إستثمار الآثار

بقلم / الفنان أمير وهيب
* في شأن ” الآثار ” و ” تهريب الآثار ” ، اولا ، و بشكل عام ، آثار اي دولة ، هي ملك وورث الشعب . لذلك لا يمكن بيعه ، باعتبار أن قيمته المالية تدخل في نطاق ” لا يقدر ب المال ” لذلك شعار الدول العظمى لا تكتفي بأن ” الآثار لا تباع ” و لكن أيضا هناك شعار اخر هو ” لا يمكن المساس بأي آثار ” .
و بكل آسف ، مصر ، ترفع شعار ” مصر لا تبيع آثارها ” فقط وهو شعار زائف فيه تناقض فاضح فادح ، خاصة أن الشعار الثاني و مضمونه المساس بالاثار هو لا يذكر من الاساس . و الدولة غير قادرة على منع اي هدم لأي فيلا او قصر او مبنى ينطبق عليه مواصفات ” آثري ” حتى بعد صراخ المواطنين المثقفين و المستنجدين باي جهة انقاذ ، خاصة اذا كان في حوزة شخص باعتباره ” المالك ” .وكم من المباني في القاهرة و الإسكندرية و محافظات أخرى تم هدمها لبناء عمارات للتربح من وجود ” أرض ” يمكن استثمارها و استغلالها بدل من مشاهدة آثر أو تحويله مزار و متحف .
وهنا تكمن القضية و المشكلة التي تتميز بها مصر دون سائر الدول ، الا و هي ” التنقيب عن الآثار ” . ومع التطور التكنولوجي وظهور أجهزة حديثة ل ” التنقيب ” استفحلت القضية. هذه ” قضية ” تمس ” الأمن المصري ” من ناحية ، و تمس ” شرف المصريين ” من ناحية أخرى ، ولها أبعاد معنوية و مادية . و اذا كان ” الشرف ” هو البعد المعنوي ، اذن و بكل تأكيد تكون ” الفلوس ” البعد المادي . و لأن ” الأثار ” هي في حقيقة الأمر ” ورث ” المصريين كلهم ، اذن اي اثار تباع ، هو بيع ورث المصريين ، و الورث لا يباع ، و من يبيع ورث المصريين هو في نظر القانون ” يدان ” لأن هذا البائع يبيع شئ لا يملكه انما هو يبيع ورث الآخرين الذي كوصي او مسؤل في الدولة لابد و ان يقوم بتسليمه لأصحابه حتى لو كان يتضمن ” حصته ” في الورث لأنه في هذه الحالة هو وريث سرق بقية الورثة.
* و هذه القضية قديمة جدا من قدم المثل الشعبي ” نئبه طلع علي شونة ” ، و ” نئبه ” هو المنطوق باللغة العامية لكلمة ” نقبه ” يعني تنقيبه و التنقيب معناه البحث عن طريق الحفر ، و المقصود شخص ما يستمر في الحفر بحثا عن شئ له قيمة مالية علي كنز او أثر وبعد حفر النفق يصل الي ” الشونة ” و لم يجد الكنز و هذه الشونة هي المكان المخصص لتخزين المؤن.
إنما لو تنقيبه اوصله ل أثار فهذا معناه انه وصل الي الكنز و وجد ما يمكن تحويله فلوس بسهولة.
* وموضوع ” التنقيب ” هذا أصبح يشكل تهديد و تشتيت ذهني واضح لحياة نسبة كبيرة من المصريين لدرجة ان عصابات الآثار بتشغل ناس وبتقتل في ناس لكي تجلب لهم ” الآثار ” .
* و هنا اتقدم باقتراح لـ ” الدولة ” اي كان الجهة المسؤلة ، و هذا الاقتراح يتعارض مع شعار ” مصر لا تبيع آثارها ” . لأنه شعار زائف غير واقعى ومن يردده لا يعي مضمونه و يتنافى مع ما يحدث فعليا. ويشبه في تناقضه الي حد التطابق مع شعار ” لا للمخدرات ” بالتزامن مع عرض مشاهد في معظم المسلسلات و الأفلام ل ” تعاطي المخدرات ” بحيث انه اصبح مشهد مألوف جدا و في صميم حياتنا اليومية لدرجة ان ” مخدر الحشيش ” أصبح لدى فئة عريضة من المصريين في بعض المناسبات ك الأفراح مثلا هو من واجبات ” الضيافة “. هو سلوك أقرب الي ” تقنين ” مستتر لقرار يبدو أن الدولة غير قادرة على إعلانه . لأن مثل هذه القرارات تحتاج شخصية قوية من الدولة مصدر القرار يقابلها ثقافة عالية من الشعب او من مواطنين الدولة و هم متلقي القرار و هو تقنين تعاطي المخدرات كما فعلت بعض الدول اشهرهم ” هولندا ” . و هو ما يحدث فعليا في حالة ” التنقيب ” ، الدولة تقوم بعملية القبض على ” المتبجح ” فقط المجاهر الذي يتحدى الدولة او من قام بالابلاغ عنه . انما لا يوجد خطة منع التنقيب و منع التهريب ، لا من تاجر المخدرات و لا من مهرب الآثار . وهنا فارق هام ، في حالة المخدرات هو أمر شخصي يخص التاجر و المتعاطي و في هذه الحالة هو ” حر في فلوسه ” و لكن في حالة الآثار هو ليس حر لانه أمر عام يخص المصريين ” و حق المصريين ” كلهم. و هنا مضمون الاقتراح ، لماذا لا تقوم وزارة الاثار وتقطع الطريق علي العصابات وتعمل اتفاق أو صفقة مع الناس التي ترغب في التنقيب بحيث ان من يجد شئ يقوم بتسليمها للوزارة مقابل ” مكافأة “.
* و استند في هذا الاقتراح مع ما هو متعارف عليه في حالة من وجد شنطة فلوس أو وجد ” ذهب ” أو وجد أي شئ له قيمة ، فيقوم بتسليمها الي ” الشرطة ” فتقوم الشرطة بالتعامل معه على انه ” المواطن الأمين ” و تقوم بإعطائه ” المكافأة ” . فإذا كان فعل ” وجد شئ ” بالمصادفة ، أو ” الشك ” في وجود شئ في شنطة سوداء أسفل مقعد أو أسفل الكوبري ، فهذا الفعل يشبه فعل التنقيب بشكل اخر ، لأنه في هذه الحالة هذا المنقب شك أيضا في وجود شئ ، و اضاف ” آثر ” ، هذا الأثر لم يكن له وجود .
وعملية التنقيب مكلفة و الدولة لا تملك الإمكانيات المالية و لا المجهود و لا فرق العمل ل التنقيب عن الآثار . أي أن التنقيب في حد ذاته لابد و ان يكون عمل إيجابي يجد التشجيع من الدولة ، لأن الخطوة التالية ، و هي الاصعب ، و هي محاولة الدولة في التصدي لعملية البيع و التي تتم في السر فيما يعرف بالتهريب ، مع الاخذ في الاعتبار ان الدولة غير قادرة على مواجهة هذه العصابات . لأن من داخل الحكومة نفسها موظفين هم متدرجين بالفعل في عملية التهريب سواء بالاشتراك المباشر أو التواطئ أو التسهيل او التغافل مما يؤكد على استحالة منع التهريب .
وبذلك تضيع على المصريين كلهم نصيبهم في هذه ” التركة ” ، بالإضافة ان الاثار المهربة تباع بسعر رخيص جدا مقارنة بسعره الحقيقى ، مع استحالة استعادة ما تم تهريبه ، أو استعادة قطعة من الف قطعة ، كما حدث مع مقتنيات المتحف المصري في ميدان التحرير وقت فوضى يناير ٢٠١١ و مع لوحة ” زهرة الخشاش ” ، بحيث ان يكون الإجراء الوحيد ، الذي لا يهم أحد و لا يعتبر رادع ، هو القبض على شخص بحجة أنه ” المتسبب “.
* بمعنى آخر ، لا توجد جهة في مصر مهما كان شأنها قادرة على منع ” التنقيب ” و ” منع التهريب ” و لكنها تستطيع منع جزئي من بعض حالات ” التهريب”.
أمير وهيب
كاتب وفنان تشكيلي