أراء وقراءات

(الغزالة الرايقة ) تهدم المجتمع

بقلم / ثروت سرحان 

قادني أحد مقاطع الفيديو على الفيس أن استمع لرائعة (الغزالة رايقة) ، تلك الأغنية التي لاقت نجاحا كبيرا، وبعد أن انتهيت من سماعها بحثت عن سبب روقان الغزالة ،  ولماذا الغزالة بالتحديد.

فاكتشفت أن هذه القصيدة الرائعة (الغزالة رايقة) كانت ضمن فيلم يسمى (من أجل زيكو), واكتشفت أن هذا الزيكو طفل من حي شعبي ، والديه لا يعرفوا القراءة أو الكتابة ينتميان لطبقة ما يسمى (الطبقة المتوسطة), وبالخطأ يدخل مسابقة تنظمها وزارة التربية والتعليم للأطفال العباقرة . وفي أثناء المسابقة كان هناك طفلين بجانب البطل زيكو ، ويظهر الفيلم أن الطفلين ينتميان لأسر ذات مستوى تعليمي عالي  ، أم أحدهم طبيبة ، وأب الأخر مهندس ، أما والد البطل المغوار الزيكو سائق لعربة نقل موتى.

أثناء المسابقة يستطيع الطفلان الإجابة على اسئلة رياضية معقدة في وقت قصير، ولكن البطل المغوار الزيكو لا يستطيع إجابة أي سؤال.

وفي النهاية تحدث هذا الزيكو وقال أنا لا أستطيع حل مثل هذه الأسئلة ، ولكن أستطيع أن (اغني) ، ثم صدح وأمتع مسامعنا بقصيدة رائعه مطلعها يقول(الغزالة رايقة ، والناس الحلوة سايقة) ، وقد لاقت القصيدة الرائعة نجاحا كبيرا ، واختطف زيكو الأنظار  والأضواء ، وهرول له الصحافيون ،  ونجح زيكو نجاحا مبهرا.

كانت صدمتي حقيقة بعد المشاهدة ، وذلك لعدة أسباب:

على مدار عقود سعى أبناء الطبقة المتوسطة أن يلحقوا بالطبقة العليا ، أو على الأقل أن يضمنوا لأنفسهم وظيفة أو مستوى معيشة لائق، وكانت وسيلتهم لذلك هى التعليم ، والجد والاجتهاد ، خرج من هذه الطبقة الأطباء والمهندسون والمعلمون وغيرها من الوظائف التي من شأنها أن تساهم في تقدم المجتمع ، وتحافظ عليه.

ولكن في قصة البطل المغوار الزيكو كانت الرسالة أنه لا يهم المستوى العلمي ، ولا العبقرية تصنع المجد ، يكفيك أن تصدح بقصيدة مثل رائعة الغزالة رايقة حتى تطفوا على السطح وتكون نجما من نجوم المجتمع تهرول لك الصحافة ،وتتصدر القنوات الفضائية.

من فاز في المسابقة طفل أقصى  إنجاز علمي له أنه يحفظ جدول ضرب ٩ .

ليس عيبا أن تكون فقيرا ، أو تسكن في حي شعبي ، أو قرية فقيرة ، أو في مدرسة حكومية .

فمن هذه الأماكن خرجنا  وخرج عظماء في كافة المجالات.

الرسالة واضحة يا سادة ، يكفيك أن تكون مطرب مهرجانات أو لاعب كرة حتى تكون نجما وتفوز في (المسابقة)، أما مستواك التعليمي أو عبقريتك أو لغاتك أو شهاداتك ليست هى طريق نجاحك .

فلا غرابة أن يكون بيكا وشطة، وحنجرة  وحنكورة هم نجوم المجتمع ، وهم قدوة أولادنا .

قصة مثل قصة بطلنا زيكو تكفي لتدمير جيل بأكمله ، بل مجتمع بأكمله، عندما يشاهد اطفالنا ذلك  ، يتمنوا أن يكونوا كلهم زيكو وغزالته الرايقة، بدلا من الطفلين الأخرين .

ولا أعلم حقيقة ماذا بعد روقان الغزالة، وإلى متى سيستمر روقان الغزالة؟!

بقلم / ثروت سرحان 

باحث بجامعة الأزهر

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. رسالة بسيطه جدا ذات مغزي عميق تعكس واقع المجتمع الحالي أحسنت يا دكتور وياريت تستمر في نشر الرسايل العظيمة دي 👍👍

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.