البيانات… السلاح الخفي في حروب القرن الحادي والعشرين

بقلم / الدكتورة هناء خليفة
لم تعد الحروب اليوم تُدار فقط في ميادين القتال، بل أصبحت شاشات الحاسوب هي جبهات جديدة، والخوارزميات جنودًا صامتين، والبيانات ذخيرة لا تقل خطورة عن الصواريخ. نحن نعيش زمن حروب البيانات، حيث تتحول المعلومات إلى أداة هيمنة وسيطرة تفوق في تأثيرها أي سلاح تقليدي.
من الميدان إلى الفضاء الرقمي
في الماضي كان الصراع يدور حول الأرض والثروات، أما اليوم فقد أصبح الصراع على المعلومة. فاختراق قواعد بيانات مصرفية أو تسريب وثائق سرية أو التلاعب بالرأي العام عبر وسائل التواصل، قد يؤدي إلى إسقاط حكومات أو شلّ اقتصادات أو حتى إشعال نزاعات دولية… وكل ذلك دون طلقة واحدة.
وقائع تكشف المشهد
▪️في 2010 هزّت ويكيليكس العالم حين سربت ملايين الوثائق السرية الأمريكية.
▪️في 2018 كشفت فضيحة كامبريدج أناليتيكا عن استغلال بيانات عشرات الملايين من مستخدمي فيسبوك للتأثير على انتخابات حاسمة.
▪️في 2017 أصاب هجوم WannaCry آلاف المؤسسات حول العالم، من بنوك إلى مستشفيات، مشلًّا الحياة في أكثر من 150 دولة.
▪️ومع اندلاع الحرب الروسية–الأوكرانية عام 2022، تصاعدت الهجمات السيبرانية بشكل غير مسبوق، لتصبح جزءًا موازيًا للمعارك العسكرية.
▪️أما في 2016، فقد كادت عملية اختراق بنك بنغلاديش المركزي أن تنجح في سرقة مليار دولار عبر نظام التحويلات المالية العالمي SWIFT.
لماذا هي الأخطر؟
تكمن خطورة حروب البيانات في أنها:
▪️صامتة: تجري دون ضجيج أو دماء لكن نتائجها كارثية.
▪️سريعة: هجوم إلكتروني واحد قد يشلّ دولة كاملة في ثوانٍ.
▪️رخيصة: لا تحتاج إلى جيوش جرارة، بل إلى عقول مدربة وخوادم متصلة بالشبكة.
▪️تستهدف العقول: فهي معركة على الوعي والثقة أكثر من كونها صراعًا على الجغرافيا.
البيانات… ذهب القرن الرقمي
لم يعد النفط هو المورد الأثمن، بل البيانات. شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وأمازون وميتا تدير إمبراطوريات تتحكم في سلوك مليارات البشر، بينما تدرك الدول أن أمنها القومي صار مرتبطًا بحماية بياناتها وتطوير قدراتها في الذكاء الاصطناعي.
مستقبل بلا حدود واضحة
المخيف أن هذه الحروب لا تملك قواعد اشتباك واضحة: من يهاجم من؟ متى تبدأ المعركة؟ وكيف تنتهي؟ كل ذلك يظل غامضًا. لكن المؤكد أن السيطرة على البيانات أصبحت المعيار الجديد للقوة، وقد تحدد شكل النظام العالمي في العقود المقبلة.
وختاماً..نحن أمام واقع جديد يُعيد تعريف القوة والنفوذ. فالسلاح الأخطر لم يعد ما تخزنه الجيوش من عتاد، بل ما تختزنه الخوادم من بيانات. ومن يملك القدرة على التحكم في هذه البيانات… قد يملك مستقبل العالم.