تقارير وتحقيقات

البطل اليتم يأخذ بثأر والده ويسعى لتحرير وطنه

 

احد عناصر المقاومة

ولد محمد عبدالله في القدس بفلسطين الحبيبة عام 1980م، ولقد استشهد والده قبل ولادته بأقل من ثلاثة شهور، فلم يجد هذا الطفل البرئ أباً يرعاه، وكان يعيش هو وأخوه الكبير وأخته المتزوجة مع أمه التي سعت كثيراً لكي تحصل على لقمة العيش وعاش هذا الطفل في بيت ملئ بالمتاعب والآلام.

وعندما أصبح هذا الطفل في الثانية من عمره قامت مذبحة صبرا وشاتيلا ولكنه لم يكن يستطيع أن يستوعب ما يحدث في بلده، ولكن عندما كبر هذا الطفل وأصبح في السابعة من عمره تم إعلان حركة المقاومة الإسلامية حماس وبدأ عدد الاستشهادين يزيد يوماً بعد يوم وعدد الجنود الصهاينة يقل يوماً بعد يوم.

وبعد أن أصبح صبيا من الطبيعي أن يستوعب ذلك الولد كل ما يحدث حوله، علم أن أباه كان قد قام بما يقوم به هؤلاء الاستشهاديون الآن. كان بشعر بالحزنً لأنه لم يستطيع رؤية أبيه الحنون الذي استشهد في إحدى العمليات ،ولكنه من داخله كان يريد أن يصبح مثل أبيه وأن يستشهد في سبيل الوطن، ومما ساعد محمد على التفكير في ذلك الأمر هو ذكاؤه الخارق وقدرته على الدهاء وحبه للتنكر ، والأهم من ذلك إصراره على أن يأخذ ثأر أبيه من هؤلاء اليهود الصهاينة .

وكانت من هوايات محمد ركوب الخيل، الرماية، والتسديد، ومن صفاته الشجاعة الفائقة والثقة بالنفس، ولكي ينمي قدرته على الرماية والتصويب ذهب لأحد من أقاربه الذي كان يجيد الرماية وطلب منه أن يدربه عليها كي يستطيع مواجهة الأعداء بدون تردد فوافق قريبه على طلبه وبدأت هذه الهواية تنمو لديه حتى أصبح يحب الرماية حباً شديداً وأصبح من المتقنين لها.

قرر محمد الاشتراك في جماعة للمقاومة بعد أن وصل إلي سن الرشد. وساعده على ذلك تشجيع أخوه الكبير له ، وحماسه وإصراره على مواجهه العدو لأخذ ثأر أبيه  وتحرير بلده من اليهود والصهاينة .

رجال المقاومة

اشترك محمد في إحدى الجماعات، ولكنه لم يستطيع أن يكتم هذا القرار عن أمه كي لا تحزن عليه. وعندما أخبرها ردت عليه والحزن يملأ قلبها والدموع تملأ عينيها قائلة : لماذا يا ولدي تجعلني لا أنام الليل من خوفي وقلقي عليك؟ ألا يكفي ما واجهناه من بعد استشهاد والدك؟ .فقال لها في احترام: يا أمي يجب عليك ألا تحزني بل تفرحي وهذا لأن الله سبحانه وتعالى قال: “يا أيها الذين أمنوا لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقـون” .

وواضاف : أخبرك يا أمي بأنني اتخذت قراراً وكلي أمل أن تساعدينني بالموافقة على تنفيذه. وتدعو لي بالتوفيق، فما كان من الأم أن وافقت على رغبة ابنها، ودعت له بالتوفيق. وترك الشاب أمه وهي مازالت تبكي عليه. وذهب إلى الجماعة التي اشترك فيها وهناك تم عرضه على بعض اختبارات الولاء للوطن، وبعض التدريبات القاسية والمتعبة، ولكنه بفضل حماسته وشجاعته استطاع أن يجتاز تلك الاختبارات، وكانت أول عملية من المقرر أن يقوم بها بعد اشتراكه بثلاثة أشهر تقريباً.

وفي بداية تدريبه على هذه العملية كان يشعر ببعض الارتباك والرهبة، ولكنه سرعان ما استطاع أن يتخلص من هذا الارتباك وتلك الرهبة بعد فترة تدريب وجيزة، وتشجيع زملائه المستمر له. وحان وقت تنفيذ العملية فذهب إلى تنفيذها وكله شجاعة ورغبة شديدة في الثأر من العدو الغاشم، وكان توفيق الله حليفاً له في هذه العملية فنفذها على أكمل وجه، وعاد بسلامة الله فرحاً مسروراً بما قام به بعد ما رأى دماء خمسة من جنود اليهود لعنة الله عليهم تسيل أمامه، وأخذ يقول في نفسه سنسفك دماءكم يا أعداء الله بفضله تعالى واحداً تلو الآخر.سأعيد لك مجدك وحريتك وكرامتك يا بلدي العزيزة إن شاء الله وسنقهرهم بإذن الله.

وعندما تم إذاعة الأخبار في اليوم التالي قيل أنه تم قتل خمسة جنود إسرائيليين ولم يتم التعرف على من قام بالعملية. فطار الشاب فرحاً بعد ما سمع ما قيل ، وقال : هكذا نشمت في هؤلاء الجبناء.

ومن ثم استطاع محمد أن ينفذ عملية فدائية ثانية بعد مرور ستة أشهر على العملية الأولى وأسفرت العملية إلى وقوع عدد من القتلى والجرحى الإسرائيليين، ولكن أطلق النار عليه ولكنه استطاع الهروب وهو ينزف فقد احتكت إحدى الطلقات بذراعه الأيمن وظل ينزف حتى وصل إلي مكان تابع للجماعة فقام أصدقاؤه بعمل الإسعافات اللازمة له.

ويصل خبر إصابته إلى أمه وحاولت أن تذهب إليه ولكن كان زملاؤه في الجماعة يحاولون تهدئتها كي لا تسبب المشاكل لهم وبالفعل استطاعوا ذلك. وبعد ذلك تم علاج يد محمد فذهب بنفسه إلى أمه ففرحت برؤيته كثيراً ثم ظلت تبكي فقال لها: لماذا تبكين يا أمي ؟ فردت عليه قائلة: إنها دموع الفرح يا ولدي أتعود إليّ بعد إصابتك سالماً من كل شر ولا تريدني أن أبكي؟! وتسأله فتقول: ألا تريد أن تريحني وتريح قلبي يا بني. فرد بسؤال آخر: أريحك من ماذا يا أمي ؟ فقالت: من العذاب الذي أعيش فيه يا بني عذاب قلقي عليك وخوفي من أن يصبك مكروه. فرد في هدوء: قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.فقالت له: ونعم بالله ولكن الله تعالى قال “ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة “فقال في غضب: ولكن هذه ليس تهلكة ولكنه دفاع عن الدين الحق والأرض والعرض والشرف والكرامة ودفاعاً عن وطننا الحبيب الغالي .

تأكدت الأم أنه سينفذ رأيه لا محالة ، فتركها وذهب إلى مقر الجماعة ، فظل جالساً بمفرده يفكر في كلام أمه بعمق فهو ليس مضطرا للاستعداد لعملية ثالثة الآن فهو دور صديقه العزيز مصطفي فقال محمد لمصطفي :اهتم بنفسك يا صديقي ثم قال له لا إله الا الله ، فرد مصطفي قائلاً : محمد رسول الله .

شجاعة طفل فلسطيني

ثم انطلق لينفذ العملية المطلوبة منه وهي تفجير معسكر للجنود الإسرائيليين، وفجأة وهو على مقربة من المعسكر وقبل أن ينفذ العملية ينظر خلفه فيجد بعض الجنود يهجمون عليه ولكنه ألقى القنبلة بقوة شديدة جداً فوصلت إلى المعسكر فانفجرت ملقيه بأحشاء الجنود الإسرائيليين على الأرض ولكنه لم يستطع الفرار من أيدي الجنود الإسرائيليين فتم إلقاء القبض عليه بعد أن ملأت عيناه الفرحة بنجاح العملية التي أدت إلي وقوع قتلى وجرحى من الجنود الإسرائيليين .

بعد مرور ساعتين على موعد تنفيذ العملية وعدم رجوع مصطفي أدى ذلك إلى قلق أعضاء الجماعة وخوفهم وخاصة محمد لأن مصطفى كان صديقه العزيز ، أولاً لقد خافت الجماعة من أن يقبض عليه ويعذب ويهان ، وثانياً خوفاً من أن يعلن مصطفي سر الجماعة فيتم القبض عليهم جميعاً . ولكن مصطفي كان أعظم من ذلك. فمع أنه عذب وأهان لم يستسلم ولم يخضع لإرادتهم بل ظل صامداً أمام كل هذا من أجل الدفاع عن الدين والوطن .

وكان محمد حزيناً جداً على صديقه، وفجأة وبعد مرور عشرة أشهر على اعتقال مصطفي صديق محمد.قرر محمد أن يأخذ بثأر صديقه وينتقم له وقال في نفسه:إما أن استشهد أو أعتقل أو أن أعود بعد أن أرى دماءهم تسيل أمامي ولا يوجد خيار رابع أمامي. فاستعد محمد للقيام بهذه العملية أتم الاستعداد ثم حان موعد تنفيذ العملية الثالثة وكان يبلغ من العمر عشرين عاماً أي أنه في مقتبل العمر ولكن لم يكن محمد يهتم بهذا الأمر لأن الجهاد والدفاع عن الدين والوطن ليس له سن معين ولم يكن يقول لماذا اشتركت في هذه الجماعة أنني مازلت شاباً يجب أن أعيش شبابي كباقي الشباب الذين من سني لم يقل محمد ذلك لأنه مؤمن بالجهاد ومؤمن بأن الله سينصرهم بإذن الله ولكن بعض شباب الدول العربية لا يهتمون بالجهاد أو حتى الدراسة بل يهتمون بأشياء أخرى مثل اللهو واللعب ولا يعتقدون أنهم يدمرون مستقبلهم بأيديهم لأنهم في غفلة من أمرهم.

وبعد ذلك انطلق محمد لتنفيذ العملية وصل إلى المكان المحدد، ورأي العديد من الأشخاص الإسرائيليين فألقى بأول قنبلة فقتلت العديد منهم ثم هرب الباقي ولكنه رمى القنبلة الثانية بقوة شديدة فقتلت بعضا من الذين هربوا ، وفي هذه اللحظة سمع الجنود الإسرائيليين دوي الانفجارات فأسرعوا متجهين نحو محمد وظل محمد يركض وهم يركضون وراءه ثم طلبوا المساعدة فأتى جنود آخرون من أمام محمد فأصبح محمد في المنتصف فلم يستطع الفرار منهم فألقوا القبض عليه ولكنه لم يكن خائفاً بل كان رجلاً صامدا لأنه ليس أول من أعتقل من الفدائيين ولا أخرهم . ولأنه يعلم أن هناك آلاف الفدائيون الفلسطينيون الذين يريدون تحرير أرض فلسطين وعندما سمعت أمه هذا الخبر فقدت وعيها وعندما استعادت وعيها ظلت تبكي بصوت عال لأن ابنها اعتقل وكانت حزينة عليه لكنها رضيت بقضاء الله وقدره.

وظل محمد مسجوناً لمدة لا تقل عن خمس سنوات قضّاها بين التعذيب والإهانة كما عذّب كثير من قبله مثل: الشيخ أحمد ياسين الذي استشهد وكان محمد مازال في السجون الإسرائيلية. وكان الشيخ أحمد ياسين مشلولاً شللاً نصفياً وكاد أن يفقد بصره بسبب التعذيب الذي تعرض له من قبل, وكان الشيخ أحمد ياسين زعيم حركة حماس رمزاً للنضال والكفاح والتصدي للكيان الإسرائيلي وكان يعذب عذاباً شديداً لعدد من السنوات ثم أطلق سراحه ولم يكن يطلب الشيخ أحمد ياسين من الله إلاّ الاستشهاد وحدث ذلك بالفعل عام 2004 وهو خارج من صلاة الفجر قذف عليه ثلاثة صواريخ أدت إلى تناثر أحشائه ومن ثم زادت العمليات الفدائية، للأخذ بثأر أحمد ياسين، ثم تبعة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي مساعد الشيخ أحمد ياسين ويده اليمني وذلك بعد أن انفجرت به السيارة التي كان يستقلها.

وبعد خمس سنوات من التعذيب أطلق سراح محمد وسراح الكثير من المعتقلين من بينهم صديقه العزيز مصطفي ففرح بسماع هذا الخبر ، ثم قال في نفسه : إن الله لم يكتب لي الشهادة في المرات الأولى ولكنني سأناضل وسأتصدى لهذا العدو الغاشم مهما حدث وسنقاوم حتى آخر قطرة من دمائنا. وإذا شاء الله سبحانه وتعالى سأستشهد في سبيل تحرير فلسطين الحبيبة. وانطلق محمد مسرعا إلى مقر جماعة المقاومة السري التي كان قد اشترك فيها وقابل هناك صديقه العزيز مصطفى الذي كان متحمساً للنضال والكفاح وذلك بعد أن سمع خبر استشهاد الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي الذين قاوما الكيان الصهيوني حتى آخر لحظة في حياتهم.

رأى محمد عندما كان في مقر الجماعة أن عدد الفدائيين قد زاد بصورة سريعة فأعجب بهذا الأمر جداً لأن هذا يعني أنه مازال هناك شبابا يريدون تحرير بلادهم. ويستمر محمد يقاوم ويتصدى للعدو الغاشم مع أصدقائه في الجماعة، وما زالت المقاومة الفلسطينية مستمرة.

اعداد: أحمد عبدالباقي أبوزيد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.