المفكر عصام زايد يكتب: أنا و الآخر .. ملحمة سقوط العقل المسلم
لقد بينت في مقالة سابقة أن هناك عوامل كثيرة تسببت في توقف العقل المسلم عن الوعي بالمحيط الخارجي و تسليمه بأنه خارج نطاق الفعل و التأثير فيه .. ونوهت أن من أهم تلك العوامل .. التوقف عن القراءة وبالتالي تجاهل العلاقة السببية للأحداث وإرجاع الأمر كله إلى التدبير و الحكمة الآلهية و أخيرا تضييق التساؤل و السؤال .. تلك العوامل الثلاث تراكمت في اللاوعي وأصبحت خلف كثير من التصرفات التي نهرب من تفسيرها و لعلي هنا ألقي الضؤ على بعضها و أنبش بإبرة داخل جدران التابوت الذي أغلقناه و ارتضينا العيش داخله وتوهمنا أن حركة العالم يمكن التأثير فيها من خلال قبور نتحرك بها في حياتنا …
نتج عن إلغاء السبييه أن قمنا بعزل الأنا عن الأحداث الجارية .. فإن واجهنا الفشل .. نرجع الأمر دوما إلي أمور خارجية عن نطاقنا.. فشل النظام التعليمي و المدرسة تأثيرها أقوي من البيت .. والأصدقاء و تأثيرهم .. عدم الوفاق الدولي … اليهود و قدرتهم في تحريك الأحداث .. جهل الشارع وعدم وعيه بقيمه العليا .. بعد الناس عن الدين و التمسك بالعقائد و أصولها .. إمتحان من الله و التمحيص و إخراج الخبث من الصفوف .. نتج عن إلغاء السببية أن توحش داخلنا الآخر و قعدت الآنا عن الفعل … فنحن ننتظر زوال المؤثر حتي نبدأ في العمل و تحول هذا الأمر أن أصبح عقيدة تلتف حول سلوكنا بلا وعي حقيقي عن الأسباب الحقيقية .. أصبح الإنتظار سمة من سمات العمل … ننتظر من يفكر لنا و يوجد البدائل .. من يقرأ و يرسل لنا الخلاصات .. من يتعبد و يدعو فيستجاب له فتمطر لنا السماء و يأتي الرخاء .. من ينجح علميا فنتغني بتفوقه ..
نتج عن إلغاء السببية أن أوقفنا السؤال .. فالتساؤل سيفتح أبواب من العمل تخرجنا من حالة التلقي الممتعة التي نعيشها.. التساؤل معناه التدبر و القراءة و معرفة المحيط و هذا سيلغي حالة الإستسلام اللذيذ للقدر …
لقد تحول الدين و النظام و الهيكل لأيقونات ننظر لها من بعيد .. إن أردنا الدين نذهب للعزلة .. وإن أردنا النظام نتعبد بالطاعة العمياء الغير مبررة .. و إن أوجدنا هيكل جعلناه بديلا للدين و النظام .
المشكلة فينا نحن و ليس في الآخر .. لماذا نجح العالم من حولنا وفشلنا نحن .. لاتقل لي بروتوكالات صهيون و الحرب الصليبية على العالم الإسلامي .. والإقتصاد الخرب .. والتعليم الفاشل ..
لماذا نجح الدكتور زويل و فشلت أنت ؟ لماذا وجد الباز و حجي و خرجت أنت للشارع ؟ لماذا نجحت الهند و كوريا ولم ننجح نحن ؟
ببساطة شديدة لقد أخرجت من حياتك فقه البدائل .. أخرجت من قاموسك الرؤية و الأهداف .. أغلقت عينك عن المشاهدة وإكتفيت بعصا تدلك على الطريق .. أصبح الماضي هو حياتك وتوقفت عن تخطيط مستقبلك .. أصبحت قناعاتك بسيطة ولارسالة حقيقية لوجودك .. أصبح محور حياتك أطفالك .. فأصبحت دائما تنظر لأسفل و فقدت النظرة العلوية.
إنه تراث ينبغي أن ينقي و يزال و يدمر .. نشأ في عصور غلبت عليها الظلمة و أغلقنا النوافذ فسكنت في كتبنا ومجلداتنا القرضة .. تراث عبد فيه الجهل و أوقف التدبر و ألغي السببية و منع السؤال و أعطانا مصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان من الطاعة العمياء و بدعة الحوار وفقه المتغلب …
العيب عندي أنا و ليس في اليهود .. الدولة العثمانية سقطت لأنها تآكلت من الداخل و تحول الفقه من الفقه العملي إلي فقه المتصوفة و ظهر داخلها تمجيد أمثال العربي و الرومي وأصبح الدين شعائر مرسومة غير مفهومة .. عندها كان من السهل لأي عصابة أن تسقط الخلافة .. ذهب العلم للغرب .. وتحولت تركيا للإستهلاك .. فمن أسقط الخلافة لم يكن أتاتورك أو صهيون أو العلمانية أو لورانس من أسقط الخلافة كان عبد الحميد و عبد المجيد و سلسلة من الخلفاء لم تطور أدائها و تأخذ في إعتبارها الحركة العلمية الحديثة و تسارع الإكتشافات و الثورة الصناعية …
من أسقط الخلافة الأنا الغير ناقدة المرتعشة؟
من جعلنا في ذيل الأمم الأنا الغير قارئة الجاهلة؟
فلنقاوم الوحش القابض داخلنا
ولنخرج الأنا المتسائلة المتدبرة
فلنحي ثقافة الرؤي و الأخذ بالأسباب
فلنبحث فيما وراء الحدث بدءا من داخلنا
الأنا هي وحش معيق لحركتنا إن لم يستيقظ من سباته
عندما نجلس مع الأنا ونحاسبها سيختفي الآخر بقوته و جبروته و يتقزم ويأخذ حجمه الطبيعي
عندما نجلس مع الأنا ونصقلها سنري الضؤ و يزول الوهم
من نجح بدأ من الداخل من الأنا
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) الأنفال
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (11) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (13) النحل
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) الرعد
الخطاب القرآني السابق موجه للبشرية جميعها و ليس لنا على وجه الخصوص .. فمن تدبر و تأمل وأخذ بالأسباب إمتلك ناصية الحضارة .. و لن نمتلك ناصيتها مرة أخري إلا بعد أن نعود نحن وتكون لنا تربة تصلح لسقي بذورها .. و ينبغي أن لا نتوهم أنه بزوال الحضارة الغربية ستعلوا الحضارة الإسلامية .. بل يمكن أن تذهب لحضارات أخري مرشحة الآن بقوة لإمتلاك ناصيتها …
استفيقوا يرحمكم الله