أراء وقراءات

الإسلام دين التفكير العلمي

بقلم حاتم السروي

لا نعدو الحقيقة أبدًا إذا ما قلنا أن كل منصفي العالم على يقين من أن دعوة الإسلام لم تأتِ لتجعل الناس في خصومة مع العلم، ولم تأتِ لنشر التفكير الغيبي والأساطير، بل نراها توضح لمعتنقيها وللناس كافة أن هذا الكون تجري فيه الظواهر وحياة الكائنات وفق سنن ونواميس لا تتغير ولا تتبدل، وعلى ذلك يمكن القول وبكل ارتياح أن الإسلام هو دين التفكير العلمي.

ولكن ما دليلنا على ذلك؟ دليلنا ما رواه البخاري رحمه الله في صحيحه بسنده عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه أنه قال: “خُسِفَت الشمسُ؛ فقام النبي صلى الله عليه وسلم فَزِعًا يخشى أن تكون الساعة؛ فأتى المسجد فصلى بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ رأيته قطُّ يفعله، وقال: هذه الآيات التي يرسلُ اللهُ لا تكون لموت أحدٍ ولا لحياتِه، ولكن يخوف الله بها عبادَه؛ فإذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره”.

وقوله خُسِفَت الشمس أي ذهب ضوءها، ويقال أيضًا خسوف القمر، والمشهور أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر، وبطبيعة الحال فإن الخسوف من علامات الساعة وهذا ما نعرفه من سورة القيامة إذ يقول فيها عز وجل ” فإذا برق البصر* وخَسَفَ القمر* وجُمِعَ الشمسُ والقمر ” ولذلك رأينا النبي صلوات الله وسلامه عليه يقوم فَزِعًا يخشى أن تكون الساعة لأنها تكون بمثل هذه الأمور.

وقول الراوي “فصلى بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجود رأيته قط يفعله ” يفيد مشروعية صلاة الكسوف وهي المعروفة بشرائطها وهيئتها وأركانها في علم الفقه، ولفظ “قط” هو للاستغراق فإذا قلت ” ما رأيت مثله قط ” يعني ما رأيت هذا الأمر ولا ما يماثله منذ ولدت وحتى يومي هذا؛ فهو يشمل الزمان الماضي كله.

والمعروف أن هذا الكسوف كان يوم وفاة إبراهيم عليه السلام وهو ابن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من زوجه ” مارية القبطية ” ويومها قال الناس: إنما كسفت الشمس لموت إبراهيم؛ فقد كانوا لا يعرفون حينئذٍ أن الكسوف يجري على نظامٍ أبدعته قدرة الله، وهو الأمر الذي توصل إليه العلم الحديث فيما بعد حتى صرنا نترقب الكسوف قبل وقوعه؛ فهو خاضع لقانون علمي نسميه في الإسلام ” سُنة كونية ” وسنن الله عز وجل في خلقه ليس لها تغيير ولا تبديل.

وكان المتداول وقتذاك أن الشمس تنكسف وأن القمر ينخسف لموت عظيمٍ من الناس، بالإضافة إلى الإيمان بالكواكب وأنها تؤثر في سير الأحداث وقد تلحق الضرر بالزرع أو تنشر الوباء بين الناس أو تميت بعضهم! والأدهى والأمر أن البعض غالى فوصل إلى تأليه الكواكب من دون الله.

فماذا كان موقف النبي صلى الله عليه وسلم؟ إنه لم يصمت حيال ما قاله أصحابه في هذا الشأن حتى وإن كان فيه تعظيم لقدره ولقدر ولده سيدنا إبراهيم، لأنه لو سكت فكأنه يقر هذه الخرافة التي هي من رواسب الجاهلية، والإسلام إنما جاء ليمحو كل معالم الوثنية، وحتى يعلي من شأن العلم؛ فأثبت نبينا صلوات الله عليه أن الكسوف للشمس والخسوف للقمر آيتان من آيات الله يرسلهما بحسابٍ مُقَدَّر، والقرآن كله يصدق هذا ويدعمه، ألم تقرأ قوله تعالى: ” الشمس والقمر بحُسبان ” سورة الرحمن آية:5  والمعنى أنهما يجريان كلٌ في فلك، وجريانهما مُقَدَّرٌ بعنايةٍ وحكمة والناس يعلمون بهما عدد السنين والحساب، ثم اقرأ معي قوله تعالى “والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم” آية 39 من سورة يس..

عزيزي القارئ من ذا يستطيع القول بأن الإسلام ضد العلم، أو أن القرآن فيه أخطاءٌ علمية؟ وهذه آياتٌ كريمة وأحاديثٌ شريفة تدفع بكل وضوح شبهة النزاع بين العلم والدين، وتجعل كيد المفترين في تضليل، ولو كان رسول الله كاذبًا وحاشاه فلماذا لم يساير عوام الناس فيما يعتقدون وبالأخص فيما يرفع من شأنه ويتصل بفلذة كبده الذي مات قبل الفطام؛ فمالِ هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا؟!.

ثم إن الرسول كان أميًا لم يجلس إلى معلم وكان المقبول عُرفاً وقتها أن يجاري بيئته فيما تزعمه من أمر الكسوف، ولكن لأنه علَّمَهُ شديد القوى، ولأن ربه علمه ما لم يكن يعلم وكان فضله عليه عظيما؛ وجدناه يخبرنا بحقيقة الخسوف وأنه من العجائب الكونية وهو برهان ساطع ودليل ناصع وآية ربانية على وجود الإله الواحد الذي هو على كل شيءٍ قدير.

وسوف يخرج لنا أحد المتشككين فيقول: إذا كان هذا شأن الكسوف وأنه يجري وفق نظام كوني معلوم فكيف إذن فزع نبيكم، وما معنى التخويف به، وما وجه الصلاة عند حدوثه؟.. والجواب أن رسول الله صلى الله عليه لا يرد فقط على من ينسبون الكسوف إلى موت العظماء، وإنما يرد أيضًا على أمثالك من الملحدين؛ فالكسوف مهما كان يجري بحسب قوانين يدركها علماء الفلك لكنه في النهاية يكون بمشيئة الله وحده، ويخبرنا عليه السلام أن لتلك الظاهرة أجلٌ تنتهي عنده والنهاية هي الكسوف الدائم وبهذا يبطل نظام الكون وتقوم الساعة فيعذب الله الملحدين أمثالك ويخزيهم.

فالكسوف هو تذكيرٌ من الله لعباده بأنه عز وجل مطلق القدرة ولا يعجزه شيء، وأنه سبحانه وضع النواميس وهو قادرٌ على خرقها متى شاء؛ فالشمس تخرج كل يوم بلا انقطاع ولكنها تنقطع بأمر الله يوم الكسوف، وسوف يأتي اليوم الذي تنقطع فيه تمامًا ودائمًا وحينها لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا، ولأن الله وحده عنده علم الساعة فمن يستطيع الجزم بأن هذا الكسوف الذي نراه سوف يمر وتعود الشمس إلى طبيعتها من بعده، ألا يمكن أن يكون هذا هو الكسوف الأخير؟؟.

والمؤمن الحق يعلم أن الساعة لا تأتينا إلا بغتة؛ فهو منها على حرصٍ دائم؛ فما بالك لو ظهر ما يشبه علاماتها؟ ثم إن الخوف الحقيقي ليس من القيامة بل من الحساب، وهو خوف مشروع ومحمود، وليس المقصود من التخويف هو نشر الذعر بين الناس وإنما إفاقتهم ولفت أنظارهم لعلهم يبادرون بالتوبة إلى خالقهم؛ فهو تخويف يراد به الخير، مثل الوالد الذي يخوف ولده حتى يترك اللعب والإهمال وينظر إلى مصلحته، والناس كما يقول رسولنا هم عيال الله، والله يربيهم بالآيات ومنها الكسوف والخسوف.

وأخيرًا أتسائل ما وجه الإنكار على صلاة الكسوف من هؤلاء الملحدين ؟؟ فليجربوا الصلاة حتى يعلموا أنها تطهيرٌ للنفس وتهدئةٌ لها وتقويمٌ وتهذيبٌ للمصلي،  ولا يراد منها تأخير قيام الساعة؛ فالساعة إذا جائت لن تتأخر، وإنما هي صلاة كالظهر والمغرب والعشاء، وكصلاة النافلة؛ فالمراد منها هو عين المراد من كل تلك الصلوات، وهو أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، وإن زادت فزيادتها أنها تدخل الطمأنينة على المسلمين؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فزع من الكسوف قام فصلاها.

وبعد.. أتمنى على كل ملحد أن يتريث قليلاً ولا يحكم بظاهر العقل فإن التسرع أصل كل مروق، ولكن التعمق يؤدي حتمًا إلى الإيمان، وأخص بالحديث هنا بعض الذين خرجوا في الآونة الأخيرة وأصبح جُلُّ همهم أن يكيدوا للإسلام تحت زعم أن كتابه الخالد توجد فيه أخطاء علمية، والحقيقة أن الأخطاء في تفكيرهم وليست في كتاب الله.. ونسأل الله أن يهدي الجميع وهو سبحانه ولينا ومولانا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

حاتم السروي
كاتب صحفي وأديب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.