أراء وقراءاتالعالمالمجتمع

ما أروع الحديث عن الحبيب ..بقلم :الدكتورة وفاء الشيخي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

سأحدثكم عن حبيب ليس كباقي البشر ،حبيبي أحبابه كثر ، حبيبي يعشقه البدو والحضر ،حتى حبات الرمال وأمواج البحر ، لفراقه أن جذع الشجر ، هو أطهر من حملت الارض ، أصدق الناس ، جليل القدر ، مشروح الصدر، مرفوع الذكر ، الصادق الأمين خير البشر ، إن كنت قد عرفته صلي عليه صلوات لاعد لها ولاحصر . اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد افضل صلاة واتم تسليم كما يحب ويرضى .

صلوا على حبيبنا وشفيعنا وقرة اعيننا ،سليل الاشراف طيب الاصل، الرحمة المهداة، والنعمة المسداة محمد بن عبدالله،جمع المحامد وحاز المكارم ، هو المحمود عند الله لأنه رسوله المعصوم، ونبيّه الخاتم، وصفوته من خلقه، وخليله من أهل أرضه . هو خاتم الرسل وخيرة الأنبياء، وخطيبهم إذا وفدوا، وإمامهم إذا وردوا،صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، إمامنا المعصوم ونبينا المرسل رحمة للعالمين، بشير ونذير لكل ملك ومملوك، وغني وفقير، وأبيض وأسود، وعربي واعجمي وعبد وحر. قال تعالى : { وَمَاأَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} الانبياء.

هو كالغيث المنهمر يحمل الخير اينما حل واستقر .. ما أعطر ذكره، واوسع علمه،وأجمل هديه، واطهر سيرته وسريرته ،نور على نور ، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:” مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث” أخرجه البخاري ومسلم. يوم ولد صلى الله عليه وسلم سطع نور بين السماء والأرض معلنا عن ولادة انسانية وحضارة ،وأمة جديدة . ويروى عن السيدة آمنة بنت وهب انه حين حملت به قالت إنها رأت نور آضاء ماحولها وقالت : والله ما رأيت حمل أخف او أيسر منه ، وعندما وضعته قالت : (إنها رات النجوم تدنو منها حتى اني اقول لتقعن علي) ، ونزل النبي صلى الله عليه وسلم واضع يديه الشريفتين بالارض رافعا رأسه الى السماء ، وكان النور يشع من كل مكان . ولد رسولنا الحبيب عام الفيل يوم الاثنين 12ربيع الاول في مكة المكرمة ،واستبشر جده بقدومه ودخل به الكعبه واخذ يدعو الله ويشكره على ما اعطاه ،واختار له اسم “محمد” ، ولم يكن هذا الاسم مألوفا عند العرب.

وقد شهد يوم مولد خير الخلق عليه الصلاة والسلام الكثير من المعجزات فقد ولد النبي الكريم معذورا مسرورا ، اي مختونا مقطوع السرة ، وارتج ايوان كسرى، وسقطت منه اربع عشرة شرفة ، وتهاوت الأصنام في الكعبة على وجوهها ، وغاصت بحيرة ساوة التي كانت تقدس ، وخمدت نار فارس ولم تخمد من الف سنه ،وحجب عن ابليس لعنه الله خبر السماء وكان قبلها يسترق السمع . لم يكن مولده حدثا عاديا فهو كما وصفه ربنا جل في علاه بانه جاء رحمة للعالمين .

وقد أمرنا ان نعبر عن فرحتنا بهذه الرحمة فقال تعالى : ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)﴾ يونس. وتتعدد مظاهر فرحتنا بمولد خير الخلق والاحتفاء به، بمدحه والثناء عليه بما هو منه اهله ، والاقتداء والتأسي بهديه في كل مناحي الحياة ،في حربه وسلمه، في يقضته ونومه ،في حركته وسكونه، في حبه وبغضه، في هجرته وجهاده ، في كل امرنا ، فاننا نتأسى به في العبادة، كما قال صلى الله عليه وسلم ( صلوا كما رايتموني اصلي ) رواه البخاري في الصحيح،وقال عليه السلام في هديه في الحج : ( خذوا عني مناسككم ) رواه البيهقي . والاقتداء به في معاملة الناس والجيران وتربية الاولاد ،والتعامل مع الازواج والاهل ،قال صلى الله عليه وسلم : (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)،نقتدي به صلى الله عليه وسلم في تواضعه ولينه ورحمته وشورته مع اصحابه قال عز من قائل : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ 159}آل عمران . نقتدي به كقائد أرسى قواعد العدل، ورد الظلم وحفظ الحقوق ،وولى الأكفاء الاخيار ليكونوا عونا للناس لا عونا عليهم . نقتدي به في شجاعته ومكارم الاخلاق الذي بعث بها، قال صلوات ربي وسلامه عليه ( انما بعث لاتمم مكارم الأخلاق)، فقد بلع ذروة الكمال البشري الذي لم يبلغه بشر في كرم اخلاقه وتأدبه .

وكيف لا نقتدي به، ونحتفل ونحتفي بمولده ونثني عليه ونمدحه، وقد مدحه رب العالمين فأثنى عليه ثناء لم يستحقه احد من الخلق لامن قبله ولا من بعده .. – زكى رب العالمين عقله فقال : “ما ضل صاحبكم وما غوى(2) “النجم- زكاه في “بصره” فقال: “ما زاغ البصر و ما طغى(17)” النجم- زكاه في “فؤاده” فقال : “ما كذب الفؤاد ما رأى(12)”- زكى “صدره” فقال : “ألم نشرح لك صدرك”- زكاه في “ذكره” : “ورفعنا لك ذكرك”- زكاه في “طهره” فقال : “و وضعنا عنك وزرك”- زكاه في “علمه” :قال “علمه شديد القوى”- زكاه في “صدقه” فقال : “و ما ينطق عن الهوى”- زكاه في “حلمه” فقال : “بالمؤمنين رؤوف رحيم” وزكاه “كله” فقال : “إنك لعلى خلق عظيم” وقارن الله طاعته بطاعة رسوله الحبيب فقال عز وجل (من يطع الرسول فقد اطاع الله ) 80النساء. اصطفاه ربه بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ..قال تعالى : ﴿ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ﴾ [الفتح: 28 .

ومدحه اصحابه فقال حسان بن ثابث رضي الله عنه :

أغَرُّ، عَلَيْهِ لِلنُّبُوَّة ِ خَاتَمٌ                         مِنَ اللَّهِ مَشْهُودٌ يَلُوحُ ويُشْهَدُ

وضمَّ الإلهُ اسمَ النبيّ إلى اسمهِ           إذا قَالَ في الخَمْسِ المُؤذِّنُ أشْهَدُ

وشقّ لهُ منِ اسمهِ ليجلهُ                   فذو العرشِ محمودٌ، وهذا محمدُ

نَبيٌّ أتَانَا بَعْدَ يَأسٍ وَفَتْرَة                       منَ الرسلِ، والأوثانِ في الأرضِ تعبدُ

فَأمْسَى سِرَاجاً مُسْتَنيراً وَهَادِياً           يَلُوحُ كما لاحَ الصّقِيلُ المُهَنَّدُ

ومن علامات محبته كثرة الصلاة والسلام عليه قال تعالى .. ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56] وقال صلى الله عليه وسلم : من صلى علي صلاة واحدة صل الله عليه بها عشر صلوات .. فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد واله وأصحابه كما يحب ويرضى..

ولا يجب ان يكون الاحتفال والاحتفاء به موسميا يبدا ليلة الثاني عشر وينتهي بنهايتها، ولكن من تمام الاحتفاء به ان ننتصر للقيم التي جاء بها ،وندعو الى العودة الى منهجه وسنته ، واتباع شريعته وهديه ،وعدم الغلو في الدين واستعادة الهوية الاسلامية للامة ، وان نبين للعالم سماحة ورحمة ونقاء وصفاء ديننا الحنيف، وننفي كل ما ينسب اليه من عنف ووحشية وإرهاب وتطرف وغي وظلم . فقد كان مولده مولد للإنسانية أخرجها من ظلمات الشرك الى نور الايمان،ومن الجهل الى العلم، ومن التعصب الى التعاضد ، ومن الظلال الى الهدى، ومن الغي الى الرشد. فأحيينا اللهم على سنته ،وامتنا على ملته واحشرنا في زمرته، مع الذين انعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا. سأحتفل بمولده الشريف بسرد شمائله وخصائصه، واجدد العهد بتلاوة سيرته العطرة التي تثري العقل ،وتضئ البصيرة وتبهج الروح والقلب وتروي الظمأ وتنير الدرب ، فليس هناك اجمل ولا ابهى ولا أروع من الحديث عن الحبيب.

د. وفاء الشيخي
د. وفاء الشيخي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.