أراء وقراءاتاقتصادالعالم

“السوبر ستار “.. بقلم : الدكتورة وفاء الشيخي

 

صورة تعبيرية من النت

يقول أحد رجال الأعمال: عند وصولي إلى مطار إحدى الدول المتخلفة كانت الخدمات داخل المطار سيئة للغاية،  والأماكن تُحيط بها القاذورات من كل جانب ، ولا يوجد تكييف رغم درجة الحرارة العالية ، وبعد إتمامي إجراءات الخروج ، وقفت في خط الإنتظار لركوب سيارة أجرة من المطار إلى الفندق ، تقدمت أمامي سيارة في غاية النظافة، يلبس سائقها ملابس غاية في الأناقة،  وقد فاحت رائحة عطره الجميل ، ترجل السائق من السيارة وفتح لي الباب الخلفي قائلاً : مرحبًا بك سيدي “اسمي أسامة ” أسعد بمرافقتك وتوصيلك إلى أي مكان ، ريثما أضع حقائبك في صندوق السيارة تستطيع أن تقرأ مهامي المدونة في هذه البطاقة، وأشار إلى بطاقة في جيب الكرسي، قرأت في البطاقة : أسعد الله أوقاتكم وحمدًا لله على سلامتكم، نتمنى لكم إقامة طيبة في مدينتنا الطيبة ، مهمتي أن أوصلكم إلى حيث ترغبون، بأقصر الطرق، وأكثرها أماناً، وأقلها تكلفة، تستطيع التواصل معي على الأرقام المدونة أسفل البطاقة  متى شئت .

 

و في جو ودي مريح ، جلس أسامة خلف المقود، أعطيته العنوان الذي أقصده ،  وقبل أن يتحرك بالسيارة نظر إليّ في المرآة وقال: هل ترغب في فنجان من القهوة ؟ لدي ثيرموس لقهوة عادية، وآخر لقهوة بدون كافيين، فقلت مازحاً: شكراً أنا أفضل المشروبات الباردة، فقال مبتسمًا: على الرحب والسعة،  لدي مياه غازية وعادية، ومشروبات غازية، وعصير برتقال أيًضاً .

فقلت: أُفضّل عصير البرتقال .. شكرًا،  ناولني العصير، وبدأنا المسير.

بعدها ، زودني ببطاقة عليها قائمة المحطات الإذاعية قائلاً : تستطيع اختيار الأخبار أو الموسيقى التي تفضلها، أما إذا كنت تريد الدردشة حول ما تراه في الطريق، أو الإستفسار عن أجمل الأماكن وأشهرها في مدينتنا فأنا حاضر سيدي، وإن كنت تفضل أن أتركك ترتاح مع أفكارك بهدوء ، فلك الخيار !

سألني عما إذا كانت درجة التبريد في السيارة مناسبة، ثم أردف : لدينا حوالي أربعين دقيقة للوصول ، إن شئت القراءة يوجد لدي جرائد هذا الصباح والمجلات  الأسبوعية أيضا .

أجبته بأنه تسعدني الدردشة والتحدث معه، وبعد أن شكرته على لطفه سألته مستفسرًا :  سيد أسامة هل تخدم جميع الزبائن بهذه الطريقة ؟

فرد قائلاً : نعم سيدي، أنا أعمل على سيارتي منذ أكثر من عشر سنوات تقربباً، ولكني بدأت ممارسة هذا الأسلوب مع الزبائن قبل أربع سنوات فقط ، كنت قبلها مثل سائر السائقين لا يهتمون بنظافة سيارتهم، أو مظهرهم أو روائحهم، نصرف معظم أوقاتنا في التذمر وندب الحظ، والشكوى من قلة الرزق والكسب ، واللعن والسب للمسؤلين والبلاد والعباد .

وفي يوم وأنا في طريقي عائد إلى البيت كنت أستمع الى المذياع، سمعت  كلاماً أعجبني وكان السبب في تغيير حياتي

فقررت أن أمارس التغيير شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى ما أنا عليه الآن،  ومازلت مستمرًا في تطوير نفسي وخدماتي، أشعر بالسعادة، وأنشر السعادة على الآخرين، تضاعف دخلي في السنة الأولى، وبعد عامين ازداد دخلي أربعة أضعاف، وهذا العام وبفضل الله وصل دخلي إلى ستة أضعاف، أحببت عملي وابتكرت طرقاً لراحة زبائني، فحظيت بإعجابهم وتقديرهم ورضاهم، وأصبحوا يتصلون بي قبل وصولهم وأثناء إقامتهم .

وأردف قائلاً : كان لهذا الكلام يا سيدي وقع السحر في أذني ونفسي، حفز قدراتي العقلية والإدارية، جعلني أؤمن بذاتي، وأحدد خياراتي، ومن ثم اتخذت قراري  بالتغيير، وأسعى حاليًا أن تكون لي شركتي الخاصة بسيارات الأجرة، أحقق فيها تطلعاتي وطموحاتي ،  سمعت المذيع  يتكلم عن منطقة الراحة وإن البقاء  فيها لا يحقق نجاحًا، كالربان الذي يبحر دائمًا في مياه هادئة، لن يصبح بارعًا أبدًا، وهذا بالضبط ما كنت عليه  لم أرغب في  تحريك منطقة الراحة عندي، اكتفيت بالتذمر والشكوى فقط، فإن كنا نمتلك الأدوات والمهارات لماذا نضعها في خزانة التسويف ؟.فعلى من يريد أن يصبح نجمًا في محيطه أن يتحلى بقوة إلاصرار، والحكمة، وحسن الاختيار.

فكرت مليًا في كل كلمة سمعتها ، وقررت بكل إصرار أن أغير طريقتي في العمل ، حتى أختلف عن باقي السائقين في طريقتهم وسلوكياتهم وأسلوب حياتهم ، فتركت قاع الركود وحلقت في فضاء التميز .

أعجبني لطف وخلق وصدق أسامة ، وقررت أن يكون سائقي الخاص طيلة إقامتي في هذه المدينة واتفقت معه على ذلك،  وفي قرارة نفسي عرفت ما معنى أن تخلق التميز في أي بيئة وأي محيط  ولماذا يتضاعف دخل أسامة كل عام .

عزيزي القارئ ، إن المتأمل في قصة أسامة يلاحظ أن مورد رزقه لم يتغير “سيارة الأجرة “ولكن طريقة تفكيره وإدارته لهذا المورد هي التي تغيرت، ربما كان يعمل قبلها بصورة جيدة، ولكن هناك فرق كبير  بين أن نعمل بصورة جيدة،   وبين أن نعمل بأفضل طاقاتنا وقدراتنا  الذهنية والإبداعية.

 

فما أعظم أن نعمل على تغيير واقعنا كما فعل سيدنا يوسف عليه السلام عندما رفض أن يقف عاجزاً ويكتفي بندبِ حظه، ويبكي في سجنه ويرضى بظلمه،  بل عمل على تغيير واقعه حتى صار عزيز مصر .

وفي عصرنا نجد الشيخ سليمان الراجحي الملياردير السعودي  لم يستسلم لحظّه وتعاسة حياته، بل عمل جاهداً على تغيير هذا الواقع حتى تحول  من حمّال لأغراض الناس وجامعٍ لروث الإبل إلى المرتبة 107 في قائمة “فوربس” لأثرياء العالم والمرتبة السابعة عربياً بثروة تقدر ب 8.4 مليارات .

ولو مكث ستيف جوبز يبني آسوارًا من الشكوى وقلة الحيلة، ونقص المال لما رأينا أكبر صرح في عالم الحواسيب والجوالات والأجهزة الإلكترونية .

هكذا هم الطامحون الراغبون في التميز و الإبداع والتحليق عاليًا، غالبًا ما تكون لديهم دافعيةٌ شخصية، ويمتلكون مرونة في تفكيرهم، ومهارة في استغلال قدراتهم العقلية والإدارية بطريقة إبداعية، يقهرون الصعاب ويجتازون الأزمات، يفكرون خارج الصندوق، ويعملون بجدٍّ وإصرار، ليهدموا العوائق والأسوار … أولئك هم  ” السوبر  ستار “.

د. وفاء الشيخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.