السيرة النبوية (49) إسلام الحبر الأعظم يكشف حقيقة اليهود
بقلم / الدكتور محمد النجار
ذكرنا في الحلقات السابقة أن أول من رأى النبي صلى الله عليه وسلم عند قدومه الى المدينة رجل يهودي من ساكني المدينة ، وانتشر الخبر ، وجاء حبر اليهود الاعظم عبدالله بن سلام ليتحقق من صدق ذلك الرجل، هل هو النبي الذي ينتظرونه أم انه كاذب يدعي النبوة فيكشف أمره.
حقيقة اليهود
اترككم مع هذا الحبر ومقابلته للنبي وحواره وبيانه حقيقة اليهود للنبي عمليا في أول لقاء معه..
لم يكن عبدالله بن سلام رجلا مغمورا في قومه أو شخصية عادية يمكن التشكيك في تفكيره أو صحة عقله أو صدق ولاءه لليهود ، وإنما كان الحبر اليهودي الأعظم الذي يقدسونه ويقدمونه على انفسهم لما له من القدسية الدينية والمكانة الروحية ولرجاحة عقله وارتفاع منزلته لديهم .
يقول الحبر اليهودي عبدالله بن سلام :
لما سمعت بوصول النبي الى يثرب ، وكنت أعرف صفته واسمه وزمانه الذي كنا ننتظره ، فلما نزل بقباء في بني عمرو بن عوف أقبل رجل أخبرني بقدومه وأنا في رأس نخلة أعمل فيها ، وعمتي خالدة ابنة الحارث تحتي جالسة ، فلما سمعتُ الخبر بقدوم رسول الله ﷺ كَبَّرت ، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري : خيبك الله ، والله لو كنت سمعت بموسى بن عمران قادما ما زدت ، فقلت لها : أي عمة ، هو والله أخو موسى بن عمران ، وعلى دينه بُعث بما بُعث به ، فقالت : أي ابن اخي ، أهو النبي الذي كنا نُخبر أنه يبعث مع نفس الساعة؟ فقلت لها : نعم ، فقالت : فذاك إذاً ، ثم خرجت الى رسول الله ﷺ ، فلما رأيتُ وجهه ﷺ عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب ، فأول ما سمعتُه يقول :
” أفشوا السلامَ ، وأطعموا الطعامَ ، وصِلوا الأرحامَ ،وصَلُّوا بالليل والناسُ نيام تدخلوا الجنةَ بسلام “
فأسلمت ، ورجعت الى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا .
شهادة حبر اليهود ضدهم:
اليهود قومٌ بُهت..أهل غدر وكذب وفجور
ويقول عبدالله بن سلام : كتمت خبر إسلامي عن يهود ، ثم جئت رسول الله ﷺ ، فقلت له : يارسول الله ، إن يهود قومٌ بُهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك ، وأختبأ عنهم ثم تسألهم عني حتى يخبروك كيف أنا فيهم ، قبل أن يعلموا بإسلامي ، فإنهم إن علموا به بهتوني ، وعابوني ، وقالوا فيَّ ماليس فيَّ ، لكن قبلها تعترف يهودُ أني سيدُهم وابنُ سيِدهم وأعلمُهم وابنُ أعلمِهم ، ثم ادعُهم فاسألهم عني قبلَ أن يعلموا أني قد أسلمت. فأرسل النبي ﷺ فأقبلوا فدخلوا عليه ، فقال لهم النبي ﷺ: يامعشرَ يهود ، ويلكم اتقوا الله ، فو اللهِ الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسولُ الله حقا ، وأني جئتكم بحق ، فأسْلِمُوا ، قالوا : ما نعلمه – قالوا للنبي ﷺ ثلاث مرات- قال : فأيُّ رجل فيكم عبدُ اللهِ بن سلام ؟؟
قالوا : ذاك سيدُنا وابنُ سيدنا ، وأعلمُنا وابنُ أعلمنا . فقال النبي: أفرأيتم إن أسلمَ؟ قالوا : حاشا للهِ ما كان ليُسلمَ. قال النبي ﷺ : يا ابنَ سلام أخرج عليهم . فخرج ، فقال : يا معشرَ اليهود ، اتقوا الله ، فو الله الذي لا إلهَ إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسولُ الله ، وأنه جاء بحق. قالوا : كذبت ، فأخرجهم رسولُ الله ﷺ . فقلت لرسول الله ﷺ: ألم اخبرك يارسول الله أنهم قومٌ بُهت ، أهل غدر وكذب وفجور ، فأظهرت إسلامي وإسلام أهل بيتي ، وأسلمت عمتي خالدة بنت الحارث ، فحسن اسلامها .
ثلاث لايعلمهن إلا نبي
وفي رواية أن عبدالله بن سلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن أشياء فقال : إني سائلك عن ثلاث لايعلمهن إلا نبي ، ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه أو إلى امه؟ فلما ذكر له جواب مسائله قال : أشهد إنك رسول الله ﷺ. ثم ذكر أن اليهود قوم بُهت .. الحديث .
لم تكن شهادة الحبر اليهودي نابعة عن هوى شخصي أو كراهية لبني قومه يهود ، وإنما ناتجة عن علمه بما في كتبهم ومقدساتهم فضلا عن تجربته الشخصية ومعرفته الحقيقية بظلمات البغض والحقد والحسد والبغي على البشرية والكامن في قلوبهم وسلوكهم والناتج عن فساد فطرتهم المنحرفة التي قتلوا من خلالها أنبياء الله ورسله عبر تاريخهم الطويل في الغدر والخيانة والخسة ودناءة الطبع .
وقد أثبت ذلك الحبر الأعظم ذلك عمليا أمام النبي ﷺ منذ اللحظة الأولى لوصوله أرض المدينة “يثرب” حتى يقف بنفسه ﷺ على النفسية السوداء لليهود وكيفية تغييرهم الحقائق في لحظة واحدة دون حياء .
لقد كان دخول عبدالله بن سلام ، ذلك الحبر الأعظم في الإسلام هو وأهل بيته ، ومعه عمته خالدة بنت الحارث يمثل التأييد المطلق من رجل الدين اليهودي الأول والحبر الاعظم لرسالة الاسلام واعترافه العلني بنبوة محمد ﷺ ، كما أنه اكبر انتصار للمؤمنين من المهاجرين والانصار وتثبيتا للمسلمين الجدد الذين دخلوا حديثا في الاسلام عند وصول النبي ﷺ للمدينة .
كما كان ضربة إلهية قصمت ظهر الفجور اليهودي من خلال تجربة واقعية شاهدها النبي ﷺ وغيرهم في مجتمع المدينة ، وتكشف لهم عما ما سيحدث لهم في مستقبل الأيام من خبث هؤلاء اليهود ومؤامراتهم وسوء طويتهم التي لم ينج منها حتى انبياءهم.
انحرافات اليهود تجاه الأنبياء
وأعرض لكم بعضا من انحرافهم تجاه انبيائهم من خلال كتبهم المقدسة :
قالوا عن نوح انه سكر وتعرى
ورد وصف نوح في سفر التكوين:
“وابتدأ نوح يعمل فلاحا، وغرس كرما وشرب من الخمر، فسكر وتعرى داخل خبائه، وأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا”.
أي ان نوح عليه السلام شرب الخمر ، واصبح سكرانا وتعرى ، فانكشفت عورته ورآها ابنه حام ، فذهب الى أخويه واخبرهما بما رأى من أبيه!!!
فهل يليق هذا بنوح عليه السلام ؟؟؟
قالوا عن داود أنه زنا بزوجة قائده..
داود عليه السلام هو أعظم ملوكهم وأكرم انبيائهم بل وصانع مجدهم ، قالوا : أنه رأى زوجة قائده أوريا فأعجبته، وأنه زنا بها ، وأنه تحايل لقتل أوريا بإرساله على رأس جيش إلى مكان مُهْلِك حتى يُقتل وليستأثر هو بامرأته.
فهل هذه صفات يوسف بها انبياء ؟؟ وقد وصف الله داود عليه السلام :
((نعم العبد إنه أواب)) ص30
قالوا عن سليمان ؟ساحر تزوج بالمشركات
قالوا عن سليمان عليه السلام أنه ساحر ، و تزوج بنساء مشركات، وأنه عبد الأصنام معهم، ثم بنى للأصنام بيتا للعبادة. جاء في سفر الملوك الأول (11: 3 ): ” كانت له سبع مئة من النساء السيدات و ثلاث مئة من السراري فأمالت نساؤه قلبه. وجاء في (11: 4 ) كان في زمان شيخوخة سليمان أن نساءه أملن قلبه وراء آلهة اخرى ولم يكن قلبه كاملا مع الرب إلاهه كقلب داود أبيه”.
قالوا عن هارون يأمر بعبادة العجل
لقد كذبوا بهتانا وزورا أن هارون عليه السلام صنع لهم العجل ، وهو الذي دعاهم إلى عبادة الله ، فقالوا في (سفر الخروج) (32/1) :
” ولما رأى الشعب أن موسى أبطأ في النزول من الجبل اجتمع الشعب على هارون، وقالوا له: قم اصنع لنا آلهة تسير أمامنا… فقال لهم هارون : انزعوا أقراط الذهب التي في آذان نسائكم وبنيكم وبناتكم وأتوني بها…. فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل وصنعه عجلاً مسبوكاً، فقالوا: هذه آلهتك يا إسرائيل”.
انهم كاذبون !! فكيف لنبي أرسله الله يدعو قومه لتوحيد الله وعبادته، ثم يصنع لهم صنما ويدعوهم الى عبادته ..
وقد ذكر الله في القرآن أن الذي صنع لهم العجل هو السامري، فقال عزَّ وجلَّ: ((قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ))طـه:85 وقال الله عز وجل عن هارون عليه السلام: ((وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي))طـه:90
قالوا عن لوط يشرب الخمر ويزني بابنتيه!!
ذكروا لوط في سفر التكوين(19: 30 ـ 38) : “وصعد لوط من صوعر ، وسكن في الجبل ومعه ابنتاه ، لأنه خاف أن يسكن في صوعر، فسكن في المغارة هو وابنتاه . وقالت البكر (أي الابنة الكبرى) للصغيرة :
“أبونا قد شاخَ ، وليس في الأرض رَجلٌ لِيَدْخلَ عَلَيْنَا كعادةِ كلِّ الأَرضِ. هَلُمَّ نسْقِي أَبَانَا خَمْراً وَنَضطَجِعُ معهُ فَنُحْيِيَ من أَبِينَا نَسْلاً”. فَسَقَتَا أَباهما خمراً فِي تِلْكَ الليلةِ وَدَخَلَتِ البِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيها ولم يعلمْ بِاضْطِجَاعِهَا ولا بِقِيَامِهَا. وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَن الْبِكْرَ قالت للصغيرة: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ البارحةَ مع أَبِي. نَسْقِيهِ خمراً الليلةَ أيضاً فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». فَسَقَتَا أباهمَا خَمْراً في تلك الليلةِ أَيضاً وَقَامَتِ الصغيرةُ وَاضْطَجَعَتْ معهُ ولم يعلم بِاضْطِجَاعِهَا ولا بِقيامِهَا, فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا، فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ» – وهو أَبو الموآبِيِّينَ إِلَى اليومِ. والصغيرةُ أَيضاً وَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي» – وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى اليوم)(تكوين 19: 30 ـ 38)
قالوا عن عيسى بن مريم ولد سفاح
اتهموا مريم البتول عليها السلام بأنها زنت مع يوسف النجار ، وحملت سفاحا بعيسي . فحملت بعيسى سفاحا. ولقد واجه اليهودُ نبي الله عيسى بهذا الطعن في شرفه تلميحا حسب ماورد في انجيل يوحنا إصحاح8 :41 ، بقولهم له : ”نحن لم نُولَد من زنا”
وحاشا لله – أن يبعث رسولاً يدعو إليه، وقد تدنس نسبُه بالفاحشة.
هذا جزء من حقيقة اليهود حسب ما ورد في كتبهم المقدسة ووصفهم لأنبيائهم بأبشع الصور الأخلاقية ، والانحطاط الانساني ، وكما كشفهم الحبر الأعظم عبدالله بن سلام للنبي ﷺ .
فما الذي نتوقعه منهم مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه؟؟؟
وهذا ما سيرد ذكره مع احداث السيرة النبوية في الحلقات القادمة بإذن الله
و بهذا أختم الحلقة (49) ونلتقي الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة (50) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..
اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .
د. محمد أحمد النجار
الثلاثاء
01 أكتوبر 2019 م
===================