السيرة النبوية (32) .. لماذا دعا النبي بهداية أحد العمريين ؟
ذكرنا في الحلقة (31) ما أصاب رسول الله من سب وشتم وأذى من الطاغية أبي جهل،فزأر الأسد حمزة بن عبدالمطلب من أجل ابن أخيه محمد، وضرب أبا جهل وشج رأسه، وتزلزلت الأرض من تحت أقدام ذلك الفرعون الطاغية وأذله علانية أمام كل قريش، وأسلم البطل حمزة بن عبدالمطلب. وبدأت تلوح في الأفق بوادر برق ورعد واقتراب اسلام بطل جديد ، لاتتزلزل أرض مكة وحدها بإسلامه ، بل تتزلزل الدنيا بأسرها وهو اسلام عمر بن الخطاب وهذه مبشرات للمؤمنين ، وعبرة لأهل الباطل والطغاة اجمعين
وعندما يقترب القلم من الكتابة عن عمر بن الخطاب يعتريه الخوف ويصبح القلم ثقيلا من ثقل وزن شخصية عظيمة مثل شخصية عمر ، فيستصغر القلم نفسه ، ويعجز المداد الذي يكتب عن شخصية اهتز لها التاريخ وتزلزلت بها عروش اعتى الدول وأقوى الامبراطوريات .. انه الخليفة الحكيم ، والحاكم العادل الذي لم تشهد الدنيا مثيلا له من البشر بعد الأنبياء في الرحمة والقوة والحكمة .. واستغرقت وقتا طويلا ابحث في كيفية الكتابة عن عمر في تلك الحلقات التي لو بسطنا الحديث فيها عن عمر بن الخطاب لاستنفدت مئات الصفحات. لذا سأتناول موجز قصير عن عمر بن الخطاب قبل اسلامه على أن نفرد له بحثا مستقلا مستقبلا بإذن الله..
وهذه(حلقة32) الجزء الأول عن حياة عمر بن الخطاب أحد العمرين الذين دعا لهما النبي ((اللهم أعزَّ الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك : بأبي جهلٍ-عمرو بن هشام – أو بعمر بن الخطاب)).
لانستطيع الاستفادة من دراسة التاريخ بغير المقارنة بين احوال الأمم والشعوب قبل الحوادث ، وبين ماطرأ عليها من تغيير بعد الحوادث سواء كان هذا التغيير من الهبوط الى الارتفاع ، أو من الافضل أو الى الأسوأ ، مهما كان حجم هذه الحوادث ، وسواء أكانت الحوادث صغيرة أم كبيرة ، قصيرة الأمد أو طويلة ، والجامع بين هذه الاحداث هو ان الحال قبل هذه الحوادث يختلف عنه بعد وقوع تلك الاحداث ، وإذا أردنا أن نتبين مدى أهمية أي حدث ، نقوم بمقارنة الاحوال قبله وبعده. و لا يتم إهمال الحوادث التي نراها صغيرة حيث لا توجد حوادث صغيرة وأخرى كبيرة ،حيث ان الحوادث الكبيرة ماهي إلا مجموعة حوادث صغيرة تتجمع بعضها الى بعض في نطاق مكاني وزماني محدد.
وفي اطار الحديث عن الزلزال الذي هز مكة بأسرها وقريش بكل مكوناتها وهو اسلام عمر بن الخطاب في حادثة لم تتوقعها قريش ولا زعماؤها . لذا سنلقي ضوءا سريعا على احوال العرب في الجاهلية قبل الاسلام ومدى تأثير ذلك على عمر ومكانته وحياته ، وأحواله بعد إسلامه .
حياة عمر في الجاهلية قبل الاسلام:
لم تتحدث كتب التاريخ والسيرة بالكثير عن اليوم الذي وُلد فيه عمر بن الخطاب بيولوجيا ، لكننا نتكهن بأنه كان يوما عاديا على الاغلب شأن كل ابناء جزيرة العرب الذين لم يكن يعلم عنهم العالم شيئا كثيرا ، لكننا نعرف الكثير عن حياته وولادته الجديدة بعد اسلامه وسيرته التي ملأت الدنيا بأسرها .
