بقلم الفنان / أمير وهيب
اتذكر في اخر سنة دراسية مدرسية الشهيرة ب ” ثانوية عامة ” سنة ١٩٨٧ أن كان هناك امتحان اسمه ” التجربة “، و الهدف من هذا الامتحان ، يمكن التعرف عليه من اسمه ، هو إعداد و استعداد ، تجهيز و تهيئة الطالب نفسيا و ذهنيا لأجواء الامتحانات النهائية و يشبه إلي حد كبير في عالم المباريات الرياضية ما يعرف بالمباريات الودية أي غير الرسمية و معروفة في جميع أنحاء العالم بمعسكر إعداد.
و تستخدم ايضا كلمة إعداد في البرامج التليفزيونية و من يقوم بهذه المهمة يعرف بأنه ” المعد ” و هناك إعلاميين كثر اشتهروا على أن لديهم برامج من إعدادهم و تقديمهم.
و كان لنا زميل ، شأن معظم الطلبة ، ثانوية عامة بالنسبة له مصدر قلق وتوتر حتى أنه تعاقد مع اثنين من الأساتذة في مادة الرياضيات كدروس خصوصية بجانب استاذ هذه المادة في المدرسة. أي أنه كان يتلقى شرح في هذه المادة من ٣ مدرسين.
و بعد انتهاء امتحان ” التجربة ” و عند توزيع أوراق الإجابات و معرفة درجات التقييم حان الدور على هذا الزميل لاستلام ورقة اجابته و قال له مدرس المادة ” تفتكر جبت كام ” و كان الامتحان من ٦٠ درجة فرد زميلنا و قال له ٤٥ فرد الاستاذ و قال له لأ انت جبت صفر من ٦٠.
* نعم ، زميلنا حصل على درجة الصفر في امتحان التجربة في ثانوية عامة و كان يطمح في دخول كلية الهندسة.
* وكنت أعتقد أن ما حدث مع زميلنا هو حالة استثنائية في مثل هذه التجارب. و لكن لاحظت و تأكدت ، منذ ذلك الحين ، أي على مدار ٤٠ سنة تقريبا ، أنها حالة متكررة و متعددة في جميع المجالات في مصر بحيث انها اصبحت تشكل ” نوع ” من المصريين لا يهتمون بالتحضير و التجهيز و ليست حالات فردية استثنائية.
* مصر لديها مشكلة فيما يعرف ب ” الإعداد ” و الحكومة عاجزة عن وضع حلول ولا حتى وضع برنامج تأهيل وتجريب و تجهيز و استعداد في جميع المجالات قبل البدء في أي عمل ، ف ” التجربة ” و ” الإعداد ” ليس لهم أي أهمية بالنسبة للحكومة و لنسبة من الأفراد.
* الإعداد في مصر يطبق بشكل خاطئ فادح فاضح مصحوب بخسائر مالية لأن الميزانية المخصصة لا تناسب النتائج و ما حدث مع زميلنا حدث مع الحكومة في ” إعداد ” ملف مصر لاستضافة كأس العالم ٢٠١٠ و كانت النتيجة ” صفر ” ايضا.
* الإعداد نقيضه الارتجال و الارتجال له معاني عديدة على حسب نوع العمل فهناك من يرتجل خطاب و إلقاء كلمة. و لابد أن يكون لديه قدرات ومهارات غير ذلك يكون الارتجال هو الفوضى وما يترتب عليه من نتائج معظمها يدور حول درجة الصفر.
* ومنذ أن وعيت على متابعة دورة الألعاب الأوليمبية ونتائج مصر متشابهة إلي حد التطابق و هي العودة دون ميدالية أحيانا كثيرة . ولا اجد اي سبب و مبرر للاحتفال بهذا الشكل المفتعل و هذه المبالغة بالفوز ب ٣ ميداليات لانه لا يناسب حجم مصر و تعداد شعبها . و من غير المنطقي أن تدعي الإعداد و هو في حقيقة الأمر ارتجال و الاعتماد على مهارات هؤلاء و من ناحية أخرى لا يعقل أن تصرف ١٠٠ مليون لكي تكسب مليون.!!!!!
* و يكون السؤال لماذا كل هذه المصاريف في الإعداد الوهمي ، سواء كان تلميذ في ثانوية عامة أو مسؤول في الدولة أو رياضي أو غيره طالما النتائج معروفة ومتوقعة.
* كلمة إعداد بمفهومها قصير المدى باللغة الإنجليزية معناها preparation أي التجهيز و التحضير أما بعيد المدى معناها planning أي التخطيط و التنظيم.
* مصر تعتمد على أبنائها المجتهدين من ذاتهم وبشكل فردي وليست لديها أي خطة واستراتيجية ولا تعرف الإعداد والتجريب.
* و نكرر مع كل دورة أولمبية و مع كل إخفاق من المسؤول عن إهدار كل هذه الأموال ؟؟؟ و من هو الشخص المطلوب محاسبته ؟ أليست هذه أموال المصريين ؟
* و هل يعقل أن نستمر في توبيخ ولوم الحكومة المصرية طول عمرنا ؟
* في عالم البناء هناك بناء يعتمد على رسومات هندسية معمارية لذلك يكون البناء جميل و هناك بناء يتم دون رسومات هندسية لذلك يكون البناء عشوائي و هذا النوع من البناء منتشر في مصر في طول البلاد و عرضها.
* لا يمكن جني الجمال من العشوائية ، ولا يمكن جني ميداليات دون إعداد و لكن يمكن جني ٣ ميداليات عن طريق الارتجال و هذه حالة مصرية فريدة من نوعها اسمها ” إعداد الرجال للإرتجال ” بحيث يظهر موهوبين يمكنهم تحقيق أهداف و ميداليات بالاعتماد على مهاراتهم الفردية.
* لذلك تجد الفرحة فرحتين من السيدة لسيدنا حسين.
أمير وهيب
فنان تشكيلي وكاتب ومفكر