الإعلام بين الضمير وإستراتيجيّة الإلهاء
بقلم: عزه السيد
لا يخفى على أحد الدور الذي يمارسه الإعلام في تنمية وتطوير فكر الشعوب، فهي إما أن تسمو بهم للقمة أو تحطُّ بهم إلى الحضيض، ويبقى فكر المجتمع مرهوناً بما يقدمه الإعلام ويضخُّهُ في عقول الأفراد.
ويتجلّى هذا التأثير في معرفة مدى وعي الشعوب من عدمه، من خلال ما يبديه الأفراد من ردات فعل تجاه الرسالة الإعلامية، أو ما يسمّى برجع الصدى Feed Back. ويتفق ذلك مع قول وزير إعلام هتلر، جوزيف جوبلز: «اعطني إعلاماً بلا ضمير أُعطيك شعباً بلا وعي»، فهو يشير إلى ما يحمله الإعلام من رسالة سامية يكمن وراءها رُقيّ الشعوب وتنمية مجتمعها لينعكس ذلك على وعيها.
فعندما غادر ” هتلر” ألمانيا متوجها إلى ” فيينا” لكى يدرس فى معهد الفنون تحقيقا لرغبة أبيه لاحظ هناك شيئا غاية فى الخطورة، وهو سيطرة اليهود والماركسيين على إصدار الصحف والتحكم فى مضامين ما تبثه الإذاعات وأن اليهود والماركسيين بامتلاكهم تلك الامتيازات كانوا يتحكمون بشكل كبير فى عملية تشكيل الرأى العام لدى النمساويين.
لذلك أخذ على عاتقه عندما وصل إلى الحكم فى ألمانيا أن يهتم بـ (الإعلام) تلك الوسيلة التى يستطيع من خلالها شحذ همم الألمانيين لتبنى أفكاره المعادية لليهود والماركسيين لذلك سأل وزير إعلامه “جوبلز” آنذاك ما هى الآليات التى سوف تقدمها لى للسيطرة على آراء الجمهور فما كان من جوبلز إلا أن قال له ( أعطنى إعلاما بلا ضمير أعطك شعبا بلا وعى).
إن من الواضح ان الخطورة الأكبر فى الإنفلات الإعلامى تقع علينا نحن البسطاء من أبناء هذا الشعب , لأننا نستقى معلوماتنا من هذا الإعلام ونصدق كل مايقال أو يكتب , ولقد أصبح الاعلام يتلاعب برؤوسنا كيفما يشاء دون أى قيم أو مبادئ أو ضمير مهنى , الكل يزيف الحقائق , الكل يصرخ بأعلى صوته كذبًا وكأنه الصادق الوحيد فى المجتمع . كل ما يهمهم هو الخبطة الإعلامية وزيادة الإيرادات على أى شئ وكل شئ
يلعب الإعلام دورا كبيرا في الرقي بالأمم، حيث توصف وسائل الإعلام دائما بأنها السلطة الرابعة، كونها المرجع الأساسي في إيضاح الحقائق، وتسليط الضوء على مواطن الخلل وهى مرأة تعكس للمجتمع احوالة وتصف له طرق العلاج.
ولكن من الواضح ان وسائل الإعلام فى زماننا الحالي تستعمل عدة طرق للسيطرة على الشعوب فهم يعتمدون على إستراتيجيّة الإلهاء ، وهذه الإستراتيجيّة عنصر أساسي في التحكّم بالمجتمعات، وهي تتمثل في تحويل انتباه الرّأي العام عن المشاكل الهامّة والتغييرات التي تقرّرها النّخب السياسية والاقتصاديّة، ويتمّ ذلك عبر وابل متواصل من الإلهاءات والمعلومات التافهة.
إستراتيجيّة الإلهاء ضروريّة أيضا لمنع العامة من الاهتمام بالمعارف الضروريّة في ميادين مثل العلوم، الاقتصاد، علم النفس، بيولوجيا الأعصاب وعلم الحواسيب. فهى تعتمد على تشتّت اهتمامات العامة، بعيدا عن المشاكل الاجتماعية الحقيقية، وجعل هذه الاهتمامات موجهة نحو مواضيع ليست ذات أهمية حقيقيّة، اجعل الشعب منشغلا، دون أن يكون له أي وقت للتفكير
كما إن وسائل الإعلام تهمش الشعب بكل الطرق وتستعمل كافة السبل فى محاولة إلهائة فهم يخاطبون الشعب كمجموعة أطفال صغار فغالبية الإعلانات الموجّهة لعامّة الشعب تستعمل خطابا وحججا وشخصيات ونبرة ذات طابع طفولي، وكثيرا ما تقترب من مستوى التخلّف الذهني، وكأن المشاهد طفل صغير أو معوّق ذهنيّا. كلّما حاولنا مغالطة المشاهد، كلما زاد اعتمادنا على تلك النبرة. لماذا؟ إذا خاطبنا شخصا كما لو كان طفلا في سن الثانية عشر، فستكون لدى هذا الشخص إجابة أو ردّة فعل مجرّدة من الحسّ النقدي بنفس الدرجة التي ستكون عليها ردّة فعل أو إجابة الطفل ذي الإثني عشر عاما)
وايضا تعمل وسائل الإعلام على إستثارة العاطفه لتعطيل التّحليل المنطقي، وبالتالي الحسّ النقدي للأشخاص. كما أنّ استعمال المفردات العاطفيّة يسمح بالمرور للاّوعي حتّى يتمّ زرعه بأفكار، رغبات، مخاوف، نزعات، أو سلوكيّات.
لذالك من الضروري أن يلتزم الاعلام بالضمير الحى وحينها يمكن أن نصل الى الهدف المنشود وهو حيادية الاعلام والسمو بالافكار عن الهبوط والدونية، فضلا عن ضرورة احترام عقول الشعوب مراعاة للكرامة والفطرة الانسانيه التى لا تقبل الا الاعلام الصادق الذى يساعدها على فهم حقيقة الواقع مهما كان سيئآ ليتمكن من التعامل معه بطريقه صحيحه، وبهذا يكون الاعلام قد ساعد على إنارة العقول والمساعدة في خلق مجتمع متفهم واعى.
فالحقيقة التى لا شك فيها هى إعلام بضمير حى يساوى شعبا واعيآ