صورة البطل في الدراما المصرية.. قدوة أم سلعة

بقلم – طارق مختار سعد
كاتب وناقد أكاديمي
في السنوات الأخيرة، تحولت صورة البطل في بعض الأعمال الدرامية المصرية من شخصية تقدم نموذجًا للقيم والأمانة، ومثالاً حيًا تتجسد فيه العادات والتقاليد المجتمعية، إلى قالب درامي يبرّر العنف، ويمارس الانحراف الأخلاقي بدعوى مجموعة من المبررات الواهنة، لم يحدث هذا التحول بالصدفة أو فجأة؛ بل هو نتاج تراكم ثقافي وإنتاجي وتجاري، قاد بعض صناع الدراما إلى تقديم البطل في صورة جذابة بصريًا واستعراضيًا، لكنها في الوقت ذاته؛ مفرغة من المحتوى القيمي والأخلاقي.
أمام رغبة شركات الإنتاج في تحقيق نسب مشاهدة عالية، جاء سعيها إلى تقديم نماذج وقوالب “معلبة”، تضمن جذب المشاهد، تصاحبها عناصر الإثارة والتشويق والتوظيف الجسدي، فظهر قالب البطل البلطجي، الذي استغل الأثر الثقافي لفكرة البطل الشعبي في أعمال نجيب محفوظ ، ثروت أباظة، وقدم صورة ممسوخة من هذا البطل وفق معطيات حداثية وحزمة من المواصفات التي تستهوي فئات مجتمعية في الفترة الراهنة، وهى عبارة عن مجموعة العناصر التي تسهل عملية الترويج وتزيد من نسب المشاهدة، ومنها: مشاهد شجار وعنف جسدي، كاريزما مفتعلة في أسلوب البطل، علاقات غرامية وإيحاءات مثيرة، بما يمكن تسميته “عناصر الطبخة الفنية”، رغم ابتعادها عن الفهم الحقيقي للفن ورسالته، إلا أن هذه الأدوات التجارية تدفع بقوة نحو تحقيق الأرباح المهولة التي تنشغل بها بعض شركات الإنتاج، الأمر الذي دفع الكثيرين إلى تكرار نماذج مشابهة عبر أعمال كثيرة، حتى أصبحت تلك الصورة القاتمة هي الصورة النمطية والأكثر رسوخًا في ذهن قطاع كبير جدًا من المشاهدين خاصة الشباب.
تكمن المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا أمام بطل يتعدى حدود المجتمع، يتجاوز منظومة العادات والتقاليد، ويصطنع المبررات التي تسمح له بالتحايل والتهديد والانتقام خارج إطار القانون، وتصير أفعاله التي تناقض القيم الاجتماعية أفعالاً بطولية وملهمة، الأمر الذي يقودنا إلى التأصيل لفكرة الغابة، وأن العدالة لا تتحقق باليد، وأن مفاهيمًا مثل العدل والخير والحق أصبحت غير قادرة عن إنصاف الأفراد، وهو ما يبرّر العنف ويجعله حلاً دراميًا، وربما كان هذا سببًا مباشرًا في أوجه النقد التي قدمتها بعض الأقلام لمسلسلات مثل جعفر العمدة، فهد البطل، وسيد الناس، حيث قوبلت تلك الأعمال وغيرها بملاحظات نقدية حول صورة البطل التي قدمتها، سواء في مفردات الحوار أو الجانب السلوكي التي يتخذه البطل سبيلاً لحل مشكلاته وعلاج بعض الأزمات التي يمر بها، ما يثير سؤالًا أخلاقيًا حول مسؤولية الدراما في تقديم مرجعيات إنسانية صالحة للتعايش داخل المجتمع.
قد يختلف البعض مستندًا على أن ما تقدمه الدراما هو تجسيد للواقع، إلا أنه يجب التأكيد على أن الفارق بين تجسيد الواقع وتجميل الانحراف واضح بلا شك، فالفن الذي يقدّم العنف بوصفه استجابة طبيعية دون مساءلة أخلاقية؛ يتحول إلى شهادة براءة للأفعال المشينة، خصوصًا حين تصاحب تلك الأفعال مجموعة من المؤثرات السمعية والبصرية التي تستخدمها الدراما من موسيقى تصويرية جذابة وإخراج سينمائي مبهر، وهكذا تكتمل المعادلة الانتاجية: محتوى مفرغ من القيم والأعراف+ صورة جاذبة مثيرة+ مقاطع مجتزئة على المنصات ومواقع التواصل+ جمهور مشوق إلى الإثارة والجدل= تتحقق نسب مشاهدة خيالية، ويصبح الأثر السلبي حقيقيًا وفاعلاً دون أن نقدم حلولاً أو معالجات تحمل قدرًا من المسئولية تجاه المجتمع.
أزعم أن أولى الخطوات الواجبة في هذه المرحلة، هو كتابة سيناريو لا يكتفي بصناعة صورة لبطل قوي جسديًا، وماهر إجراميًا، بل نقدم نموذجًا صالحًا، يستثمر أثره الإنساني في المتلقي، وأن ينشغل صناع الدراما بالبحث عن تنويعات درامية تسهم في رفع جودة الحكاية، دون المساس بأدوات التشويق الفنية، وأن تقوم الصحافة الفنية بدورها في تقييم تلك الأعمال، وتوعية الجمهور بما يليق به وما يتنافى مع منظومة القيم السائدة في المجتمع، فإذا أرادت الدراما المصرية أن تستعيد مكانتها مثلما كانت مرآة بنّاءة للمجتمع ؛ فلابد لها أن تعيد حساب تلك المعادلة المشار إليها في المقال، فعليها أن تستعيد صورة البطل بوصفه قدوة حسنة وليس شخص منفلت يبطش بالآخرين؛ فلا يمكننا قبول فكرة أن المجتمع المصري يحتاج إلى بطل يمتلك القوة الغاشمة المجردة من العقلانية وتحمل المسئولية، بل يحتاج إلى بطل ملهم يتخذ من قوة العقل سبيلاً للتعايش وفهم طبائع الأمور، تلك القوة التي تبني المجتمعات وتحافظ عليها من الهدم والتفكك.



