الأمير والمواطن والقاضي : قصة عدل وإرادة في ظل أعظم حضارة عرفها التاريخ

من اختيارات ا.د. إبراهيم غانم
من صفحات التاريخ الإسلامي المضيئة، تبرز قصة عمر بن الخطاب والعباس بن عبدالمطلب والقاضي شريح، لتجسد أسمى معاني العدالة، التواضع، وحرية التعبير. هذه الحادثة لم تكن مجرد خلاف على بيت، بل درس خالد في إدارة الدولة، احترام المواطن، واستقلالية القضاء.
قرار رسمي من أجل توسعة بيت الله الحرام
أصدر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب قراراً بهدم بيت العباس بن عبدالمطلب وتعويضه ببيت آخر أفضل، وذلك من أجل توسعة بيت الله الحرام. كان الهدف خدمة المسلمين وتيسير أداء الشعائر، وهو أمر واقع يقتضي التضحية.
موقف العباس: حرية التعبير وعزة المواطن
رفض العباس القرار قائلاً: “لا يا عمر لن تهدم بيتي”، ليعبر عن حق المواطن في الدفاع عن ممتلكاته. هذا الموقف يعكس حرية التعبير وعزة المواطن أمام رئيس الدولة، مؤكداً أن الكرامة لا تُمس حتى في مواجهة السلطة العليا.
عمر يلجأ إلى القضاء: عدالة وتواضع
لم يستخدم عمر سلطته لفرض القرار، بل قال: “فلنلجأ إلى القضاء”، وأعطى العباس حق اختيار القاضي بنفسه. فاختار العباس القاضي شريح المعروف بالنزاهة والسمعة الطيبة، فوافق عمر فوراً، ليؤكد مبدأ المساواة والتواضع أمام القانون.
استقلالية القضاء واحترامه
ذهب عمر والعباس إلى القاضي شريح، وحين خاطبه القاضي بـ “يا أمير المؤمنين”، رفض عمر هذا اللقب داخل دار القضاء قائلاً: “نادني بعمر”، ليؤكد استقلالية القضاء واحترامه. حكم القاضي بأن بيت العباس لا يُهدم إلا برضاه، فاعترف عمر بالحق قائلاً: “ونِعم القاضي أنت يا شريح”، ثم رقّاه وزيراً في دار القضاء.
عطاء العباس عن طيب نفس
بعد أن تأكد من عدالة الحكم، أعلن العباس تنازله عن بيته برضاه من أجل الله، ليجسد قيمة العطاء الطوعي، ويثبت أن التضحية الحقيقية تأتي من القلب لا بالإجبار.
الدروس المستفادة
هذه القصة تحمل معاني عظيمة:
- عمر بن الخطاب يمثل القيادة العادلة والمتواضعة.
- العباس يجسد المواطن الحر الذي يعتز بكرامته.
- شريح يرمز إلى القضاء المستقل النزيه.
ويبقى السؤال: هل تعاني الأمة الإسلامية اليوم من غياب أمثال عمر، أمثال العباس، أمثال شريح؟



