الصراط المستقيم

أوَ مُخْرِجِيَ هُمْ ؟ هِجْرَةُ الرسولِ وتنبؤات ورقة بن نوفل

دروس من الهجرة لتحقيق هل نحن مسلمون؟

بقلم : الدكتور محمد النجار أوَ مُخْرِجِيَ هُمْ ؟ هِجْرَةُ الرسولِ وتنبؤات ورقة بن نوفل 2

كان محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء منعزلا في الجبل بعيدا عن قريش التي تعبد الاصنام التي لم يكن يستسيغها بعقله أو بروحه ، كان في الغار  يتعبد الله ، يسبحه ويستغفره ويفكر في كيفية إخراج قريش من عبادة الاوثان الى عبادة  الله الواحد الديان. وبينما هو مستغرق في ملكوت الله ، فوجئ بجبريل عليه السلام يتنزل عليه بالوحي و يقول له : إقرأ فيرد عليه ، ما أنا بقارئ، ثم يرسله ويسأله نفس السؤال للمرة الثانية ثم في الثالثة : يقول له: اقرأ باسم ربك الذي خلق … فيخرج هاربا  خائفا مرتعبا من جبريل  الى الجبل، فيجده امامه يملأ ما بين السماء والارض .فيرجع النبي ويقص ما رآه على خديجة فتُطمئنه بأن الله لن يخزيه ثم تذهب به الى ورقة ابن نوفل الذي يطمئنها قائلا : هذا الناموس الذي كان يتنزل على موسى ياليتني كنت فيها جذعا ، ليتني أكون حيا  إذ يخرجك قومك ، فقال محمد متعجبا  ” أو مخرجي هم؟ قال ورقة : نعم (أي هم مخرجوك) ، لم يأت احد بمثل ما جئت به إلا عودي ، وإن يدركني يومك هذا أنصرك نصرا مؤزرا ”

هكذا  كانت كلمة ورقة ابن نوفل الخبير بأخبار الانبياء والرسل وما وجدوه من عنت وبأساء وضراء وشدائد كانت مدوية في عقل ووجدان الرسول صلى الله عليه وسلم منذ بداية الوحي.

وتتابع الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم وبدأ دعوة قريش الى دين الله  لكن قريش  لم تصدقه بل آذوه  هو واصحابه  فكان ينزل العذاب بأصحابه عقابا لهم لإيمانهم بالله وتوحيده. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع أنين الضعفاء ، فكان له ألما موجعا، واشتكوا له وهو لا يملك ان يدفع عنهم، فأوصاهم بالصبر وبشرهم بالجنة.  كيف يكون نبي الرحمة إذا لم يذق من كأس الالام التي يتجرعها أتباعه ، وما كان ليدعو الى المساواة في السراء والضراء إذا لم يشاركهم تلك الالام والشدائد. تجرأ عليه السفهاء،فقد سلط أبو لهب ابنه اللعين ابن اللعين الذي تفل على وجه النبي صلى الله عليه وسلم في بطحاء مكة امام كبير قريش ابي طالب. ويروي البخاري انه بينما النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في حجر الكعبة الشريفة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فوضع ثوبه على عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل ابو بكر رضي الله عنه حتى أخذ بمنكبيه ودفعه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وتلا قوله (أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، وقد جاءكم بالبينات من ربكم، وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم، إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب )غافر 29

بل إن الفُجْرَ يصل بشيخ السفهاء ابي جهل أن يأخذ عهدا امام قريش بأن يأخذ حجرا فيرضخ به رأس محمد عند صلاته في الكعبة غير عابئ بما يترتب على حماقته من الأخذ بالثأر منه على يد أبي طالب وسيف الله حمزة ! ويحاول تنفيذ ما وعد به فأحتمل الحجر واقبل به نحو النبي  وهو يصلي حتى إذا دنا منه رجع منبهتا ممتقعا لونه مرعوبا  قد يبست يداه على الحجر حتى قُذف الحجر من يده، وقام اليه رجال من قريش كانوا يترقبون مشهد تنفيذه ما وعد من قتل محمد، فقالوا : ما بك يا أبا الحكم ، قال: قمت لأفعل ما قلته لكم البارحة، فلما دنوت منه عرض لي دونه فحل من الإبل ، والله ما رأيت مثل هامته ، ولا قصرته ، ولا أنيابه لفحل قط ، فَهَمَ أن يأكلني.

ولما زاد الاذى لرسول  الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه  حتى ضاقت عليهم مكة ، فكان لابد من الهجرة من ذلك المكان الذي أُغلقت فيه القلوب وعميت فيه الابصار ، والهجرة الى ارض تتوفر فيها الحرية تحت سلطان عادل لا يؤذي احدا ولا يضطهد انسانا حتى لو كان مخالفا له في دينه وعرقه  بل لا يقوم بتسليم احد إحتمى به لحكام وطواغيت لتعذيبهم بمعرفتهم بعيدا عنه.

فكانت الهجرة الى ارض الحبشة عند الملك العادل (النجاشي) الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ( لو خرجتم الى ارض الحبشة، فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد، وهي ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجا مما أنتم فيه). فكانت هذه أول هجرة في الإسلام  ، وهي الهجرة الأولى إلى أرض الحبشة

ثم كانت الهجرة الكبرى الى المدينة المنورة وهي المرحلة الحاسمة في اقامة النظام الاسلامي وقيام الدولة الاسلامية التي تحمي عقيدتها ونظامها وابنائها وتنشر دين الله في اصقاع الارض.

إن  تلك الجماعة الصغيرة  من المسلمين  بقيادة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم اضطروا  إلى ترك ديارهم في مكة المكرمة وهاجروا  إلى يثرب ( المدينة المنورة )، و تركوا  وراءهم  كل ما كانوا  يملكون  من ديار وأموال  ومتاع ولم يحملوا معهم  سوى  إيمانهم بالله وحده.

وإذا تأملنا دروس الهجرة ، ينبغي لنا أن  نتذكر أنها كانت أهم لحظة على مدى ثلاثة وعشرين سنة من بدء نزول الوحي  بالقرآن الكريم ،فكانت هي اللحظة التي أذن الله فيها بالهجرة النبوية فهي  تعنى لتاريخ الإسلام ما يعنيه شروق الشمس على الكون الفسيح كله ، فعلى الرغم من أن فجر الإسلام  كان قد أسفر في مكّة مع نزول الوحى الأول، إلا  أن الشمس لم تشرق بكل ضيائها إلا في المدينة المنورة .

فمع الهجرة تحول الإسلام من حركة روحية محضة إلى جماعة إسلامية ، بل تحول الى كيان دولة ناشئة  متكاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ودينيا تحمي نفسها وتدافع عن كيانها ودينها .

وباختصار شديد فقد  نشأت بتلك الهجرة  حضارة جديدة .. وأشرقت على الدنيا شمس جديدة ..شمس حضارة الإسلام.

أن بذرة هذه الحضارة الجديدة كانت هى العصبة القليلة من المسلمين ، التي هاجرت سنة 622 إلي المدينة المنورة.

لذلك تظل  واقعة الهجرة  هي المرحلة الحقيقية الأولى لعصر جديد  .. عصر الإسلام المكتمل المتكامل …

ولنتأمل كيف خرجت القلة القليلة المستضعفة من مكة تاركين كل شيء ، وكيف عادوا الى مكة وهم يملكون كل شيء. عندما خرجوا من مكة تحت ضغوط مشركي مكة لم تكن لديهم أية قوة سوى  قوة الايمان لكن كانوا ضعفاء ماديا ، وعندما عادوا الى مكة كانوا أقوياء إيمانيا وأقوياء ماديا .اكتملت لديهم كل عناصر القوة المادية والروحية.

عادوا فاتحين منتصرين .. لأنهم عندما خرجوا لم يكن خروجهم للبحث عن ديار لهم ، بل للبحث عن ديار جديدة للإسلام تحمي راية الاسلام وتفتح المجال للدعوة اليه وتزيل أي معوقات تقف حجر عثرة في سبيل الدعوة وتمنع وصول كلمة الله الى البشرية.

عادوا الى مكة  لتحويل قبلة الشرك والاوثان والخرافة الى القبلة العالمية لدين الله الحق في الارض.

إن اعظم رسالة للهجرة هي أن المسلمين لم يهاجروا من مكة فرارًا من الموت كما تهرب الفرائس مذعورة من الصيادين ..  ولكنهم هاجروا  ليستعدّوا للعودة  في ظل دين الله المنتصر والمرفوعة راياته.. هذه هي الهجرة الحقيقية!! و كلّما أمعنّا النظر في الهجرة النبوية وجدنا المجهود الفردي في تلك الهجرة العظيمة التي غيرت مجرى التاريخ.

ونتساءل .. هل انا مستعد للعمل للإسلام ونشر هذا الخير أم سأكتفي بالتفكير في أموري الشخصية فقط ؟

هل سأعمل للخير العام ومستقبل الاسلام أو سأعمل فقط لمنفعتي الخاصة؟

هل سأعمل لمستقبل اطفال العالم كله المتعطش لروح الاسلام السامية وثقافة الاسلام الراقية التي تحمي شباب الامة ورجالها ونساءها بل وتحمي البشرية اجمع من تلك الثقافات الملوثة المنحطة والمناخ المتعفن الذي يسير بالبشرية الى الدمار؟

وعلى كل واحد منا ان يتساءل ويجيب أمام نفسه ثم أمام الله : هل أنا مسلم حقاً .. !؟ “

أوَ مُخْرِجِيَ هُمْ ؟ هِجْرَةُ الرسولِ وتنبؤات ورقة بن نوفل 3
د.محمد أحمد النجار
الجمعة 22 -09-2017
غرة محرم1439هـ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.