معَالِمُ الطَّريق … في حِوارٍ مع أبِي بَكر الصِّديق !!بقلم : علاء الصفطاوي
وفي الليلةِ الظلماءِ يُفتقدُ البدرُ .. هكذا يقولون، لكني أقول : وفي أوقاتِ المحن والفتن يُفتقدُ أبو بكرٍ الصديق .. الذي كان للنبيِّ صلى الله عليه وسلّم خيرَ صاحبِ ورفيق .
ولذلك تخيَّلتُه رضوانُ الله عليه أمامي، وعرضتُ عليه حالي .. وهمومي وأحزاني، وحالَ الأمة الإسلامية، وفي القلبِ منها أبناءُ الدعوة المباركةِ، الذين يتقلبُون على جمرِ الفتنِ والمحن .
فنظر إليَّ – والأسى يبدو على وجهه، وقطراتُ الدموع الغاليةِ تنساب على وجنَتيه، وهذا حال أصحاب القلوب الحيّة، التي تنبضُ بحب دعوتها .. والإشفاقِ على أمتها – ثم قال :
إنّ مرجعَ هذا كلِّه هو ضعفُ اليقين .. وعدمُ الثقة في ربّ العالمين، لقد مرّت بنا في عصر الرّسالة شدائدُ وفتنٌ تعجزُ عن حملها الجبال، ومع هذا تغلبنا عليها بفضل الله تعالى، لأنّ قلوبنا كانت عامرةً بالإيمان والإخلاص، فهل قلوبُكم كذلك ؟!!
نظرتُ إلى الأرضِ والأسى يملأ قلبي، والحزن يجتاحُ فؤادي، فأشفقَ عليّ الصديق وقال :
هوّن عليك يا ابن الإسلام .. فلك ربٌّ لا تأخذه سنةٌ ولا ينام . قلت له : يا سيدي لن أطيل عليك .. وإن كنتُ أحبُّ أن يطُولَ أمدُ الوقوفِ بين يديك، لماذا أتى إليكَ كفار قريشٍ مسرعين لمَّا أخبرهم رسولُ الله صلى الله وعليه وسلم بحادثةِ الإسراء والمعراج ؟!
ابتسم ابتسامة تُذهبُ ظلام اليأس .. وتبعث الأمل في النّفس، قائلاً : إنُهم يدركون تماماً مَن هو أبو بكر !! وما هي مكانتُه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو نجحوا في التأثيرِ عليه، يكونون بذلك قد وجهوا طعنةً شديدةً في ظهره صلى الله عليه وسلم، ثم تخيل العددَ الذي سيرتد عن الإسلام، لو ارتد أبو بكر الصديق !!
هكذا يُدرك الأعداء أين يوجهون سهامَهم .. ومتى يبثون سمومَهم، فيطعنون في الرُّموز، لتهتزَّ صورتهم في أعينِ مَن يقتدون بهم .
ولأنّ الله وهبني الثبات فلم أرتدّ عن ديني، لذا فقد أكرمني بالقضاء على فتنة المرتدين .. جزاءَ ثباتي مع إمام المرسلين !
قلتُ : وما الذي جال بخاطرك وهم يخبروك بهذا الخبر ؟!
قال : نظرت لهم فوجدتُهم قد قاسوا الحدثَ على قدرة رسول الله فوجدوه مستحيلاً .. لكني لمّا قسته على قدرة رب العالمين فوجدته أمراً يسيراً . ثم إني أصدِّقُ أنّ الله يُنزِّلُ جبريلَ عليه السلام من السماء إلى الأرض، فلماذا لا أصدقُ أنه سبحانه يصعدَ بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم من الأرض إلى السماء !!
ثم عقبّ قائلا
: هكذا علمني الإسلام أن أُعمل عقلي الذي وهبني الله إياه، وأن أسيرَ على بصيرةٍ حتى لا أحيدَ عن تعاليم الدين .. وهدي خاتم النبيين .
قلت لن أتوقفَ طويلاً أمام حادثة الهجرة، ذلك الحدث المفصلي في تاريخ الإسلام، ولكني أسأل سؤالاً واحداً : ما الدرس الذي خرجتَ به من حادثة الهجرة ؟!
قال : إنّ الدعوات لا تُنصر بالأحلام ولا بالآمال، ولا بالخُطب العظام، وإنما بالأخذِ بالأسباب، وبذل غاية المجهود مع غاية التوكل على المعبود !!
أما ما أنصحكم به، حتى يَمُنَّ الله عليكم بالتمكين والنصر المبين، فعليكم – مع ما قلته سابقاً – أن تهجروا الذنوب والمعاصي، فقد فشت في أرضكم .. وعمّت أرجاءَ بلادكم !!
قلتُ : نأتي الآن يا سيدي إلى الموقف الأشهر في حياتكم المباركة، وهو موقفكَ يوم وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لكنني لم أستطع أن أكمل حديثي حيث أجهشَ أبو بكر رضي الله عنه بالبكاء، فظللتُ أهدِّئ من روعة، لكنّه قال لي كلمة مؤلمة : أنتم لم تعرفوا بعد قدرَ رسولِ الله صلى اله عليه وسلم !!
ثم طلب مني أن أُكمل حديثي، فقلتُ : سيدي .. كيف نظرتَ إلى وفاةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ؟!
قال : نظرت إليها من خلال قول الله تعالى ” إنّك ميِّتٌ وإنّهم ميِّتون ” ثمّ إنّ نوحاً وإبراهيم وموسى وعيسى – عليهم السّلام – ماتوا ا من قبل، فلماذا لا يموت محمدٌ صلى الله عليه وسلم !!
ثمّ أردف قائلاً : إنّ الدعوات لا يتوقف مصيرها على أشخاصٍ بأعينِهم .. ومهمة الأنبياءِ التبليغ، وقد أدى رسول الله عليه وسلم الأمانةَ على أكمل وجه، ولا بدَّ أن يجري عليه ما يجري على البشر .
ثمّ أليس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا بسيرتِه وسنته ؟!
قلتُ : بلى، قال : فعلامَ البكاء والعويل ؟!
سكتُّ بُرهةً، فنظر إليّ نظرةَ الأبِ العطوف .. والداعية الرؤوف ثم قال : ماذا يدور بخلدك يا ولدي ؟!
قلتُ : لماذا لم تأخذ برأي عمر بن الخطاب في شأنِ المرتدين ؟!
قال – في حزم – إنّ المبادئ لا تتجزّأ، وإن المسلم الحق، هو الذي يؤدي شعائر الإسلام كاملةً بلا تفرقة ولا تمييز، ومن يُفرّط اليوم في الزكاة .. سيفرط غداً في الصّلاة !!
قلتُ له : يا سيدي، يعِزّ عليّ أن أختم حديثي معك، ولكن ما له بداية .. حتما سيكون له نهاية، فهل من كلمة نختمُ بها لقاءنا ؟
قال : إيّاكم والتفرق واتباع الأهواء .. فإنّ ذلك هو سببُ كلّ بلاء، واعلموا أنّ الله يحبّ الذين يُقاتلون في سبيله صفًا كأنّهم بُنيانٌ مرصوص .
قبّلتُ رأسَه ويده مُودِّعاً إياه على أمل أن يرضى الله عنِّي، ويجمعني يه في جنات النعيم مع سيِّد ولَدِ آدم أجمعين .
وعُدت إلى الواقع الأليم، وعادت إلىَّ الهموم والأحزان .. ولِمَ لا ؟! وقد كنت في صحبة أبي بكر في زمن العزة والكرامة .. وعدتُ إلى زمنِ الذِّلة والمهانة !!
زمنِ الرِّدة – ليس عن الإسلام – ولكن الحرية، حيث فقد الإنسان قيمته .. وأهدر الطغاةُ كرامته !
لكن الأمل لن تخبو جذوته في النفوس بأن يعود المسلمون لدينهم .. وينشروا العدل في ربوع بلادهم .