فيه حاجة غلط !

بقلم: ياسر راجح

في الوقت الذي تتعالى فيه الصيحات سخطًا و إعتراضًا على رفع أسعار السلع والخدمات, لا سيما رغيف الخبز الذي تدعمه الدولة بنسبة كبيرة, يعاني البعض حالة فريدة من الفصام الإجتماعي, تسببت فيها العديد من الأعراف و الأفكار المتوارثة عن ظهر قلب جيلاً بعد جيل, فصام تطفو أعراضه لتظهر بوضوح في المناسبات و المواقف المختلفة, بشكل مثير للدهشة و العجب.

مثالاً على ذلك, بعض الأسر متوسطة الحال التي تصر على إدخال أبنائها وبناتها مدارس خاصة بمصروفات باهظة فوق إستطاعتهم ،و إن إضطرهم ذلك لإستدانة أموالٍ طائلة لن يستطيعوا سدادها بسهولة. على سبيل المجاراة للثقافة المجتمعية السائدة في الوسط الذي يعيشون فيه ،كي لا يظهر أبنائهم بمستوى أقل من أقرانهم في محيط الأهل و المعارف و الجيران!.

و ما أدهشني حقًا, ذلك الشاب حديث التخرج, الذي قمت بإختباره و تعيينه في أحد إدارات الشركة التي كنت أعمل بها يومًا ما, عندما أتى يحدثني بعد عام فقط من تعيينه براتب شهري لا يزيد بحالٍ من الأحوال عن ثلاثة ألاف جنيه, عن ما إشتراه هو و عروسه من مستلزمات بمساعدة أسرتيهما, إستعدادًا لإتمام الزواج, مائة وخمسون ملاية سرير كبيرة, مائة و أربعون ملاية لسرير للأطفال الموجودين في علم الغيب و لم يولدوا بعد, مائة و ثمانون فوطة, ثلاجتان, غسالتان, شاشتي عرض تليفزيوني كبيرة الحجم, خمس مراوح, طقمي صيني من النوع الكبير, ست أطقم من أواني الطهي المعدنية الكبيرة لزوم الطبخ, و غير ذلك من الأدوات و المفروشات مما تحتاج في نقلها لخمسة عشر سيارة نقل كبيرة على أقل تقدير !.

و غير ذلك كثير من الشباب الرافض للواقع, الناقم على كل شيئ, ورغم ذلك يولي عناية شديدة بمظهره الخارجي البعيد تمامًا عن واقعه الصعب. في وقتٍ يبحث فيه عن عمل و لا يجد, ليس له دخل سوى مصروفٍ بسيط يحصل عليه من الأسرة. بعضهم يفعل ذلك من باب “أنا لا أكذب و لكني أتجمل” مخافة أن يرمقه الأخرين بنظرة دونية جارحة لكبريائه و كرامته الإنسانية, في مجتمع لا يحترم إلا المظاهر, حتى و إن كانت زائفة.

و على النقيض من ذلك حالة فريدة أيضًا و مثيرة للإستغراب, صاحب شركة كبيرة عملتُ بها في السايق يملك بطاقة تموينية, إعتاد أن يرسل سائقه الخاص كل أول شهر بسيارةٍ فارهة غالية الثمن ليصرف سلعًا تموينية مدعومة, يفترض أن تمنحها الدولة لمحدودي الدخل, كان ذلك منذ زمنٍ بعيد قبل أن تنتبه أجهزة الدولة المعنية وتعكف على متابعة و تنقية كشوف المستفيدين, ضمانًا لوصول الدعم إلي مستحقيه !.

و تعد الفرخة الامبورجيني التي يرغب أحدهم في تسويقها بمجتمعنا الذي إنخفضت فيه القدرة الشرائية للمواطن للنصف بفضل الإصلاحات الإقتصادية؛ أحد هذه العجائب و التناقضات حيث يصل سعر الواحدة منها لثلاثة ألاف و سبعة عشر ألفاً من الجنيهات و ربما أكثر ؛ كوميديا سوداء !.

فيا لها من أحوال عجيبة متاقضة في واقع إفتراضي لا معقول ، موازٍ لواقعنا الحقيقي المعاش وملازمًا له جبنًا إلى جنب،يخدع فيه البعض أنفسهم قبل خداعهم للأخرين.

07/10/2021

Exit mobile version