تتحدث الطفلة الفلسطينية هديل ماضي (13 عاما) عن أحلام كثيرة كانت تراودها وعن اجتهادها في مدرستها لتتمكن بعد ذلك من إتمام دراستها في الخارج.
لكن بعد ثمانية أشهر من الحرب الدائرة رحاها في غزة لم يعد شيء يشغل بال هديل ومثيلاتها سوى التحديات الأساسية مثل العثور على المياه اللازمة لاستمرار الحياة.
وما هديل سوى واحدة من أطفال كثيرين يتوجهون يوميا لنقاط معينة لتعبئة الدلاء البلاستيكية والأوعية والزجاجات التي بحوزتهم بالمياه قبل أن يعودوا مسافات طويلة وهم يحملونها عبر طرق ترابية على جانبيها جبال من ركام المباني المدمرة.
ويجر بعض هؤلاء الأطفال عبوات المياه على عربات بدائية، لكن لا مناص لمعظمهم من حملها.
وقالت هديل “إحنا بنعبي مايه وتعبنا، وأنا اللي بعبي وضهري انكسر من كتر حمالة المايه. وأنا باساعد ماما عشان ما حدن عندي كبير غير أنا… ولما أجينا كانت الدار معبقة غبرة، أربع مرات رحنا حملنا وغسلنا البيت وتعبنا، يعني الحياة معاناة كتيرة وكبيرة والدمار حوالينا، كله بنتنفس غبرة، فيشي هوا، مبنستنشقش هوا نضيف، كله تلوث وغبره”.
وتتذكر الطفلة مرام الحاج (12 عاما) عندما كانت المياه متوفرة قبل ان تدمره صواريخ الاحتلال ،وقالت مرام “مايه وأكل وشرب وتعب ودار وضهرنا اتكسر واحنا قاعدين نشيل ونعبي والدنيا تغيرت كتير. كنا نتريح، كنا نعبي من براميل بس، أما مش زي كده… المايه كانت متوفرة عندنا أما الحين أكل وشرب صعب وفلوس كمان صعبة، وكتير، كل إشي تعبنا… وبيوتنا كانت حلوة قبل بس الحين صارت كلها مدمرة ومتكسرة… والمدارس اشتقنالها، بطل فيه مدارس كلهم قصفوهم وحرقوهم”.
وأضافت “… كل حلمنا اتدمر ومفيش إشي هيترجع زي قبل، قبل كنا عايشين حياتنا، أما اليهود بدلوا أفكارنا بأفكار تانية، بطل عندنا أفكار زي زمان كنا تفكر بدنا نروح ع المدرسة، إيش الدروس”.
وتقول السلطات الصحية في قطاع غزة إن الحملة العسكرية الإسرائيلية بعد السابع من أكتوبر تشرين الأول أدت إلى مقتل أكثر من 36 ألفا من سكان غزة حتى الآن وتسبب في أزمة إنسانية مع نقص الأدوية والوقود والغذاء والمياه.
وحفر الناس آبارا في بعض المناطق قرب البحر حيث دفعهم القصف أو يعتمدون على مياه مالحة من طبقة المياه الجوفية الوحيدة في غزة، الملوثة بمياه الصرف الصحي ومياه البحر.
وقالت مرام “بطلت مايه متوفرة زي زمان، بطل خالص، فيش مايه متوفرة عشان نضلنا نحمل تعب كل شي مايه، مفيش مايه متوفرة”.
وبينما يتأرجحون بين اليأس والأمل، يبحث الأطفال عن علامات تشير إلى أن الحياة ستعود إلى طبيعتها يوما ليتسنى لهم التفكير في المدرسة بدلا من كيفية البقاء على قيد الحياة، لكن الوسطاء الذين يسعون إلى وقف إطلاق النار يكابدون من أجل التوصل إلى اتفاق.
وقالت هديل “فيه أحلام كتير نفسي أحققها وكنت نفسي أنجح بموادي وأطلع بره وأتعلم، بس مع الحرب هاي فشلت كل إشي وفشلت الدراسة، وإن شاء الله تخلص الحرب ونتعلم وترجع زي ما كانت الحياة”.