أراء وقراءات

أزمة الإعلام المصري 

بقلم / ممدوح الشنهوري*

ما قبل عصر الإنترنت كان الإعلام عبارة عن جرنال يتصفحه المواطن في أي وقت من اليوم، .وكان الوقت المفضل لغالبية المواطنين هو شراؤه صباحا في أثناء ذهابهم الي عملهم، وتصفحة من بعد صلاة العصر . أي بعد عودتهم من أعمالهم، وعمل بما يسمي ” قيلولة العصاري” أي نومهم ساعة أو ساعتين من كثرة إجهادهم في العمل طوال اليوم، ليأتوا بالجرنال من بعد ذلك الوقت ويتصفحوا جميع أوراقة من الورقة الأولى وحتي الورقة الأخيرة بنغم وحب وتفاعل ثقافي شديد .

حيث كانت الجرائد وقتها تتضمن غذاء للروح يفوق الوصف، دونا عن باقي، أي من الإهتمامات الأخري ، والتي من الممكن أن كانت أن تفيد الإنسان في قضاء باقي يومه بعد عودتة من العمل.

وكان يستمتع الكثير من الناس في قراءة الجرائد خاصة مع  ” كوب شاي العصاري ” بشغف وحب يفوق خيال الوصف من جمال.وكان لكل منهم جرناله المفضل في شراؤه وتصفحه، فمنهم من كان يحب الجرائد القومية مثل الأهرام والأخبار والجمهورية، ومنهم ما كان يفضل الجرائد المعارضة وكان ما أكثر وقتها  لإعتدالها في حرية الرأي والفكر وكذلك النشر.

ولا أحد ينكر أن تصفح الجرائد بذلك النهم والحب والشغف الشديد وقتها ،قد ساهم في خلق نوع من الوعي الثقافي والفكري لدي الكثير من المصريين، حتي وإن كان  الكثير منهم يحمل مستوى تعليمي بسيط. ولكن كان يكفية وقتها أنه يستطيع القراءة والكتابة، ليكون الجرنال بالنسبة له، وكأنه عبارة كتاب جديد ومتنوع الفكر والثقافة يقرأه يوميا، ليزيد من ثقافتة ووعيه الإجتماعي والروحي يوم بعد يوم.

ومن لم يستطيع القراءة كان يتابع الإذاعة ما تبثه من برامج مفيدة تثري الثقافة وتنمي الوعي ونشرات اخبار ومواجيز لها على رأس كله ساعة . وفريق اخر كان يتابع التليفزيون بقنواته الثلاث ببرامجه المفيدة ونشرات اخباره المصورة. ويتوقف البث قبل منتصف الليل لاعطاء الفرصة للنوم المبكر ثم الاستيقاظ نشيطا للعمل او للدراسة .

ولكن منذ أن حل علينا عصر الإنترنت،حلت كآبة إجتماعية علي المجتمع لسوء إستخدامة وعدم الإستفادة بمعناه الحقيقي . رغم ما به من تقدم وفؤائد علمية وعملية للإنسان والمجتمع كافه ، ولكن سوء إستخدامه كانت سبب رئيسي وكبير في تنافر المجتمع. بغلق كل إنسان علي نفسه لدرجة الإدمان  السلبي للتكنولوجيا، بخلاف تعدد وتزايد حالات الأمراض النفسية لدي العديد من فئات المجتمع من جراء هذا الإستخدام السلبي ، وربما يرجع ذلك ايضا للإستخدام المفرط والتافه لدي العديد من الناس، عكس ما يتم إستخدامه في الدول المتقدمة والمصدره له، من إستخدامه للتقدم والإرتقاء بدولهم.

ومما زاد ” الطين بله ” كما يقول المثل البلدي المصري، هو توقف العديد من الجرائد عن الطبع والتوزيع ،توقف نهائي أو جزئي والإكتفاء بالطبعات الإلكترونية ، لتراجع توزيع هذه الجرائد رغم طبعها، سواء إن كانت بكامل صفحاتها او بالتقليل منها لتزايد تكالفيها المادية.

ولكن رغم تداعي أوضاع إعلام الصحف والجرائد حاليا، والتي أثرت بالسلب عليها انتشار   التكنولوجيا الرقمية وتلك الأسباب الإقتصادية الأخري . تظل المشكلة والمعضلة الكبيرة والحقيقية التي تواجه الإعلام المصري الان هو عدم تقبل الناس لها بالمعني الحقيقي كالسابق لضعف المحتوي وخلوها تقريبا من جرعة الوعي .

وربما يرجع ذلك الي لجوء غالبية الصحف والمواقع الإخبارية والبرامج التلفزيونية إلى المواضيع والأخبار الغير مفيدة للمواطن، ومضمونها تافه من أجل تسابق الترندات علي مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت، والاهتمام بالمكسب المادي على حساب الوعي والثقافة.

بخلاف حالة الملل والإكتئاب التي تسببه العديد من هذه البرامج التلفزيونية لحديثها عن مواضيع إجتماعية ركيكة المعني والفهم، واستضافة شخصيات تافهة ذات تفكير سطحي ولا تحمل أي معني أو قيمة حقيقية تقدمه المجتمع . وفي الوقت نفسه لا يستضيفون العلماء والمفكرين وكبار الكتاب والشباب النابه . ولا يعرضون للتجارب الناجحة في الزراعة والصناعة والتجارة ، وعياب البرامج التى تنمي الوعي وتحصن المواطن ضد الهجمات الثقافية المعادية.

والتساؤل المهم هو :

وهل سيستمر الإعلام المصري بهذا النهج المتدني في المستقبل أم سيغير ويطور من نفسه .؟

وما هو مصير الأجيال القادمة في بناء المستقبل بالنسبة لهم ولأبناءهم إن إستمر علي هذا الحال من حالة التدني التي يمر بها الأن .؟

*عضو المنظمة المصرية والدولية لحقوق الإنسان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.