فمن هو عمر بن الخطاب ؟؟
نشأ عمر بن الخطاب في مكة وتربى في ربوع بطاحها بين ابناء عشيرته واهله في بني عدي بن كعب من بني مخزوم ، وكان يدين بالوثنية كغيره من فتيان وسادات قريش . وكانت تسود عادات وتقاليد في مجتمع الجزيرة العربية يتأثر بها كثير إن لم يكن كل مَنْ وُلدوا وترعروا فيها :
1- شرب الخمر :
كان عمر كغيره من شبان قريش يشربون الخمر في جلساتهم ، كما كانت تنتشر محلات اللهو وإحياء السهرات بين الشباب التي يتم فيها تعاطي الخمور والمسكرات .
ورد في كتاب البداية والنهاية لابن كثير جزء 3 ص 81 [1] :
قال ابن اسحاق :
أن عمر كان يقول :
((كنت للإسلام مباعدا وكنت صاحب خمر في الجاهلية أحبها واشربها ، وكان لنا مجلس يجتمع فيه رجال من قريش بالحزورة ، فخرجت ليلة اريد جلسائي اولئك فلم أجد فيه منهم احدا فقلت لو أني جئت فلانا الخمَّار لعلي اجد عنده خمرا فاشرب منها ، فخرجت فجئته فلم أجده، قال: فقلت لو أني جئت الكعبة فطفت سبعا [2] )).
2- امتهان المرأة وامتلاكها وامكانية بيعها للغير ووأد البنات :
لم تكن المرأة انسانا في العرف الجاهلي مثلما الرجل سواء عند العرب أو عند غيرهم ، بل كانت المرأة تدخل ضمن الممتلكات لولِّي أمرها .
فهي ملك لأبيها قبل الزواج ، أو ملك لأخيها أو من يتولى أمرها ، وبعد الزواج تكون ملكا لزوجها .
فلم تعرف المرأة أن لها أصلا حقوقا انسانية إلا عندما جاء الاسلام .
وساد ذلك في المجتمعات التي لم تدخل الاسلام حتى وقت قريب ، ونذكر حادثة وقعت منذ وقت قريب عام 1933 في بريطانيا التي كانت تُلقب بالامبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس.
رجل انجليزي يبيع امرأته:
لم أكن اتخيل ان الحضارة الغربية التي نُفتتن بمظاهرها أن فيها رجلا من بريطانيا العظمى( سيدة الحضارة الغربية قبل امريكا ) وفي عام1933باع زوجته بمبلغ خمسمائة جنيه استرليني (500)جنيه [3] ، وألغى القضاء هذا البيع.. (كتاب فقه المرأة المسلمة – الشيخ محمد متولي الشعراوي ص 9)
هذه القضية قد تتخيل انها من الف سنة مثلا ، والحقيقة انها فقط (منذ ثمانين عام فقط) بينما الاسلام اعطى المرأة حقوقها كاملة منذ (1440)سنة تقريبا ..
فلا تنخدعوا بمظاهر الغرب الذي ينبهر به كثيرون بلا وعي ، ويلهثون وراءه بكل ما فيه من محاسن ومساوئ نتيجة لحضارته المادية الظاهرة ، ولاننكر حضارته المادية والعلمية لكن ينبغي التنبه للخل الانساني في تلك الحضارة التي أقيمت على استغلال الانسان وانحطاط القيم الاخلاقية فيها . وأذا كان المسلمون يعيشون التخلف المادي والعلمي في عصرنا الحاضر نتيجة لابتعادنا عن تحقيق دين الله في سلوكياتنا ، فإن ديننا العظيم والمؤمنون به عقيدة وتشريعا واخلاقا قد قدموا اعظم حضارة انسانية وأخلاقية ومادية في فترات ظلام الانسانية كلها ,ويجب ان يعود ذلك النور للبشرية بنا جميعا بالعودة الى نور الله وسلوكيات ديننا العظيم واخلاقيات نبينا التي تحتاج البشرية في كل عصر .
3- وأد البنات :
الوأد في اللغة الثقل، وأطلقت الكلمة على البنت التي تدفن حية، لأنها تثقل بالتراب، قال ابن منظور والزبيدي: “وأد الرجل ابنته إذا دفنها في القبر حية وأثقلها بالتراب [4]، وهو ما أكده المفسرون في تفسير كلمة “الموءودة“، فقد ذكر الطبري أن الموءودة هي المدفونة حية. وقال القرطبي سميت الموءودة بذلك: لما يطرح عليها من التراب فيؤدها أي يثقلها حتى تموت“ [5] .
وكان من سلوك بعض العرب في الجاهلية ظاهرة وأد البنات ، وشاعت بين القبائل البدوية التي ينتشر فيها الغزو، وعلي رأسها قبيلتا ربيعة وتميم، ولم تقتصر ظاهرة وأد البنات على العرب بل كانت موجودة عند بعض الأمم الأخرى مثل اليهود واليونان والهنود، وتعددت أسباب وأد الإناث فكان منها الفقر، والخوف من عار السبي والحمية.. ولم تقتصر على الدفن فقط بل شملت الإلقاء من مكان شاهق، والإغراق في بئر ماء، وما شابه.
أول من وأد البنات في العرب:
واختلفت الروايات في تحديد تاريخ ظهور هذه العادة بين العرب، وأول من سّنها فيهم، فهناك روايات تقول: إنها أول ما ظهرت في قبيلة تميم على يد زعيمهم قيس بن عاصم المنقري، ثم انتشرت في القبائل العربية الأخرى، ذكر أبوعبيدة (المتوفى سنة 211ه -826 م) أن قبيلة تميم امتنعت عن دفع الأتاوة المقررة عليها للنعمان بن المنذر ملك الحيرة،فأرسل إليهم النعمان جيشاً، أكثره من بكر بن وائل، استاق النعم وسبى الذراري، فوفدت بنو تميم على النعمان وكلّموه في رد ذراريهم ، فحكم النعمان بأن يُجعل الخيار في ذلك الى النساء، فأية امرأة اختارت أباها ردت إليه، وإن اختارت صاحبها (سابيها) تركت عليه، وكان بينهن ابنة لقيس بن عاصم، فاختارت سابيها، ورفضت العودة لأبيها، فنذر قيس أن لا تولد له ابنة إلا قتلها، ففشت هذه العادة في تميم والعرب قاطبة بعده [6]
ولما جاء الاسلام حرم العادة كليا ، وعدَّها من الموبقات، وحث على حسن تربية الاطفال ولا سيما الاناث منهم، واعتبر ذلك من الاسباب التي تُدخل الوالدين الجنة ، وضمن للآباء رزقهم ورزق أولادهم.
والسؤال : فهل وأد عمر ابنته في الجاهلية؟
وسنجيب عليه في الحلقة القادمة بإذن الله..
4- تعذيب المستضعفين من المؤمنين
قام عمر بن الخطاب مثل غيره من شباب وزعماء قريش بتعذيب المؤمنين بشدة قبل اسلامه ودليل ذلك مايلي :
1) تعذيب جارية بني المؤمل: وهي امرأة في حي من احياء عشيرة بني عدي ابن كعب ، فكان يقوم عمر بتعذيبها طوال اليوم ، ولا يتركها إلا عندما يتعب من ضربها ، ويمل من تعذيبها .
فيقول لها : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة.
وكانت من الموالي التي اشتراها ابو بكر الصديق وأعتقها [7].
2) ومما اوردته كتب السيرة في تعذيب عمر للضعفاء ماروته أم عبدالله (ليلى بنت ابي حثعمة [8]) زوجة عامر بن ربيعة ، قالت : والله إنا لنرتحل الى ارض الحبشة فقد ذهب عامر في بعض حاجتنا إذ أقبل عمر بن الخطاب رضي الله عنه حتى وقف علىَّ ، وهو على شِرْكْهِ ،وكنا نَلْقَى منه البلاء والشدة علينا ، فقال : أتنطلقون يا أمَّ عبدالله ؟!
فقلت : نعم. والله لنخرجن في ارض الله ..آذيتمونا وقهرتمونا حتى يجعل الله لنا فرجا !!
فقال : صَحِبكم الله .. ورأيت له رِقَّةً وحزناً لم أكن أراها ، ثم انصرف وقد أحزنه فيما أرى خروجنا [9].
لا يُسْلم عمر حتى يُسْلِمَ حمار الخطاب [10]
فجاء عامر بن ربيعة من حاجته تلك ، فقلت : يا أبا عبدالله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا !
فيتعجب زوج تلك الصحابية التي تتوقع اسلام عمر صاحب القلب الصخر ،كيف يُسلم وهو الذي يستعذب تعذيب المسلمين. فيقول لها : أفتطمعي في إسلامه؟
قلت : نعم .
فقال : لا يُسْلم الذي رأيت حتى يُسْلِمَ حمار الخطاب!.
ويوضح ذلك مدى العنت والأذى الذي كان من المشركين (ومن بينهم عمر نفسه) للمستضعفين من المؤمنين.
فهداه الله فأسلم ، فصار على الكفار أشد منه على المسلمين [11].
وفي رواية الطبراني :
روى الطبراني عن عبدالله بن عامر بن ربيعة ، عن أمه (ليلى بنت ابي حثمة) [12] قالت:
كان عمرُ ابن الخطاب من أشد الناس علينا في إسلامنا ، فلما تهيَّأنا للخروج الى ارض الحبشة ، فأتي وأنا على بعيري وأنا أريدُ أن أتوجه ، فقالَ :أين يا أمُ عبدالله ؟
فقلت :آذيتمونا في ديننا ، فنذهبٌ في أرض الله حيثُ لا نُؤذى.
فقال عمر : صَحِبَكم الله ثم ذهب !!.
فجاء زوجي عامرُ بن ربيعةَ فأخبرته بما رأيتُ من رِقَّةِ عمر ، فقال :
” تَرجينَ أن يُسلمَ ، والله لا يُسلمُ حتى يُسْلِمَ حِمارُ ابن الخطاب” .
لِما كان يرى من غِلظته وشدته على المسلمين.
ومن هنا ايضا ربما بدأ الاسلام يدب في قلب عمر …
3) قال سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل – وهو ابن عم عمر ، وزوج اخته فاطمة بن الخطاب:
((والله لقد رأيتني وإن عمر لموثقي على الاسلام قبل أن يُسلم [13] ))
وهكذا ربط عمر سعيدا بسبب اسلامه ليصده عن دينه.
4) اعتداء عمر على أخته فاطمة وزوجها سعيد بن زيد عندما علِم بإسلامِهما ، واقتحم عليهما البيت فبطش بزوجها ووطئه بقوة وطئا شديدا وهو في حالة هياج وغضب ، فحاولت أخته أن تحجزه وتنقذ زوجها منه، فضربها بيده ضربة شديدة فشجها ، فسال الدم من وجهها .
فلما رأت فاطمة الدم قالت :
هل تسمع يا عمر ؟؟؟ أرأيت كل شئ بلغك عني مما يذكر من تركي آلهتك وكفري باللات والعزى فهو حق، أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، فائتمر أمرك، واقض ما أنت قاض!
إنها المواجهة من الجانب الضعيف الذي لايملك قوة مادية تمكنه من ردع المعتدي الطاغي،ثم يستمد قوته من قوة الحق الإلهية التي تندفع في قلبه وتسري في عروقه فتمنحه قوة خارقة تقصف وجه الباطل،وإنها الكلمات القاذفة للخوف من قلب الضعيف ، فتثير الرعب في قلب الطاغية :
فاقض ما أنت قاض!! ….إنها الكلمة التي قالها سحرة فرعون عندما آمنوا بالله وكفروا بفرعون
((فاقض ما أنت قاض،أنما تقضي هذه الحياة الدنيا))
فيقع عمر على الأرض وتخر قواه …
ونستكمل هذه القصة في السطور التالية عند اسلام عمر .
ماذا كان يعمل عمر قبل الاسلام:
اقتصرت الاعمال المتوفرة في صحراء جزيرة العرب على التجارة للذين كانت تتوفر لهم الأموال ، والرعي لمعظم باقي ابناء الجزيرة ، وكان عمر بن الخطاب يرعي الغنم في مكان يسمى شعاب ضجنان بين مكة والمدينة ويتحدث عمر عن عمله في هذه الشعاب .. يرعي الاغنام لأبيه الخطاب.
أن محمد بن عمرو يحيى بن عبدالرحمن بن حاطب عن :
أقبلنا مع عمر بن الخطاب قافلين من مكة حتى إذا كنا بشعاب ضجنان وقف الناس فكان محمد (راوي الحديث يقول واصفا هذا المكان) : أنه مكان كثير الشجر والأشَبِ .
فقال (أي عمر بن الخطاب): لقد رأيتُني في هذا المكان وأنا في إبل للخطاب ، وكان فظا غليظا ، أحتطبُ عليها مرة واختبطُ عليها أخرى ، ثم أصبحتُ اليوم يَشْرِبُ الناسُ بجنباتي ليس فوقي أحدٌ. قال ثم تمثل بهذا البيت :
لاشئَ فيما ترى إلا بَشَاشَتَهُ ….. يبقى الإلهُ ويودي المالُ والولدُ.
وفي رواية :
ثم أصبحتُ إلى أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم قال متمثلا :
لا شئَ فيما ترى إلا بشاشتُه …. يبق الإلهُ ويودي المالُ
ويعني بذلك ان الأمر بيد الله ، كان بالأمس راعيا للغنم تحت غلظة والده الخطاب، وأصبح الآن يرعى أمة محمد صلى الله عليه وسلم وليس فوقه إلا الله الرقيب ، ثم يذهب المال والولد ويبقى الانسان أمام الله الذي يحاسبه على الصغير لا ينفعه مال ولا ولد.
لماذا دعا النبي بهداية أحد العمريين وهما كافرين [15] ؟؟؟
لماذا ساوى النبي بين أبي جهل وعمر بن الخطاب في دعاءه؟
في ذروة المعاناة للرسول الله صلى الله عليه وسلمت وأصحابه من مشركي قريش وكان من أشدهم عمرو بن هشام (أبو جهل) وعمر بن الخطاب ،قد دعا النبي صلى الله عليه وسلم((اللهم أعزَّ الإسلام بأحبِّ هذين الرجلين إليك : بأبي جهلٍ أو بعمر بن الخطاب))
ان هذه الدعوة تعني ان هناك صفة قوية مشتركة بين عمرو بن هشام (أبي جهل) وبين عمر بن الخطاب.
صحيح انها متوفرة في الرجلين ربما بدرجة واحدة لكنها لاتسير في نفس الاتجاه في كل منهما، وإلا ماكانت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء بالعزة لأحد الرجلين !!!!
والكثير من الصفات البشرية تكون محايدة ، فهي ليست شراً أو خيرا خالصا، بل يمكن استخدامها في الاتجاهين، بمعنى امكانية استخدامها في الخير مع امكانية استخدامها في الشر، كما يمكن استخدامها في البناء والإعمار .. كما يمكن استخدمها في الهدم والدمار . وهذه مثلها مثل عناصر المواد التي خلق الله منها الانسان .. من العناصر والمواد التي تُستخرج من باطن الأرض ، فهي موارد وثروات محايدة ليس مكتوبا عليها مجال الاستخدام أو محجورا عليها في نوعية الاستخدام، انما هي لمن يستخدمها حسب خيرية الانسان من شره.
وأوصلت عمر بن الخطاب الى البشارة بالجنة ؟
يمكن القول بسهولة : إن أبا جهل وعمر بن الخطاب كانا ((شديدين.. قويين)) .. وكثيرون الذين يتمتعون بالشدة والقوة وعلى درجات مختلفة لكن هناك صفة هامة إذا ما أُضيفت الى القوة والشدة تنتقل بالانسان من مجرد ايمان بفكرة ما تشتعل جذوتها ولا تنطفئ مهما كانت المخاطر التي تحيط بها ، وهي الثبات على المبدأ والايمان بضرورة الانتقال من مرحلة الايمان بالفكرة الى مرحلة تطبيقها وتنفيذها .. فتكون هي شغل الانسان الشاغل في حال يقظته ومنامه ، في حال سكونه وحركاته والتضحية من أجلها بوقته وجهده وماله بل والتضحية بحياته دون أن يكترث عما يُقال له أو يُقال نه ، ودون ان يرهب موقف أو يخاف من مصير في سبيل تحقيق هذا الهدف .. إنه الاعتصام بالله والثبات النهائي حتى آخر قطرة دم من الجسد واخر لحظة من الحياة …
وهذا الثبات هو الذي وجده النبي صلى الله عليه وسلم في هذين الرجلين ، والذي يحتاجه الاسلام وتكون به العزة للدعوة ولدين الله والمؤمنين.
صورة الثبات التي وجدها النبي في أبي جهل :
كان ابو جهل منذ بداية الدعوة أشد المشركين أذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجلت كتب السيرة النبوية وكتب التفسير أن أبا جهل اقسم ليطأن رقبة النبي أو ليعفرن وجه النبي في التراب ، فلم يستطع !!فسألوه، فقال: انه وجد بينه وبين النبي خندقا من نار وهولا ، وقال النبي : لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا.
كما سب ابو جهل النبي وشتمه شتائم بذيئة ولم يرد عليه النبي، لكنه نال على إثرها شجة من حمزة بن عبدالمطلب كادت تقتله وتشتعل فتنة كبرى بعدها ، ثم غيرها من المواقف، كما قام تعذيب سمية المرأة العجوز وقتلها بضربها بحربة في موضع عفتها ، ولم يسلم منه أبو طالب وهو على فراش الموت حيث كان يحضه على الثبات و الموت على دين اباءه واجداده . وظل ابو جهل على كفره مقتنعا بما عليه في غزوة بدر .. حيث دعا الله في بداية المعركة :
((اللهم أّيّنا كان أفجر لك ، وأقطع للرحم فأحنه اليوم (أي أهله) ))
وظل ابو جهل ثابتا على موقفه ضد دين الله حتى لحظات الموت، عندما جثم عبدالله بن مسعود على صدره ليقتله فقال ابوجهل : لقد ارتقيت مرتقىً صعباً يا رويعيَّ الغنم! وسأله قائلاً: لمن الدائرة اليوم؟ قال ابن مسعود: لله ولرسوله.
وفي رواية إنه لم يحزن ولم يأسف عند احتضاره سوى ان الذي يقتله فلاحا فقال : فلو غير أكَّارٍ قتلني..!!
وسببه ان الذي يقتله من رعاع المجتمع وليس من اشراف القوم . كلا انه القرشي العريق فكيف يقتله حقير من عوام الناس ..بل كان يشرفه ان يقتله رجلٌ قرشيٌ عريق مثله .
وهكذا نرى ان أبا جهل ظل ثابتا على مبدأه ، وكرَّس حياته من اجل الباطل، وقاتل حتى قُتل في سبيل هذا المبدأ ، ولم يندم على ثباته وتضحياته حتى الموت ..
ولعلُّه لن يعرف الندم إلا في جهنم..
معنى :
الأكار هو : الفلاح في لسان العرب. والفلاحة كانت عند العرب مهنة حقيرة
لقد قُتل وهو مؤمنٌ بكفره..
انتهى الجزء الاول من اقتراب اسلام عمر .. بهذا أختم الحلقة (32) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة (33) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .
[6] . (كتاب الكامل في اللغة و الأدب – لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد –دار الفكر العربي –القاهرة1417هـ -1997م- ج 2 ص 64). ودراسة للباحث هاني ابو الرب – منشورة “الوأد عند العرب قبل الإسلام وموقف الإسلام منه ” والمنشورة عام 2009، بمجلة دراسات العلوم الإنسانية والاجتماعية الصادرة عن الجامعة الأردنية
[7] ابن سعد/ الطبقات 8/356. وأحمد/ فضائل الصحابة 1/118 – 120. ابن هشام/ السيرة النبوية 1/393،394. للتحقق من الكتب المذكورة
[8] أم عبدالله بنت أبي حثمة،و كانت زوج عامر بن ربيعة عن امه ام عبدالله(ليلى بنت ابي حثمة بن حذافة بن غانم-بن عامر- بن عبدالله بن عوف بن عبيد ابن عويج بن عديِّ بن كعب، امرأة عامر بن ربيعة). المصدر: السيرة النبوية ج1ص278 علي محمد الصلابي.
[9] الكامل في التاريخ ج1 تاريخ الانبياء والرسل ص 680، السير والمغازي 181، سيرة بن هشام 1-342/343، عيون التواريخ 1-75، تاريخ الاسلام 181
[10] ابن اسحاق ص- 220-221 ، دلائل النبوة للبيهقي(2/221) ، الطبقات الكبرى(الطبقات الكبرى 3/270) ، البداية والنهاية (3/79)
[11] الكامل في التاريخ ج1 تاريخ الانبياء والرسل ص 680، السير والمغازي 181، سيرة بن هشام 1-342/343، عيون التواريخ 1-75، تاريخ الاسلام 181