لقد كانت الأمانة من أبرز أخلاق الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وكانت الشرط الأساسي في اصطفائهم واختيارهم لحمل الرسالات وتبليغها إلى الناس. قال تعالي حكايًة عن رسله: نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وغيرهم في سورة الشعراء: ” إني لكم رسول أمين “. وقال الملك ليوسف عليه السلام حين كلمه ! إنك اليوم لدينا مكين أمين قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم ” (يوسف/54 ’55 )وقال هود لقومه عاد: “ قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين “ (الأعراف/ ٦٧، ٦٨). وجاء على لسان عفريت من الجن لما سأل سليمان عليه السلام، أيكم يأتيني بعرش بلقيس قبل أن يأتيني قومها مسلمين: (… أنا آتيك به قبل أن تقوم من مقامك وإني عليه لقوي أمين) (النمل/ ٣٩). وذكر القرآن ما قالته إحدى ابنتي شعيب حين طلبت من أبيها أن يستأجر موسى عليه السلام في العمل في رعي أغنامه: (قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين) (القصص/ 26) ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم منذ صباه وقبل البعثة مثلا للأمانة والصدق والوفاء، وكان قومه يلقبونه بالصادق الأمين؛ حتى إنه كان مستودع الأمانات. وقد كان الحكم في وضع الحجر الأسود في مكانه، في الحادث المشهور. وبفضل أمانته جنب القبائل العربية فتنة هوجاء، قالوا فيه ” هذا الأمين ارتضيناه حكمًا. من هنا، ومن خلال هذه الآثار تتضح لنا عظم الأمانة وأهميتها في حياة الناس، وتبرز ضرورتها في بناء العلاقات بين أفراد المجتمع على أسس ثابتة، وقواعد راسخة. فقد ربط الله كل الفضائل والمكارم والأخلاق الفاضلة بالأمانة، ربط بينها وبين النصح، والصدق والقوة والمكانة الرفيعة وغيرها؛ مما يبين حقيقة الإسلام، وأنه أمانة لا غير. يبقى السؤال الذي يعرض نفسه علينا هو: ما هي الدلالات التي نأخذها ونفهمها من مفهوم الأمانة؟ وما هي المعاني التي تتضمنها؟ أو بمعنى آخر هل فقهنا المجالات أو الميادين التي يجب أن تتجلى فيها الأمانة؟ هنا مربط الفرس، وهنا بيت القصيد، وهنا يجب أن نقف، ونبحث ونتأمل ونسأل، وندقق ونقرر وننطلق في العمل. إن دلالات الأمانة تفهم من منطوق ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم: ” كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته….” إن الحديث يوحي باتساع دائرة المسؤولية، وهي جزء من الأمانة، ومناطها أو تحققها يكون حين يشعر المرء في كل أمر أنه مسؤول عنه. بمعنى أن الأمانة بالمنظور الإسلامي هي القيام بالمسؤولية المناطة بالفرد أحسن قيام في جميع الوجوه، وعلى كل المستويات.