أراء وقراءات

الإعلام الرقمي.. بين الحقيقة والإشاعة: حين يصبح الوعي درعًا في زمن الصراع

بقلم / د. هناء خليفة

في زمن تتسارع فيه المعلومات وتنتقل عبر ضغطة زر، أصبح الإعلام الرقمي لاعبًا رئيسيًا في تشكيل الوعي الجمعي، وتوجيه الرأي العام، وصناعة الأحداث لا فقط نقلها. إنه الساحة المفتوحة التي تتصارع فيها الحقائق مع الإشاعات، والمنطق مع التضليل، والوعي مع الانجراف وراء العناوين المثيرة.

لم يعد المواطن مجرد متلقٍ سلبي كما في الإعلام التقليدي، بل أصبح مشاركًا فاعلًا في صناعة المحتوى وترويجه، وهنا تكمن الخطورة: فإذا غاب الوعي، غابت الحقيقة. وإذا غابت الرقابة الذاتية، ساد الفوضى.

*الإشاعة في الفضاء الرقمي.. نار في هشيم*

الإشاعة قديمة قِدم الكلمة، لكن الإعلام الرقمي زادها قوة وانتشارًا وسرعة. فقد أظهرت دراسات علمية حديثة أن الأخبار الكاذبة تنتشر أسرع من الصحيحة بنسبة تتجاوز 70%، وتصل إلى جمهور أوسع في وقت أقصر، خصوصًا في أوقات الأزمات والصراعات.

في مثل هذه الأوقات، تتضاعف حساسية المجتمعات، ويشتد تعطشها للمعلومة، سواء لتفسير الأحداث أو للتفاعل معها. وهنا تصبح بيئة الإعلام الرقمي، من منصات التواصل الاجتماعي إلى تطبيقات المراسلة، تربة خصبة لبث الإشاعات، والتلاعب بالعواطف، ونشر الخوف أو الكراهية أو التحريض.

*منصات بلا أبواب… ومسؤولية فردية غائبة*

غياب الضوابط المهنية، ووجود ما يُعرف بـ “صحافة المواطن”، جعل من السهل لأي شخص أن يصبح “مُرسلًا” دون أدنى التزام بقواعد التحقق أو الموضوعية. وهنا يظهر سؤال خطير: هل نحن ضحايا التكنولوجيا؟ أم ضحايا ضعف وعينا؟

الحقيقة أن الوعي هو خط الدفاع الأول. لا يمكن لأي دولة أو مؤسسة أن تفرض رقابة على كل ما يُنشر، ولا يجب أن تتحول الرقابة إلى تكميم للأفواه. البديل الحقيقي هو الرقابة الذاتية، أي أن يدرك كل فرد مسؤوليته في التأكد قبل النشر، والتفكير قبل المشاركة، والتحليل قبل التفاعل.

*دور الإعلام الرقمي المسؤول*

ورغم كل التحديات، يظل الإعلام الرقمي أداة فعالة إذا تم استخدامها بشكل رشيد. فقد لعبت المنصات نفسها أدوارًا هامة في فضح الشائعات، وتصحيح المعلومات، ودعم الوعي الجماهيري من خلال حملات التحقق من الأخبار، والشراكة مع جهات موثوقة.

ومن هنا، تظهر الحاجة إلى تربية إعلامية رقمية، تبدأ من المدارس والجامعات، ولا تقتصر على فئة عمرية دون أخرى. نحتاج إلى بناء جيل يفرق بين المصدر الموثوق والإشاعة الملفقة، بين التحليل الموضوعي والتضليل العاطفي.

*وختاماً.. معركة الوعي لا تقل خطورة عن أي معركة أخرى*

في أوقات الصراع، لا تُحسم المعارك فقط في الميادين، بل في العقول والقلوب أيضًا. فكل إشاعة قد تُحدث شرخًا في النسيج المجتمعي، أو تزعزع الثقة بالمؤسسات، أو تغذي الانقسام والكراهية.

الإعلام الرقمي ليس خصمًا، لكنه أيضًا ليس حليفًا دائمًا. إنه أداة، وفاعليتها مرهونة بوعي من يستخدمها. فلنجعل من أنفسنا جزءًا من الحل، لا جزءًا من الأزمة. ولنُدرك أن كل مشاركة، وكل إعادة نشر، قد تكون رصاصة في معركة الحقيقة… أو طوق نجاة للوعي في زمن الفوضى.

دكتورة هناء خليفة 

دكتوراة في الإعلام من كليه الاداب جامعه المنصورة
مهتمة بقضايا الفكر والوعي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى