أراء وقراءات

 أخطر وثيقة استعمارية إجرامية لتقسيم العالم العربي وضعت عام 1907 وجاري تنفيذها 

عند الحديث عن قيام الكيان الصهيوني الغاصب في فلسطين وتفتيت الدول العربية وتأخرها أول ما يطرأ على العقل العربي هو المؤتمر الصهيوني الأول الذي عقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897 ووعد بلفور 1917 واتفاقية سايكس بيكو 1916 ونتجاهل أخطر وثيقة استعمارية إجرامية وضعت لتقسيم العالم العربي وإبقائه في حالة من التخلف والتشرذم وهى وثيقة كامبل بنرمان رئيس الوزراء البريطاني عام 1907.

وثيقة بنرمان السرية استغرق وضعها عامين 

عام 1905 عقد مؤتمر سري  يهدف إلى إعداد إستراتيجية أوروبية لضمان سيادة الحضارة الغربية على العالم خاصة العالم العربي وإيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الغرب الاستعماري إلى أطول أمد ممكن ودعيت إلى المؤتمر الدول الاستعمارية بريطانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال

وشارك في المؤتمر فلاسفة ومشاهير المؤرخين وعلماء الاستشراق والاجتماع والجغرافية والاقتصاد إضافة إلى خبراء في شؤون النفط والزراعة والاستعمار

واستمرت جلسات المؤتمر حتى 1907 انبثقت عنه وثيقة سرية سموها ” وثيقة بنرمان “وهو أخطر مؤتمر عقد لتدمير الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة وكان هدفه حرمان العرب من كل عوامل النهضة وعدم استقرار المنطقة

افتتح « كامبل » المؤتمر بكلمة أخطر ما جاء فيها: ( إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع وتقوى ثم تستقر إلى حد ما ثم تنحل رويدا رويدا ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة فهناك إمبراطوريات : روما، أثينا، الهند والصين وقبلها بابل وآشور والفراعنة وغيره.

فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن أن تحول دون سقوط الاستعمار الأوروبي وانهياره أو تؤخر مصيره ؟ وقد بلغ الآن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة استنفدت مواردها وشاخت مصالحها بينما لا يزال العالم الآخر في صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية هذه هي مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخاؤنا وسيطرتنا ).

 مصدر الخطر الحقيقي

استعرض المؤتمر الأخطار التي يمكن أن تنطلق من تلك المستعمرات فاستبعد قيام مثل تلك الأخطار في كل من الهند والشرق الأقصى وأفريقيا والمحيط الأطلسي والمحيط الهادي نظرا لانشغالها بالمشاكل الدينية والعنصرية والطائفية وبالتالي بعدها عن العالم المتمدن وأن مصدر الخطر الحقيقي على الدول الاستعمارية إنما يكمن في المناطق العربية من الدولة العثمانية لا سيما بعد أن أظهرت شعوبها يقظة سياسية ووعيا قوميا ضد التدخل الأجنبي والهجرة اليهودية كما أن خطورة الشعب العربي تأتي من عوامل عدة يملكها: وحدة التاريخ واللغة والثقافة والهدف والآمال وتزايد السكان ووفرة الموارد الخام وعوامل التقدم العلمي والفني والثقافي والموقع الجغرافي بين القارات الثلاث مما يمكنها من خنق العالم عبر مضيق هرمز وباب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق ومتى توفرت لها قيادة صالحة فسوف تنهض هذه الأمة لأنها تملك كل مقومات النجاح

ورأى المؤتمر ضرورة العمل على استمرار وضع المنطقة العربية متأخرا وعلى إيجاد التفكك والتجزئة والانقسام وإنشاء دويلات مصطنعة تابعة للدول الأوروبية وخاضعة لسيطرتها ولذا أكدوا فصل الجزء الأفريقي من المنطقة العربية عن جزئها الآسيوي وضرورة إقامة (الدولة العازلة) Buffer State عدوة لشعب المنطقة وصديقة للدول الأوروبية.

إتفاقية و4 مؤتمرات وأخطر قرار 

يشكل هذا المؤتمر النواة الأساسية والتي انبثق عنها كل من اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917 ومؤتمر فرساي عام 1919 ومؤتمر سان ريمو عام 1920 ومؤتمر سيفر عام 1920 ومؤتمر سان ريمو عام 1923 وتم تتويجه بقرار الأمم المتحدة الظالم رقم 181 بتاريخ 29 نوفمبر عام  1947 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية وإلغاء السيادة العربية على القدس وتبعه بتاريخ 15 مايو عام  1948 إعلان دولة إسرائيل

وتمحورت توصيات المؤتمر حول إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة متأخرة لأنها تحتوي على منظومة قيمية منافسة للمنظومة الغربية صارعتها في مناطق كثيرة وأخرجتها من مناطق كثيرة ويتوجب على الحضارة الغربية المسيحية منع أي تقدم محتمل لهذه المنظومة الحضارية أو إحدى دولها لأنها تشكل تهديدا للنظام القيمي الغربي وتشمل هذه المساحة الدول العربية والإسلامية.

4 إجراءات للتعامل مع العالم العربي والاسلامي :

وتقترح وثيقة كامبل 4 إجراءات رئيسية للتعامل مع هذه المساحة :

1- حرمانها من الدعم ومن اكتساب العلوم والمعارف التقنية

2- إيجاد مشاكل حدودية بين هذه الدول تحرمها من الاستقرار والنهضة

3- تكوين أو دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الاجتماعي لهذه الدول

4- محاربة أي توجه وحدوي فيها

الدولة العازلة وعرض وايزمان 

ولتحقيق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة في فلسطين تكون بمثابة حاجز بشري قوي وغريب ومعادي يفصل الجزء الأفريقي من هذه المنطقة عن القسم الآسيوي والذي يحول دون تحقيق وحدة هذه الشعوب ويكون ولاؤه للغرب ويعطل نهضة الأمة العربية  كما دعا إلى فصل عرب آسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط فصلاً مادياً وإنما اقتصادياً وسياسياً وثقافياً

وعندما علم الزعيم الصهيونى حاييم وايزمان بمقررات المؤتمر ذهب إلى الدول المجتمعة وعرض أن يكون اليهود هم الجسم الغريب وأن يكون ولائهم للغرب بشرط توفير كافة أوجه الدعم من الدول الغربية لهم مقابل تعطيل نهضة الأمة العربية وجعلها في حالة عدم استقرار

لذلك ليس غريبا هذا الدعم غير المشروط سياسيا وعسكريا واقتصاديا الذي تقدمه الدول الغربية وأمريكا للكيان الصهيوني لأنهم يعلمون أن هزيمتها هو انهيار لمشروعهم وخططهم في السيطرة على المنطقة وإبقائها في حالة فراغ خدمة لمصالحهم واستغلالا لمواردها.

طوفان الأقصى فرصة الأمة العربية والإسلامية للنهوض

وبما أننا نعيش هذه الأيام أجواء حرب طوفان الأقصى فعلى الأمة العربية والإسلامية أن تنهض من سباتها وتتخلص من الاستعمار المقنّع لتستعيد كرامتها وحريتها الحقيقية وتحرر أرضها المغتصبة من خلال ” طوفان أقصى جديد “ ليعود المحتل مهاجرا إلى موطنه الأصلي في الدول الأوروبية وفي بلاد الخزر

ولعل الثبات والصمود الذي أبداه أبطال المقاومة الفلسطينية رغم عددهم القليل وإمكانياتهم المتواضعة إلا أنهم بإيمانهم وإرادتهم القوية استطاعوا أن يزلزلوا الأرض من تحت أقدام المغتصبين وهو ما يؤكد على أن الأمة العربية والإسلامية بأعدادها المتفوقة وإمكانياتها اللامحدودة قادرة على استئصال هذا الداء الخبيث من جسد الوطن العربي إذا خلصت النوايا وتوحدت الأهداف.

مختارة من صفحة الكاتب الصحفي المتميز ياسر سنجهاوي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.