أراء وقراءاتالصراط المستقيم

“الاغتصاب الزوجي” هل هو مخالفة تستحق العقوبة شرعا؟

‏أعده للنشر/هاني حسبو

قد يستغرب بعض الناس من الكتابة في هذا الموضوع ويقول إنه موضوع لا طائل تحته، غير أننا كنا نقول هذا الكلام في مواضيع كثيرة حتى صارت شبهة نُسأل عنها كل أسبوع مرة أو مرتين، وكل من يتابع الحالة الفكرية الموجودة اليوم يعرف أن كثيراً من العقول متأهبة تماماً لموضوع (الاغتصاب الزوجي) وشرعنة الحديث عنه على أنه مخالفة تستحق العقوبة شرعاً.

 

فعقلية المظلومية وعقلية الطمع (وهي حيازة أكبر قدر من المكاسب بغض النظر عن الآخرين) عقلية منتشرة بين الكثير من النسوة ويتأثر بخطابهن فئة من الرجال.

 

أولاً: (الاغتصاب الزوجي) هذا تركيب متناقض عندنا شرعاً، فالغصب هو أخذ ما ليس لك به حق، وجماع الرجل لزوجته من حقوقه الشرعية المتفق عليها، ولهذا لو كان بيني وبينك شراكة في مال واستَبددتَ بنصيبي عني فأخذته منك دون رضاك فهذا لا يسمى غصباً بالمعنى الشرعي للغصب بل يسمى استرداداً للحق.

 

قال البخاري في صحيحه 5364 – حدثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى، عن هشام، قال: أخبرني أبي، عن عائشة، أن هند بنت عتبة، قالت:

[يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي، إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: «خذي ما يكفيك وولدك، بالمعروف»].

 

هذا الحديث المحبذ عند الناس اليوم يبين هذا المعنى، فهند لما كانت آخذةً لحقها لم يُسمَّ فعلها سرقة مع أنها تأخذ المال خلسة، وهناك مسألة معروفة عند الفقهاء بعنوان (مسألة الظفر) فيها الكلام عن هذا الباب.

 

ثانياً: هناك فرق بين ضرب الزوجة ضرباً مبرحاً وما يسمونه الاغتصاب الزوجي، فما يسمونه الاغتصاب الزوجي تعريفه جماع المرأة دون رغبتها، كثير ممن سيسعون لشرعنة الأمر سيتكلمون عن الزوج الذي يجبر زوجته بالضرب الشديد المبرح لتطاوعه وهذا باب مختلف.

 

وهو لا يشكِّل إلا نسبة ضئيلة جداً مما يتكلمون عنه ويُعَنوِنون له بالاغتصاب الزوجي، وذلك أن عامة الرجال ليسوا بحاجة إلى بذل كل هذا الجهد لتحصيل المطاوعة، ولهذا الكثير جداً من دعاوى الاغتصاب في الغرب يتم التحقيق فيها مطولاً لأنه لا توجد أدلة من ضرب أو نحوه.

 

ثالثاً: لو فرضنا وجود ما يسمى بـ(الاغتصاب الزوجي) فإنه لا سبيل لإثباته أمام القضاء إلا بفتح باب للتبلي؛ فإنه من المعلوم عند الفقهاء أنه إذا اختلف طرفان في شيء فالقول قول أحدهما مع يمينه إذا كانت دعواه موافِقة للأصل، وقول الآخر مع البينة إذا كانت دعواه مخالفة للأصل.

 

فعلى سبيل المثال شخص ادعى أن له مالاً على شخص آخر فالشخص الآخر لا يحتاج أكثر من اليمين لأن دعواه موافقة للأصل وهو عدم الاستدانة وأما المُدَّعي فيحتاج بينة.

 

وهنا الزوجة حين تدَّعي على الزوج أنه أكرهها فهذه دعوى خلاف الأصل، ولا يمكن أن يؤتى بشهود والحال هذه فهذا أمر خاص بين الأزواج، فيكون القول قوله مع يمينه.

 

رابعاً: انطلقت قبل مدة حملة في الغرب تقول (لا، يعني لا) وقد أطلقتها مجموعة من النسوة يُعرِّفن الاغتصاب بأنه بمجرد أن تقول لك المرأة لا ولو كان ذلك في منتصف الجماع فإن استمرارك يسمى اغتصاباً وإن كانت بداية العلاقة بالتراضي، وهذا هو المذهب المشهور عند نسويات الغرب! وأظن نسويات الشرق لن يتأخرن عنهن.

