الوحدة 

بقلم / الفنان أمير وهيب 

عندما اتأمل حياة الانسان على الأرض ، من ميلاده حتى وفاته ، نموه ومراحل العمر المختلفة ، وبصرف النظر عن ” الموت ” المفاجئ او الموت المنتظر والمتوقع بسبب مرض ما ، الا ان ما هو شائع باعتباره نمط طبيعي هو الوصول ل ” خط النهاية ” ، الخط الذي يحدد نهاية رحلة الحياة.

والمسافة قبل خط النهاية اسمها مرحلة ” الشيخوخة ” ، هذه المسافة يحددها قدرة الفرد في التكيف مع هذه المرحلة واحتمال مشقتها من ناحية والمساعدة التي يتلقاها من من حوله من ناحية أخرى.

لذلك هناك أفراد تنهي هذه  الرحلة عند سن أكبر من غيرهم.

هذه المرحلة لها قائمة من المعاناه ، بداية من اختلال وظائف الجسد و احتلال قوى مرضية تشكل مستعمرات وتداعياتها من صعوبة حركة و ضعف سمع و نظر و غيره ، الا ان أكثر ما يشغلني في هذه المسرحية هو مشهد الشعور بـ ” الوحدة “.

الوحدة في ” علم النفس ” مادة أساسية وكتب عنها مجلدات ويمكن الرجوع الي هذه الكتب لمزيد من المعرفة.

ولكن ما يعنيني هنا هو كيف تتعامل الدولة متمثلة في وزارة التضامن الاجتماعي و المؤسسات المعنية بذات الشأن مع هذه الشريحة و الفئة غير القليلة من المصريين و المعروفين ب ” كبار السن “.

وما هو معروف ان الدولة تخصص لهم مباني اسمها ” دار المسنين “.

دار المسنين ، هو مكان يجمع ما بين ” مستشفى ” و ” فندق ” ، يتلقى فيها كبير السن نوع من الخدمة تشبه المساعدة و المساندة في تلبية طلبات يعجز عنها لذلك في لغتنا العامية نقول ” عجوز ” ، و حسنا تقدم هذه الديار خدماتها و بصرف النظر عن جودة الخدمة لأنها تتفاوت من دار الي آخر على حسب مستواه.

و لكن كلهم لا يقدمون ابدا خدمة ” المحادثة ” ، خدمة أن يجلس شخص متخصص لديه من الخبرة و الصبر في التعامل مع مثل هذا الشخص العاجز و يقدم له خدمة ، اعتقد بيقين ، أنها افضل أنواع الخدمة و أعظمها ، و هي أن يتحدث معه و يشعره انه ” حي ” و يمكنه أن يقول رأيه ، و يتكلم و يتابع و ينسجم و يضحك ، لأنه حياته ليست في هذه المرحلة هي الأكل و الدواء و النوم فقط حتى يصل لخط النهاية.

الاهتمام بالنواحي النفسية في هذه المرحلة هو عمل إنساني عظيم ، جبر الخاطر و رفع المعنويات هو فعل خير مستحق الثواب.

و على حسب المعلومات الواردة و عن معرفة شخصية بعض من هذه الديار حدود خدماتها تقف عند هذا الحد فعلا و لا تقوم بأي خدمة مرتبطة بالنواحي النفسية.

خاصة و أن نسبة غير قليلة من رواد هذه الديار هم من الناحية الصحية قادرين على الحركة و كل معاناتهم هي من الشعور بالوحدة ، و هذا الشعور مؤلم و محبط و قد يؤدي الي الاكتئاب و تدهور الصحة اذا كانت سليمة.

لذلك أتوجه بالاقتراح على وزارة الصحة و التضامن الاجتماعي معا ، بالاهتمام بهذه النقطة الهامة ، لأن ” الشعور بالوحدة ” هو مصدر أمراض و تدهور صحة.

و لا يستطيع أحد أن يعيش في وحدة الا اذا كان فنان او كاتب او عالم لأن طريقة تفكيره الجزء الأكبر منها هو ” تأمل ” و التأمل هو احد العوامل التي من شأنها القضاء التام على الشعور بالوحدة و هذا لا يقلل من أهمية الصحبة و الحوار.

يعني مهما كان الانسان قوي ولا يشعر بالوحدة هو في حاجة لناس يتكلم معهم ويضحك معهم وهذا من شأنه أن يرفع من معنوياته ويحسن من صحته.

 الوحدة  1 الوحدة  2

وهنا اتقدم باقتراح لوزارة الصحة والتضامن الاجتماعي ، في بناء منشآت جديدة ليست ” دار مسنين ” بالوضع الحالي و يمكن أن تكون ” دار استجمام ” ، هي منشآت تجمع ما بين مستشفى وفندق ايضا و لكن التركيز على النواحي النفسية و أبواب هذا المكان مفتوحة لمن يبحث عن ” الصحبة ” أكثر من الرعاية ، وتقدم نفس الخدمات ولكن أول هذه الخدمات هي وجود متخصصين على دراية بكيفية مخاطبة كبار السن ومن يعاني شعور الوحدة بحيث انهم موجودين في خدمة يومية في صالة مخصصة يطرح فيها موضوع يومي على غرار ” الندوة ” ويبدأ المحاضر بطرح موضوع اليوم كأن مثلا النهاردة نتكلم عن ” الخيانة ” و يحكي قصة شخص خائن ، أي قصة ، و يبدأ بطرح سؤال هل تعتقد أن هذا الرجل كان مضطر أن يخون ؟

ويشارك النزلاء في هذا الحوار ويبدأ في التفاعل و سماع آراء مختلفة ومتباينة مما يخرجه من حالة الوحدة الي الشعور بأن لديه مجتمع ويعيش ويحيا في انسجام.هذا مثال بسيط وانا متأكد أن الخبراء لديهم المزيد.

هذا الدار وهذه الخدمة يمكن أن تكون مدفوعة الأجر في اطار مرتفع نسبيا للقادرين كتجربة أولى.

وفي حالة نجاح هذه المنشآت ذات المستوى الخمس نجوم يمكن بناء نوع آخر لغير القادرين تدعمها الدولة ويساهم فيها المتبرعين.

المهم أن تكون في مصر مثل هذه الأماكن التي تراعي من هم يعيشون في وحدة.

 

 الوحدة  3

أمير وهيب 

فنان تشكيلي وكاتب ومفكر 

Exit mobile version