أراء وقراءات

الأمشجية

بقلم مستشار التحرير/ محمد الخمَّارى

ومن لطائف أواخر القرن التاسع عشر  أن هناك جماعةٌ عُرِفت باسم الأمْشَجِيةِ يسترزقون على عملٍ لا يحتاجُ إلى قواعدَ مهنيةٍ أو علومٍ حِرَفِيَّةٍ . كان الواحدِ منهم يمسك بيده نَبُّوتاً متيناً حتى إذا رأى أحداً من عِلْيَةِ القومِ أو أحدَ  كبارِ رجالِ الدولةِ اتَّجهَ إليه بسرعةِ الرياحِ العاصفةِ وشَمَّرَ ثيابَهُ وأخذَ يمشى أمامَهُ مُردِّداً أوَّلَ كلمةِ تطبيلٍ باللغةِ العامِّيَّةِ ( وَسَّعْ يا جدع ) .حتى صارت هذه الكلمةُ درباً لكل باطلٍ يريدُ أن يتسلَّقَ على أكتافِ الحقيقةِ ، لمن يرغبُ فى تنظيف وتلميع سيرته الذاتية .

ولم يقتصرْ الأمرُ على حدودِ الأفرادِ وتسليطِ الضوءِ عليهم . بل تَخَطَّتْ إلى حدود الدُّولِ التى تحتاجُ إلى تبييضِ وجهها ، وصناعةِ تاريخٍ من المجدِ والبطولاتِ والمعاركِ التى لم تحدثْ حتى فى منامهم ، رغم أنهم لم يدركوا من الحروبِ إلا حرب المعيز .علماً بأن تاريخ نشأة بعض هذه الدويلات لا يتجاوز عُمْرَ القطة السيامى ، فإذا بهم فجأة من غير مقدمات ، يتوهمون أنهم من أصحاب الصَّوَلاتِ والجَوالاتِ وحلّ المشاكل المعضلات ، وكل ذلك بفعل الوجه الديث لأصحابِ وَسَّعْ يا جدع ممثلة في شركاتِ الدعايةِ والعلاقات العامة التي تسخر القنواتِ الفضائيةِ ، ومراكز الأبحاث المشبوهة ، والصحف والمجلات الصفراء، وتستأجر الأقلامِ الفسفوريةِ وكلها تلعبُ دورَ المُزَيِّنِ( الكوافير ) ، فتُسْحِرُ النظرَ فتُظهرُ البُوصَةَ كالعروسةِ .

ولكن كل هذه الرتوش الكاذية لن تصمت أمام حقائق التاريخ ، وسرعان ما تعود إلى دور الريادة من جديد . 

محمد الخمَّارى
كاتب صحفي وخبير استراتيجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.