 

وواضح أن هذا باب للابتزاز ولكنه أيضاً ينطلق من (أيدولوجيا الضحية) وهو اعتقاد أن المرأة دائماً مظلومة وأن الرجل ظالم محتمل هي تنظر لرغباتها وشهواتها على أنها أمور طبيعية وواجبة الاحترام، ولكنها تنظر لرغبات الرجل وحاجاته على أنها حيوانية ووحشية.

=

=

هذه النظرة لا تظن أنها لا توجد في مجتمعاتنا، بعض من لا تتوقع من النساء تجد عندها هذه الفكرة العجيبة، ولهذا تجد تجريداً عجيباً فيأتيك الحديث عن شبهة (ضرب المرأة الناشز) على أنه الحديث عن (ضرب المرأة) فيُنسى نشوزها تماماً ويُكتفى بأنها امرأة وضحية.

 

ويأتيك الاستغراب من حديث لعن الملائكة للمرأة التي تأبى أن تأتي لفراش زوجها (وهذا يبين لك أن موضوع الاغتصاب الزوجي ليس مُيسراً لكل أحد بالصورة العنترية التي يُصوِّرون).

 

ولو كان الحديث معكوساً فكان اللعن للرجل الذي يأبى أن يأتي لامرأته لتفهَّموا الحديث وقالوا إن هذا من رحمة الشريعة بالمرأة الضعيفة وتقدير لرغباتها وحاجاتها، ولكن لمَّا تعلق الأمر بالرجل نُسِي ما أنفقه قبل الزواج وبعد الزواج وأن هذا مقصد الزواج الأساسي، الإعفاف، لأنه باختصار يُنظر لرغباته على أنها حيوانية وتسلط، لهذا لا يمكن أن يفهموا أن المرأة التي تمنع الرجل من حقه ظالمة والرجل هنا مظلوم.

 

وكان من إعجاز الشريعة أنها نبَّهت على هذا الظلم الخفي، فاليوم كثير من ظلم النساء للرجال ظلم خفي قد لا يشعر به حتى الظالم نفسه فيحتاج إلى تنبيه، فالآن لو أن رجلاً رآك وأنت تريد أن تشتري سيارة فرغَّبك بشراء سيارته، فلنت له وأعطيته المال كاملاً في الموعد ولم تقصر معه، ثم هو ماطل وظلَّ يماطل في تسليمك السيارة فلا هو تركك تشتري من غيره ولا ترك لك مالك، هذا مثال تقريبي وليس مطابقاً لحادثة منع المرأة نفسها من الرجل دون أي عذر.

 

النظر للمرأة المتزوجة على أنها ضحية أو تُقدِّم تضحية كان منبعاً للكثير من الشبهات، فقد اكتشفتُ أن عدداً ممن يعترض على زيجات النبي صلى الله عليه وسلم أو حتى طوافه على نسائه يستبطنُ هذا المعنى.

 

يَنظر لعملية الزواج على أنها تضحية من امرأة لأجل رجل وأولاده، ولهذا لماذا يستكثر النبي صلى الله عليه وسلم من النساء المُضحيات؟ وكأنهن لن ينتفعن بصحبته في الدنيا والآخرة.

 

وحتى طوافه على نسائه يتكلمون عنه وكأنَّ نساءه لا يحببن قربه صلى الله عليه وسلم. وهو يتفضل عليهن بهذا وهن يسعدن به بل يرون ذلك تضحية.

 

للأسف هذه الأفكار فاشية بين الكثير من الناس، ومنها تتفرع المطالبات الكثيرة جداً للأزواج وقوانين الأسرة الجائرة، فهم يرون أنفسهم ينصرون الضحية والمُضحِّية.

 

خامساً: في قضايا الاغتصاب في الدول المتصالحة مع الزنا بالتراضي، لا يُتسامح في تصديق أي مُدَّعية ومع ذلك ظُلِم رجال كثيرون في دعاوى الاغتصاب والتحرش الكيدية.

 

وعادةً ما يعتمد المحامون المدافعون عن الرجال على قرائن، مثل أن يأتوا برسائل ودية بين الطرفين في الهاتف وغيرها لبيان أن الأمر تم بالتراضي.

 

وفي حال الحديث عن الأزواج كيف سيتم الأمر؟

 

لا أظن الأمر سيُقرُّ قريباً، فالحاصل جسُّ نبض، ولكن إن تم ففي الغالب انحياز القضاة المعتاد سيفتح باباً للتبلي والبلاء.

مختارة من مواقع التواصل الاجتماعي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى