أراء وقراءات

إنتهزوا فرصة الإبتلاءات

 

الابتلاء فرصة ذهبية فالسنة الكونية أن فترة إعداد فرد مؤمن قوي تكون طويلة جدا وهى أثناء الابتلاء ويعقبها فترة تمكين وغالبًا قصيرة.قد نتعجب أن فترة الابتلاء طويلة وفترة التمكين قصيرة ولكن حينما ندرك هذه السنة، ونفهم المغزى يزول العجب.. إن المغزى الحقيقي لوجودنا في الحياة ليس التمكين في الأرض وقيادة العالم، وإن كان هذا أحد المطالب التي يجب على المسلم أن يسعى إليهاولكن المغزى الحقيقي لوجودنا هو عبادة الله ….قال تعالى: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ).الذاريات 56.

وحيث إننا نكون أقرب إلى العبادة الصحيحة لله في زمن المشاكل والصعوبات، وفي زمن الفتن والشدائد، أكثر بكثير من زمن النصر والتمكين، فإن الله -من رحمته بنا- يطيل علينا زمن الابتلاء والأزمات،حتى نظل قريبين منه فننجو، ولكن عندما نمكن في الأرض ننسى العبادة، ونظن في نفسنا القدرة على فعل الأشياء، ونفتن بالدنيا، ونحو ذلك من أمراض التمكين.. قال تعالى:(هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فلنبئكم بما كنتم تعملون ) يونس: ٢٢2.

ولا يخفى علينا أن المقصودبالعبادة هنا ليس الصلاة والصوم فقط إنما هو في الحقيقة منهج حياة.. إن العبادة المقصودة هنا هي صدق التوجه إلى الله، وإخلاص النية له  وحيث أن العبادة المقصودة هي أن تكون حيث أمرك الله أن تكون …..إنها حالة إيمانية راقية .

ماخاف الرسول علينا من الابتلاء بالفقر ولكن قال (ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على اللذين من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم ).

حتى المرض يجب ألا نخاف منه فإن المريض قريب من الله غالب وقته، والصحيح متبطر يبارز الله بالمعاصي بصحته . والذي وقع في أزمة، والذي غيب في سجن، والذي طرد من بيته، والذي ظلم من جبار، والذي عاش في زمان الإستضعاف، كل هؤلاء قريبون من الله.. فإذا وصلوا إلى مرادهم، ورفع الظلم من على كواهلهم قد ينسوا الله، إلا من رحم الله، وقليل ما هم .

هل معنى هذا أن نسعى إلى الضعف والفقر والمرض والموت؟

أبدا، إن هذا ليس هو المراد.. إنما أمرنا بإعداد القوة، وطلب الغنى، والتداوي من المرض،

.ولكن المراد هو أن نفهم مغزى الحياة.. إنه العبادة ثم العبادة ثم العبادة .

ومن هنا فإنه لا معنى لليأس في زمان الإستضعاف، ولا معنى لفقد الأمل عند غياب

التمكين، ولا معنى للحزن أو الكأبة عند الفقر أو المرض أو الألم.. إننا في هذه الظروف

طلب منا أن نسعى إلى رفعها- نكون أقدر على العبادة، . إننا لا نسعى إليها، ولكننا “نرضى” بها.. إننا لا نطلبها، لكننا “نصبر” عليها .إن الوقت الذي يمضي علينا حتى نحقق التمكين ليس وقتًا ضائعًا، بل على العكس، إنه الوقت الذي نفهم فيه مغزى الحياة، والزمن الذي “نعبد” الله فيه حقًا.

لماذا عاش رسولنا إحدى وعشرين سنة يعد للفتح والتمكين، ثم لم يعش في تمكينه إلا حوالي عامينوأين التمكين في حياة موسى أو عيسى عليهما السلام!! وأين هو في حياة إيراهيم أبي الأنبياء ؟

ولا بد أن سائلا سيسأل: أليس في التاريخ ملك صالح عاش طويلا ولم يفتن؟! أقول لك: نعم، هناك من عاش هذه التجربة، ولكنهم قليلون أكاد أحصيهم لندرتهم! فلا نجد في معشر الأنبياء إلا داود وسليمان عليهما السلام، وأما يوسف – عليه السلام فقصته دامية مؤلمة من أولها إلى قبيل آخرها، ولا نعلم عن تمكينه إلا قليل القليل .إن الله إذا أراد أن يهلك أمة من الأمم زاد في تمكينها!! وقال تعالى:( فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخدناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) .

 بعد أن نفهم هذا المغزى ندرك التفسير الحقيقي لكثير من المواقف المذهلة في التاريخ.. لماذا أنفق ابو بكر الصديق ماله كله في سبيل الله، و لماذا حمل عثمان بن عفان وحده مسئولية تجهيز جيش العسرة دون أن يطلب من الآخرين حمل مسئولياتهم .فقط لأنهم فهموا مغزى الحياة .  

        

  بقلم / أ.د.نادية حجازي نعمان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى