القلق يجتاح العالم خوفا من أسطورة ٢٠٢٣
انتهاء العمل باتفاقية لوزان يعيد رسم خريطة العالم السياسية والعسكرية والاقتصادية
تقرير من إعداد الباحثة /إيمان أبو الليل
تشتعل أروقة السياسة العالمية في الأونة الأخيرة بكلمات مرتعشة تخشى قرب فتح باب عام ٢٠٢٣ . خاصة بعد بدء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقذف بعض الرسائل للعالم كله وكأنه يقول بأن الخريطة السياسية والعسكرية ومن ثم الإقتصادية ستتغير لصالح تركيا بحلول ٢٠٢٣، وهو موعد إنتهاء العمل بمعاهدة لوزان ،
ويبدو أن تركيا تحيا على هذا الأمل ، لاستعادة إمتيازاتها كخلافة لها السيطرة الكاملة على جغرافية واسعة تمتد إلى خارج تركيا نفسها، بعد أن تقلصت تلك المساحة بناءا على إتفاقية لوزان التي أبرمت مع الحلفاء المنتصريين وهم (بريطانيا وإيرلنداوفرنساوروسياوإيطاليا) في الحرب العالمية الأولى عام ١٩٢٣.
شروط مجحفة
وكانت شروط تلك المعاهدة قاسية وضد الدولة العثمانيةوأهمها :
أولا :إلغاء الخلافة، ونفي الخليفة وأسرته خارج تركيا، ومصادرة جميع أمواله
ثانيا:إعلان علمانية الدولة
ثالثا:منع تركيا من التنقيب عن البترول واعتبار مضيق البسفور الرابط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، ثم إلى البحر المتوسط ممرا دوليا لا يحق لتركيا تحصيل رسوم من السفن المارة فيه.
وهنا لنا وقفة تدبر نقرأ من خلالها ما بين سطور الأحداث السياسية الأخيرة والتي تكشف النقاب على أسباب رعب العالم من حلول ٢٠٢٣والذي سيكون عهدا جديدا لتركيا
حيث سيحق لها التنقيب عن النفط, وحفر قناة جديدة تربط بين البحرين الأسود ومرمرة تمهيدا للبدء في تحصيل الرسوم من السفن المارة .والتي توقفت منذ عام ١٩٢٣ بناءا عن معاهدة لوزان
تفاصيل أحداث لوزان:
عندما إنتهاء الحرب العالمية الأولى عام ١٩١٨ أبرمت دول الحلفاء المنتصرة “معاهدة سيفر” يوم ١٠ أغسطس ١٩٢٠، وتم تقسيم أراضي الدولة العثمانية
ومنحت القوميات غير التركية في الدولة العثمانية استقلالها، ولكن رفض الأتراك هذه المعاهدة وخاضوا حربا ضد الحلفاء وانتظروا انتصروا عليهم وخاصة على اليونان في حرب ١٩٢٢:١٩٢٣
ثم تم عقد “مؤتمر لوزان” الثاني الذي استمرت أعماله ثلاثة أشهر، وتم توقيع اتفاقية سلام دولية يوم ٢٤يوليو١٩٢٤في فندق “بوريفاج بلاس” بمدينة لوزان جنوبي سويسرا، وكانت أطراف المعاهدة القوى المنتصرة بعد الحرب العالمية الأولى والإمبراطورية العثمانية التي ترأس وفدها وقسمت رسمياً الامبراطورية العثمانية، وتم تأسيس الجمهورية التركية برئاسة مصطفى كمال اتاتورك.
من اهم ما تضمنته معاهدة لوزان الثانية:
- ترسيم حدود امبراطورية الخلافة العثمانية ، والتي أسست لقيام الدولة التركية القومية الحديثة بقيادة مصطفى كمال أتاتورك، وعاصمتها أنقرة.
- تضمنت ١٤٣ مادة موزعة على ١٧ وثيقة ما بين “اتفاقية” و”ميثاق” و”تصريح” و”ملحق”، وتناولت ترتيبات الصلح بين الأطراف الموقعة على المعاهدة، وإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينها “وفقا للمبادئ العامة للقانون الدولي”.
- وضعت قوانين لاستخدام المضايق المائية التركية وقواعد المرور والملاحة فيها زمن الحرب والسلم، ونصت على شروط الإقامة والتجارة والقضاء في تركيا، وإعادة النظر بوضعية الدولة العثمانية ومآل الأراضي التي كانت تابعة لها قبل هزيمتها في الحرب العالمية الأولى خلال ١٩١٤:١٩١٨
- ابطال “معاهدة سيفر” وبنودها والتأسيس لما عُرف لاحقا بـ”الجمهورية التركية” العلمانية بعد إلغاء نظام الخلافة الإسلامية، ورسّمت حدود اليونان وبلغاريا مع الدولة التركية التي حافظت على ضم إسطنبول وتراقيا الغربية، وتضمنت بنودا تتعلق بتقسيط ديون الدولة العثمانية.
- تخلت تركيا عن السيادة على قبرص وليبيا ومصر والسودان والعراق وبلاد الشام، باستثناء مدن كانت تقع في سوريا مثل أورفا وأضنة وغازي عنتاب وكلس ومرعش، وبتنازل الدولة العثمانية عن حقوقها السياسية والمالية المتعلقة بمصر والسودان اعتبارا من نوفمبر عام ١٩١٤
- نصت على استقلال جمهورية تركيا، وحماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية بتركيا والأقلية المسلمة باليونان، وألزمت الحكومة التركية بالمحافظة على حياة جميع المواطنين وحقوقهم وحريتهم ضمن أراضيها، وبمساواتهم أمام القانون بغض النظر عن الأصل والقومية واللغة والدين، إلا أن معظم السكان المسيحيين في تركيا والسكان الأتراك في اليونان كانوا قد طـُردوا حسب معاهدة تبادل السكان اليونانيين والأتراك السابق توقيعها بين اليونان وتركيا، يونانيو اسطنبول، إمبروس وتندوس فقط تم استثناؤهم ، والسكان المسلمين في تراقيا الغربية من المعاهدة
- منحت جزر گوقچىعادة (إمبروس) و بوزجاعادة (تندوس) “تنظيم اداري خاص”، وهو الحق الذي ألغته الحكومة التركية في ١٧ فبراير ١٩٢٦
- وافقت تركيا رسمياً على خسارة قبرص التي كانت مؤجرة للإمبراطورية البريطانية إثر مؤتمر برلين في ١٨٧٨، ولكنها ظلت قانونياً أرضاً عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى .
- كذلك مصر والسودان الأنجلو-مصري (الذي احتلته قوات بريطانية بحجة “اخماد ثورة عرابي واستعادة النظام” في ١٨٨٢ ولكنهما ظلتا “قانونياً” أراضي عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى)، والتي ضمتها بريطانيا بشكل أحادي في ٥ نوفمبر ١٩١٤
- ترك مصير مقاطعة الموصل ليتحدد عبر عصبة الأمم، كما تخلت تركياً عن كل الادعاءات فيما يختص بـجزر الدوديكانيز، التي كانت إيطاليا مجبرة على اعادتها لتركيا حسب الفقرة الثانية في معاهدة لوزان الأولى ١٩١٢ في أعقاب الحرب الإيطالية التركية ١٩١١:١٩١٢
- ظلت الأراضي إلى الجنوب من سوريا والعراق والجزيرة العربية تحت السيطرة التركية حين وُقـِّعت هدنة مدروس في ٣٠ أكتوبر ١٩١٨والتي عرفت الحدود الجنوبية لتركيا في الفقرة الثالثة بأن تركيا قد تخلت عنها، وكانت تضم المملكة المتوكلية اليمنية، وعسير وأجزاء من الحجاز مثل المدينة المنورة، التي احتفظت بها القوات التركية حتى ٢٣ يناير ١٩١٩
- الزام تركيا بعدم وضع أي قيود على المواطنين في استخدام أي لغة يختارونها مهما كانت، سواء أكان ذلك في العلاقات الخاصة أم في الاجتماعات العامة أم في مجالات الدين والتجارة والإعلام والنشر، مع تأكيد حقوق السيادة السياسية والاقتصادية للدولة التركية وإلغاء تطبيق نظام الامتيازات الأجنبية على أراضيها.
- أعلنت رومانيا من جانب واحد فرض سيادتها على جزيرة القلعة العثمانية(أضا قلعة) في ١٩١٩، وقوّت هذا الادعاء في معاهدة تريانون في ١٩٢٠لكن بقيت قانونياً أرضاً تركية في المِلكية الخاصة للسلطان العثماني حتى معاهدة لوزان في ١٩٢٣ وهي جزيرة صغيرة تقع على نهر الدانوب، وتتبع اليوم للأراضي الرومانية الصربية، وكان معظم سكانها من الأتراك
- تخلت تركيا عن امتيازاتها في ليبيا
كما حدث وتخلت عن السيادة على العراق والاردن وفلسطين، لتصبح تحت النفوذ البريطاني، وخضعت سوريا و لبنان للانتداب الفرنسي ، واحتفظت تركيا بالأناضول ، وأصبحت أرمينيا جمهورية مستقلة تحت ضمانات دولية .
وفي أوروبا تخلت عن أجزاء من تراقيا الشرقية وبعض جزر بحر إيجه لليونان ، ودوديكانيز ورودس لإيطاليا ، والإبقاء على القسطنطينية وضواحيها ، بما في ذلك منطقة المضيق “الدردنيل والبوسفور” ، الذي تم تدويله ، وحصل الحلفاء على المزيد من السيطرة الفعلية على الاقتصاد التركي
وكانت معاهدة لوزان الثانية هي مفتاح الاعتراف الدولي بسيادة جمهورية تركيا كدولة بدلا من الخلافة العثمانية.
ومع قرب انتهاء المعاهدة يعتقد ان “الرسالة المتداولة” سببت التوتر السياسي بين تركيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، بعد مرور مائة عام على توقيعها. ومن هنا نستطيع ربط ما يحدث الآن بالماضي لفهم مدى وماهية رعب الدول الغربية من انتهاء المعاهدة ٢٠٢٣
وضع الموصل :
ان تجد تركيا ما يبرر تدخلها في الموصل ، التي كانت تابعة لتركيا طوال ٤ قرون حتى فقدتها في الحرب العالمية الأولى.
وقال البروفيسور التركي المتخصص في العلاقات الدولية مصطفى صدقي بيلجين: عندما تخلت تركيا عن الموصل للعراق كان الأمر مشروطاً بعدم تغيير حدودها أو وضعها آنذاك، وهو ما تغير خلال العقود الماضية”.
ويذكر التاريخ أن مدينة الموصل خضعت للسيطرة العثمانية عام ١٥٣٤ في عهد سليمان القانوني، حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، إذ أصبحت مطمعاً للدول الغربية خصوصاً بعد اكتشاف النفط، فاستولت عليها فرنسا ثم بريطانيا، ومع توقيع تركيا على معاهدة لوزان واتفاقية أنقرة، تخلت أنقرة عن الموصل بعد تقليص مساحة أراضيها.
وهنا تمكن الموازنة بين معاهدتي لوزان الثانية، و “معاهدة نانكينغ ” التي تنازلت فيها الصين عن هونج كونج إلى بريطانيا، وذلك بعد حرب الأفيون الأولى وذلك بتوقيع اتفاقية تشنبي التي تسعى إلى إنهاء الصراع الأنجلو-صيني الأول.
ففي عام١٨٣٩، غزت بريطانيا الصين لسحق المعارضة لتدخلها في الشؤون الاقتصادية والسياسية للبلاد، وكان احد أهم اهداف بريطانيا الحربية هو احتلال هونج كونج، الجزيرة المأهولة بالسكان قبالة سواحل جنوب شرقي الصين.
وهنا ايضا لنا وقفة تأمل: هل تلعب تركيا بذاكرة التاريخ ؟!
حيث تلوح بتوجيه دفة التحالف الى الصين وروسيا بدلا من امريكا، خاصة أن أمريكا هي أيضا تنادي بوضع أسطول بحري قرب سواحل الصين ، وهنا يمكن لتركيا إشعال نار الثأر التاريخي ، وقلب الرأي العام الصيني ضد أمريكا باعتبارها تريد إعادة ما فعلته بريطانيا في الماضي بالصين.
إنها السياسة ، وهنا نسأل :
هل سيكون لتركيا ٢٠٢٣ حق التنقيب عن النفط ؟
وهل سيحق لها وفقا للقانون والمعاهدات الدولية عودة تحصيل رسوم من السفن المارة عبر مضيق البوسفور، وحفر قناة جديدة تربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، والتي كانت محظورة على تركيا حسب معاهدة لوزان ؟
هل حقا الرعب من تركيا ٢٠٢٣ وعودة سيطرة الإمبراطورية العثمانية بات فزاعة حقيقية وليس وهما؟!
السؤال الأهم : هل ما تم من تقليص للمساحة المائية لمصر في البحر المتوسط لصالح قبرص ومن ثم تقليص مساحة حق استخراج الغاز ، هل هو حركة على رقعة الشطرنج لتختنق تركيا بين مصر وقبرص واسرائيل؟ وماذا سيكون الحال بحلول ٢٠٢٣؟!