قبل أموالها.

إنها عمليات مبنية على علم النفس قبل الهندسة التقنية، وعلى استغلال الثقة قبل اختراق الأجهزة.

*كيف تتم عملية اصطياد المستخدم؟

المحتال الرقمي لا يقتحم جهازك عنوة، بل يدخل من باب الثقة المبالغ فيها.

أبرز أساليبه:

▪️رسائل ربح سريع أو فرص استثمار “مضمونة”.

▪️حسابات مزيفة تستخدم صورًا حقيقية ومنشورات منقولة.

▪️روابط تبدو رسمية وتُحاكي مواقع المؤسسات الكبرى.

▪️انتحال هوية موظفين أو شركات معروفة.

الفكرة ليست في اختراق الحسابات… بل في اختراق عقل الضحية قبل أي شيء.

*حقائق يجب أن يتوقف أمامها كل مستخدم:

١- كل فرصة مبالغ في روعتها تحمل في العادة خدعة متقنة. فلا وجود لربح سريع بلا مقابل، ولا لاستثمار مضمون بلا مخاطرة.

٢- البيانات أثمن من الأموال.، قد يطلب المحتال صورة بطاقة، أو رقم هاتف، أو رمز تحقق… ومنها تبدأ الكارثة.

٣- الحسابات المزيفة تُدار باحتراف يفوق توقعات معظم المستخدمين، منشورات منسقة، وتعليقات متبادلة، وصور طبيعية… كلها أدوات تمثيل محسوبة.

*غياب الوعي الرقمي… نقطة الضعف الأكبر

الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها أن المجتمع يعاني فجوة واضحة في الثقافة الرقمية… الكثيرون ما زالوا يتعاملون مع الإنترنت بمنطق “المكان الآمن”، ويثقون بسرعة في أي محتوى مصاغ جيدًا، دون إدراك أن العالم الرقمي لا يمنح الثقة لأحد.

هنا تبرز الحاجة إلى:

▪️برامج وطنية للتوعية الأمنية.

▪️دمج مفاهيم الحماية الرقمية في المناهج الدراسية.

▪️دور إعلامي أكثر قوة في كشف أساليب النصب بدلًا من التعامل معها بعد وقوع الضرر.

المعرفة لم تعد رفاهية… بل خط الدفاع الأول.

*التكنولوجيا ليست الخطر… إنما طريقة استخدامها

 

التكنولوجيا بريئة من كل الاتهامات، والخطر الحقيقي يكمن في الاستهانة بها، وفي الثقة العمياء التي يمنحها بعض المستخدمين لأي رسالة أو عرض أو حساب.

العالم الرقمي لا يُعادي أحدًا، لكنه يتطلب وعيًا مستمرًا، ونظرة متفحصة، وقناعة بأن حماية البيانات الشخصية لا تقل أهمية عن حماية المال ذاته.

وختاماً..

المعركة مع النصب الرقمي لن يحسمها القانون وحده، ولا التطبيقات، بل مستخدم واعٍ، يقظ، يعرف متى يتوقف… ومتى يغلق الباب قبل أن يُفتح.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى