أقفرت القلوب فقحطت الألسنة.. بقلم : الدكتورة وفاء الشيخي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
 القلوب اوعية مغارفها الالسنة، وان أراد الله ان يمن على عبد رزقه القلب الحافظ واللسان اللافظ، وإذا استقام القلب على خشية الله، ستستقيم سائر الجوارح على خشيته وطاعته ذلك لان القلب بمنزلة الملك في الجوارح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ان في الجسد لمضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله الا وهي القلب}.
وأعظم ما تجب العناية بصلاحه واستقامته بعد القلب هو اللسان لأنه المعبر عن القلب والكاشف لمكنونه ,جاء في الحديث انه لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه. ان أخطر ما وجد في المجتمعات منذ ان خلق الله تعالى سيدنا ادم الى قيام الساعة هي الكلمة، فالحياة كلمة والموت كلمة، وقد يدخل الانسان الجنة بكلمة ويهوي في جهنم بكلمة، قال صلى الله عليه وسلم  ان العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله عليه لا يلقي لها بالا يرفعه بها درجات في الجنة، وان العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا).
 الكلمة يرفع الله بها اقوام ويحط بها اخرين، قد يكون لها انياب تقتل، واظافر تجرح، واسنان تهتك وتهلك، وما اشد خطرها على الفرد والاسرة والمجتمع وواقع الأمة. للكلمة أثر عظيم في النفوس والعقول فان كانت طيبة كان أثرها ممتد وعطاؤها جزيل وبركاتها رحمات لا تعد، وان كانت خبيثة فلا قرارا لها ولا استقرار بل خراب ودمار، وقد توعد الله بالويل لكل همزة لمزة فما بالك بالكلمة المقروءة والمكتوبة او المرئية والمسموعة التي تشيع الفتنة والفاحشة والشحناء والبغضاء بين الناس، لاسيما بعد ثورة التكنولوجيا وتوسع عالم التواصل الاجتماعي، وسرعة نقل الحدث.
هذه المواقع التي غالبا ما تكون موطنا للكذب والفساد والبهتان وتلفيق الاتهامات وتزوير الحقائق ودبلجة الصور بتقنيات مبهرة ومهارة عالية يستخدمونها في حروب نفسية واقتصادية وسياسية واحقاد شخصية وقبلية وطائفية , وكثيرا ما ينقل الناس هذه الاخبار عن طريقة مشاركة منشور او إعادة تغريده او حتى بالنقل اللفظي دون تثبيتا ولاستبيانا مما يزيد في تفشي الاشاعات ونشرها {ويحسبونه هين وهو عند الله عظيم} , كما انها أصبحت ميادنا لاختراق خصوصيات البشر في بيوتهم وحياتهم واعراضهم تكشف سترهم وتفشي سرهم وتتجسس عليهم ، وكم من بيوت هدمت ومجتمعات دمرت بسبب فاسق لم يتبينوا خبره او حاسد لم يستيقنوا شره , وكم من حاقد دفعه خبثه وغيرته ليسوق لفضائح ويزور اتهامات باطلة بغية تدمير معنوي لجماعات او افراد اختلف معهم في الرؤى او ا لفكر او التوجه او السياسة.
نحن امام امانة لها اثرها في التشريع والتنفيذ والقضاء والحكم والاعلام وهي امانة الكلمة، يامن تجلس خلف جهازك وتشارك وتكتب مالم تحط به علما , يامن تتصدرون الاعلام العام وتعتلون المنابر اين كان نوعها , ان أرواح الناس واموالهم واعراضهم ليس بالأمر الهين ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل , وتذكروا ان هذا اللسان الذي ينطلق في التجمعات والمحاضرات واللقاءات والخطب, والقلم الذي يتدفق منشورات ومقالات وصحف وكتب يختم الله عليه يوم القيامة وتشهد عليه الجوارح {وما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد} رحم الله امرؤ قال خيرا فغنم او سكت فسلم.
الصدق عز ولوكان فيه ما تكره والكذب ذل ولو كان فيه ما تحب ,ومؤنة العاقل على نفسه ومؤنة الاحمق على الناس وارقى الناس اقلهم حديثا وانقى الناس احسنهم ظنا بهم ,فمن عرف شانه, وحفظ لسانه, واعرض عما لا يعنيه, وكف عن عرض أخيه ,دامت سلامته وفاز بدنيته واخرته .لا تستصغروا الذنوب مهما صغرت ,فالأسباب الصغيرة لها غالبا نتائج كبيرة ,فقدان المسمار أضاع الحدوة وفقدان الحدوة اسقط الحصان وسقوط الحصان أضاع الفارس , والقلوب واحات ان لم نرويها بالخير والسلامة اقفرت وجفت, والالسنة ان لم نلجمها بقول الحق والصدق تشققت وقحطت.
 الدكتورة وفاء الشيخي
الدكتورة وفاء الشيخي

Exit mobile version