مغالطات تقرير التنافسية العالمي حول وضع التعليم في مصر
تناولت وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي المختلفة تقرير التنافسية العالمي Global Competitiveness Report GCR)) لعام 2015-2016 حول وضع التعليم في مصر بالكثير من المتابعة والتحليل . وركزت هذه الوسائل والوسائط على أن التعليم في مصر قد جاء في المرتبة قبل الأخيرة على مستوى العالم وفقاً لهذا التقرير (139 من 140)، ولقد تضمن هذا التناول من وجهة نظري بعض المغالطات وقلة الوعي من جانب وسوء النية من جانب آخر، ومبرراتي في ذلك كثيرة جداً، ولتوضيح ذلك يجب الإجابة عن العديد من الأسئلة مثل: ما تقرير التنافسية العالمي، ومن يعد هذا التقرير، وكيف يتم إعداده، وما أقسام ودعائم أو مجالات ومؤشرات هذا التقرير، وماذا عن ترتيب مصر في تقارير التنافسية العالمية بشكل عام والتعليم بصفة خاصة خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016 ؟ وهذا ما سيتم تناوله في هذا التحليل.
ـ إن تقرير التنافسية العالمي يصدره منذ عام 2004 منتدى الاقتصاد العالمي الذي تأسس كمنظمة غير ربحية في عام 1971 ومقره الرئيس في مدينة جنيف السويسرية، والتقرير يصنف الدول حسب معيار التنافسية العالمي الذي صمم من خلال زافيير سالا مارتن «Xavier Sala-i-Martin» وإلسا أرتادي«Elsa V. Artadi».، ويقوم التقرير بتقييم قدرة الدول على الاستفادة من مصادرها المتاحة وتقديم الازدهار لمواطنيها في الوقت الحالي و على المدى المنظور.
ـ ويتم إعداد هذا التقرير بناءً على استطلاعات الرأي وتشكل ما نسبته 70% من وزن كل مؤشر، والبيانات والإحصاءات المنشورة عن الدولة في المصادر المختلفة، المحلية والعالمية، في مختلف المجالات مثل البيئة الاقتصادية والبيئة الضريبية وسوق العمل ونوعية البنية الأساسية والنظام التعليمي في البلاد … إلخ وتشكل ما نسبته 30 % من وزن كل مؤشر .
ـ ويتكون التقرير بصفة عامة من (3) أقسام، (12) مجال، (114) مؤشر، يسمى القسم الأول”المتطلبات الأساسية” ويندرج تحته (4) مجالات و (45) مؤشر كما يلي: المؤسسات (21 مؤشر)، البنية التحتية (9 مؤشرات)، الاقتصاد الكلــي (5 مؤشرات)، الصحة والتعليم الاساسي (10 مؤشرات)، ويسمى القسم الثاني”محفزات الكفاءة” ويندرج تحته (6) مجالات و (53) مؤشر كما يلي: التعليم العالي والتدريب (8 مؤشرات)، كفاءة سوق السلع (16 مؤشر)، كفاءة سوق العمل (10 مؤشرات)، كفاءة سوق المال (8 مؤشرات). الجاهزية التكنولوجية ( 7مؤشرات)، حجم السوق (4 مؤشرات)، أم القسم الثالث فيسمى “عوامل تطور الأعمال والابتكار” ويندرج تحته مجالين و (16) مؤشر كما يلي: تطور الأعمال (9 مؤشرات)، الابتكار ( 7 مؤشرات).
ـ أما عن موقع مصر في تقارير التنافسية العالمية بشكل عام والتعليم بصفة خاصة، فالموضوعية تقتضي عرض ترتيبها خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016 بصورة عامة، ثم عرض ترتيبها في المجالات المختلفة خلال تلك الفترة، وترتيب التعليم بصفة خاصةكما يلي:
(أ) ترتيب مصر في تقارير التنافسية العالمية بشكل عام خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر عام 2011/2010 كان (81 من 139) وبعدها بدأ ترتيبها يتراجع وخاصة في الفترة التي أطلق عليها زوراً وبهتاناً ما سمي بالربيع العربي إلى أن وصل ترتيبها عام 2015/2014 (119 من 144)
وبدأ ترتيبها يتحسن تدريجياً (ولو أنه ليس بالمستوى الذي يليق بمصر) بعد أن بدأت مصر في السيطرة على الأمور حيث جاء ترتيبها في آخر تقارير التنافسية العالمية عام 2017/2016 ( 115 من 138). وهذا إن دل على شيئ إنما يدل على أن مصر بدأت تتعافي مما كانت عليه خلال تلك الفترة والتي أطلق عليها مرحلة “شبه الدولة”.
(ب) ترتيب مصر في مجالات التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في المجالات الإثنى عشر للتنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016 قد طرأ عليه العديد من التغيرات في المجالات المختلفة فعلى سبيل المثال:
– في مجال الصحة والتعليم الأساسي كان ترتيبها (91) عام 2011/2010 ولقد تراجع هذا الترتيب إلى أن وصل (100) عام 2014/2013 ، وكما سبق القول بعد أن بدأت مصر في السيطرة على الأمور بدأ ترتيبها في نفس المجال يتحسن بشكل ملحوظ، حيث جاء ترتيبها (89) عام 2017/2016.
– أما في مجال التعليم العالي والتدريب كان ترتيبها (97) عام 2011/2010 ولقد تراجع هذا الترتيب إلى أن وصل (118) عام 2014/2013، ثم بدأ ترتيبها في نفس المجال يتحسن قليلاً، حيث جاء ترتيبها (112) عام 2017/2016.
– وفي مجال حجم السوق كان ترتيبها (26) عام 2011/2010 ولقد تراجع هذا الترتيب إلى أن وصل (29) عام 2014/2013، ثم بدأ ترتيبها في نفس المجال يتحسن قليلاً، حيث جاء ترتيبها (25) عام 2017/2016، وهذا يجب أن تعمل عليه الهيئات والمؤسسات المسئولة عن الاستثمار لجذب المستثمرين لهذه السوق الواعدة.
– كل هذه المؤشرات تدل من وجهة نظري أن مصر تسير في طريقها الصحيح بعد أن عانت كثيراً من آثار السياسات غير المدروسة في الماضي من جانب وما خلفته نتائج ما سمي بالربيع العربي من جانب آخر.
(ج) التعليم في مصر من خلال تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
– تقتضي الموضوعية عند الحديث عن موضوع التعليم في مصر من خلال تقارير التنافسية العالمية للفترة المذكورة توضيح بعض الحقائق من أهمها أن إجمالي مؤشرات تقرير التنافسية العالمي (114) مشراً، وأن المؤشرات الخاصة بالتعليم في التقرير يبلغ عددها (10) مؤشرات، وليس مؤشراً واحداً كما تناولته وسائل الإعلام ووسائط التواصل الاجتماعي، والأغرب من ذلك أنها لم تتحرى الدقة في ما جاء بالتقرير، حيث أكدت أن التعليم في مصر جاء في المرتبة قبل الأخيرة على مستوى العالم في تقرير التنافسية العالمي لعام 2016/2015 (139/140)، والحقيقة أن هذا الترتيب جاء لمؤشر واحد فقط وهو خاص بجودة التعليم الأساسي، لذا أرى أنه من الضروري لتوضيح الصورة كاملة عرض جميع هذه المؤشرات وتحديد ترتيب مصر فيها.
المؤشر الأول: جودة التعليم الأساسي بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر جودة التعليم الأساسي عام 2011/2010 قد كان (126/139)، ولقد تراجع هذا الترتيب إلى أن وصل للمرتبة الأخيرة عام 2014/2013 (148/148) ، ثم بدأ ترتيبها في نفس المجال يتحسن قليلاً عام 2017/2016. حيث جاء ترتيبها (134/138). ونأمل أن تواصل مصر استعادة مكانتها التي تستحقها بين الأمم والشعوب.
المؤشر الثاني: معدل التسجيل في التعليم الأساسي بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر معدل التسجيل بالتعليم الأساسي عام 2011/2010 قد كان (73/139)، وخلال السنوات المذكورة تواصل مصر تحسين ترتيبها في هذا المؤشر بشكل ملحوظ، حيث جاء ترتيبها (28/138) عام 2017/2016، وهذا يستحق الإشادة، بالرغم مما يمكن أن يقال عن عدد التلاميذ في الفصل الدراسي، لكن كون الدولة تتيح فرصة لكل من بلغ السادسة من العمر أن يلتحق بالتعليم الأساسي فهذا شيئ جيد، وللاسف لم يتم الإشارة إلى هذا الأمر في تغطية وسائل الإعلام المختلفة.
المؤشر الثالث: معدل التسجيل في التعليم الثانوي بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر معدل التسجيل بالتعليم الثانوي عام 2011/2010 قد كان (90/139)، ولقد تراجع هذا الترتيب إلى أن وصل عام 2014/2013 (102/148) ، ثم بدأ ترتيبها في نفس المجال يتحسن تدريجياً حتى عام 2017/2016. حيث جاء ترتيبها (85/138).
المؤشر الرابع: معدل التسجيل في التعليم العالي بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر معدل التسجيل بالتعليم العالي عام 2011/2010 قد كان (78/139)، ولقد تراجع هذا الترتيب إلى أن وصل عام 2014/2013 (82/148) ، واستمر ترتيبها في التراجع حتى عام 2017/2016. حيث جاء ترتيبها (81/138). وعلى الرغم من الجهود المبذولة من الدولة في هذا المجال من خلال التوسع في إنشاء الجامعات الحكومية، والتي بلغ عددها (25) جامعة عام 2017/2016 بعد أن كان عددها (19) جامعة عام 2011/2010 إضافة إلى زيادة عدد الجامعات الخاصة إلى (20) جامعة.إلا أنها بحاجة إلى مزيد من التوسع في التعليم العالي لتحسين ترتيبها في هذا المؤشر.
المؤشر الخامس: جودة النظام التعليمي بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر جودة النظام التعليمي عام 2011/2010 قد كان (131/139) بفارق ثمان مراتب عن الترتيب الأخير، ولقد تراجع إلى هذا الترتيب إلى أن وصل عام 2014/2013 (145/148) بفارق ثلاث مراتب عن الترتيب الأخير، وثبت ترتيبها عام 2017/2016. حيث جاء ترتيبها (135/138) بفارق ثلاث مراتب عن الترتيب الأخير. وهذا يفرض على القائمين على أمر النظام التعليمي ضرورة مراجعته وفق خطة علمية ووضع الحلول المناسبة لتحسين ترتيب مصر في هذا المؤشر.
المؤشر السادس: جودة تعليم العلوم والرياضيات بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر جودة تعليم العلوم والرياضيات عام 2011/2010 قد كان (125/139) بفارق أربع عشرة مرتبة عن الترتيب الأخير، ولقد تراجع إلى هذا الترتيب إلى أن وصل إلى (145/148) عام 2014/2013 بفارق ثلاث مراتب عن الترتيب الأخير، ثم تحسن بشكل ملحوظ عام 2017/2016. حيث جاء ترتيبها (130/138) بفارق ثمانية مراتب عن الترتيب الأخير، إلا أن المطلوب في هذا المؤشر بذل المزيد من الجهد، حيث تعد العلوم والرياضيات من الأهمية بمكان خلال القرن الحادي والعشرين.
المؤشر السابع: جودة الادارة المدرسية بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر جودة جودة الإدارة المدرسية عام 2011/2010 قد كان (122/139) بفارق سبع عشرة مرتبة عن الترتيب الأخير، ولقد تراجع ترتيبها في هذا المؤشر إلى أن وصل للترتيب الأخير (144/144)عام 2015/2014 ، واستمرت في التراجع حتى وصلت إلى الترتيب الأخير أيضاً (138/138) عام 2017/2016، وهذا من وجهة نظري يعد مؤشراً خطيراً يجب مواجهته بكل جدية، وكان من الأجدر بوسائل الإعلام التحدث عن هذا المؤشر، لأن ضعف الإدارة يتسبب في الكثير من المشكلات بالمجالات المختلفة.
المؤشر الثامن: إمكانية الدخول على الإنترنت في المدارس بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر إمكانية الدخول على الإنترنت في المدارس عام 2011/2010 قد كان (96/139) بفارق ثلاثة وأربعين مرتبة عن الترتيب الأخير، ولقد تراجع ترتيبها في هذا المؤشر خلال باقي السنوات تراجعاً ملحوظاً، حيث وصل ترتيبها (133/138) عام 2017/2016 بفارق خمسة مراتب عن الترتيب الأخير.
المؤشر التاسع: توافرخدمات البحث والتدريب محلياً بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر توافر خدمات البحث والتدريب محلياً عام 2011/2010 قد كان (64/139) بفارق خمس وسبعون مرتبة عن الترتيب الأخير، ولقد تراجع ترتيبها في هذا المؤشر إلى أن وصل للترتيب قبل الأخير (139/140) عام 2016/2015 ، وتحسن الوضع قليلاً بعد ذلك حيث جاء ترتيبها (136/138) عام 2017/2016 بقارق مرتبتين عن الترتيب الأخير، ونأمل أن يتحسن وضع مصر في هذا المؤشر بعد إطلاقها لمشروع “بنك المعرفة المصري”.
المؤشر العاشر: تدريب العاملين في التعليم العالي بمصر في تقارير التنافسية العالمية خلال الفترة من 2011/2010 – 2017/2016
ـ يتضح من الشكل السابق أن ترتيب مصر في مؤشر تدريب العاملين في التعليم العالي عام 2011/2010 قد كان (112/139) بفارق سبع وعشرين مرتبة عن الترتيب الأخير، ولقد تراجع ترتيبها في هذا المؤشر إلى أن وصل للترتيب قبل الأخير (139/140) عام 2016/2015 ، وكذلك عام 2017/2016.
وأخيراً آمل أن أكون قد أمطت اللثام عن بعض الجوانب الخاصة بتقارير التنافسية العالمية وترتيب مصر فيها بصفة عامة ووضع مؤشرات التعليم فيها بصفة خاصة.