الصراط المستقيم

البخاري جبل الحفظ وإمام الدنيا

كتب: هاني حسبو.

عندما ترجم الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله البخاري رحمه الله اكتفى بهذه المقولة الجامعة المانعة بأنه إمام الدنيا وجبل الحفظ.

لم تأتي هذه المقولة من فراغ فالبخاري رحمه الله لم يَأْلُ البخاري رحمه الله جهدًا في العناية  بكتابه الصحيح يتَّضِح مدى هذه العناية بقولِه: (ما أَدخلتُ فيه حديثًا إلَّا بعد ما استخرتُ الله تعالى، وصلَّيتُ ركعَتَين، وتيقَّنتُ صحَّتَهُ) وقولِه: (ما وضعتُ في كتابي الصَّحيح حديثًا إلَّا اغتسلتُ قبل ذلك، وصلَّيتُ ركعتَين، وقولِه: (صنَّفتُ كتابي “الصَّحيح” لستَّ عشرة سنة خرَّجتُه من ستِّمائة ألف حديثٍ، وجعلتُه حجَّةً فيما بيني وبين الله تعالى.

كلمات شافيات توضح أهمية وعظمة كتاب الصحيح البخاري.

قال البخاريُّ: (ما أدخلتُ في كتابي “الجامع” إلَّا ما صحَّ، وتركتُ مِن الصَّحيح حتَّى لا يطول)

وقال: (لم أخرِّج في هذا الكتاب إلَّا صحيحًا، وما تركتُ من الصَّحيح أكثر.

كان هذا هو منهج البخاري رحمه الله في تصنيف كتابه الصحيح وبالرغم من ذلك نجد من لا يحسنون قراءة حديث واحد فيه يطعنون عليه ويشوهونه.

وبنظرة علمية دقيقة لخص ابن حجر العسقلاني رحمه الله شرط البخاري في إيراد الأحاديث فقال:

“إنَّ شرط الصَّحيح أنْ يكون إسناده متَّصلًا، وأنْ يكون راويه مسلمًا، صادقًا، غير مدلِّسٍ، ولا مختلِطٍ، متَّصفًا بصفات العدالة، ضابطًا، متحفّظًا، سليم الذِّهن، قليل الوهم، سليم الاعتقاد.”

وكان مِن شرْط البخاري في “الجامع” اشتراط المعاصرة، وتحقُّق اللِّقاء بين الرَّاوي وشيخه إذا روى عنه بالعنعنة.

رحم الله البخاري فقد قيد الله من يدافع عنه وعن كتابه ومنهجه منذ أكثر من ثلاثة عشر قرنا.

أما عن منهجه رحمه الله في الكتاب فقد

رتَّب الإمام البخاري الأحاديث على الكتُب مفتتحًا “الجامع” بكتاب: بَدء الوحي، مختتِمًا بكتاب: التَّوحيد، ثمَّ إنَّ هذه الكتب يحتوي كلٌّ منها على أبوابٍ متناسقةٍ في إيرادها، وتحت كلِّ بابٍ عددٌ من الأحاديث.

 

وقصد البُخاري في صحيحِه إبراز فقْه الحديث، واستنباط الفوائد منه، فعقد تراجم الأبواب – أي: عناوين الأبواب – وذَكَرَ في هذه التراجم الأحاديثَ المعلَّقة، وكثيرًا من الآيات وفتاوى الصَّحابة والتَّابعين ليبيِّنَ بها فقْه الباب والاستِدلال له، وبهذا يكون قد جمعَ بين حفظ سُنَّة رسول الله صلَّى الله عليْه وسلَّم وفهْمِها.

أما عن مكانة كتابه الصحيح فحدث ولا حرج عن ثناء العلماء الثقات عنه وهاهي بعض الأقوال في هذا الباب:

قال الإمام النَّووي رحمه الله: (اتَّفق العُلماء رحمهم اللّه تعالى على أنَّ أصحَّ الكتب بَعد القرآنِ العزيز الصَّحيحانِ: البخاري ومسلم، وتلقَّتهما الأمّةُ بالقبول، وكتاب البخاري أصحُّهما، وأكثرهما فوائد ومعارف ظاهرة وغامضة، وقد صحَّ أنَّ مسلمًا كان ممَّن يَستفيد مِن البُخاري، ويَعترفُ بأنَّه ليس له نظير في عِلم الحديث، وهذا الَّذي ذكرناه مِن ترجيح كتاب البخاري هو المذهبُ المختار الَّذي قاله الجمهور وأهل الإتْقان والحذق)

 

فهو أوَّل مُصَنَّفٍ صُنِّف في الصَّحيح المجرَّد،

 

وقال النَّسائي: (ما في هذه الكتب كلِّها أَجْوَد مِن كتاب البخاري).

 

قال ابن حجر: (والنَّسائي لا يَعني بالجَودة إلَّا جودة الأسانيد كما هو المتبادر إلى الفهْم مِن اصطلاح أهل الحديث، ومثل هذا مِن مثل النَّسائي غايةٌ في الوصف مع شدَّة تحرِّيه وتوقِّيه وتثبُّته في نقد الرِّجال وتقدُّمه في ذلك)

 

قال الحافظ ابن حجر: (وقد رأيتُ الإمامَ أبا عبد الله البخاري، في جامعه الصَّحيح، قد تصدَّى للاقتباس من أنوارهما البهية – يعني: الكتاب والسُّنَّة – تقريرًا واستنباطًا، وكَرَعَ مِن مناهلهما الرّويَّة انتزاعًا وانتشاطًا، ورُزِقَ بحُسْن نيَّته السَّعادة فيما جَمَعَ حتَّى أَذْعَنَ له المخالف والموافق، وتلقَّى كلامَه في الصَّحيح بالتَّسليم المطاوِعُ والمُفَارِق…)

 

وقال الحافظ ابن كثير: (أجمعَ العلماءُ على قبوله وصحَّة ما فيه)

هذه بعض أقوال السادة العلماء في البخاري وصحيحه.

ويأتي بعد ذلك من يطعن فيه ويريد إلزام الأزهر بتصحيحه.

عجبا لهم وسحقا لهم فمن يطعن في البخاري يطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ثم يعقبه طعنا في القرآن.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى