الجذور ..(١) عندما تتحرك الأشجار
بقلم / د. أمين رمضان
تخيل أن مجموعة من الأشجار تركت جذورها، وحملتها الحياة على أجنحة الأحلام لأماكن شتى، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لتظل حية لأكثر من نصف قرن، متقلبة في دروب الحياة بحلوها ومرها، وهي تصارع الفناء، وكل شجرة متشبثة بهويتها التي تجاهد في بناءها عبر الزمان والمكان والأحداث، ثم فجأة تكتشف أنها جزوع بلا جذور، حتى وإن كبرت، وطالت، وبزغت منها ثمار وأزهار، إلا أن خلاياها مازالت تنبض بحنين لدفء جذورها الأولى، التي غذتها وهي بذرة صغيرة، وغرست فيها صفحات الحياة وقتها، وهي صفحات لا تنسى، وبدونها تفقد رواية الحياة لكل شجرة أهم فصل فيها، الفصل الأول، وتفقد الأشجار سيمفونية الحياة الرائعة التي عزفتها القلوب والأغصان معا، على خشبة مسرح صغيرة في مدينة الإسكندرية، منذ أكثر من نصف قرن.
هذا ما جال بخيالي وأنا أسعى لإعادة الحياة لجذوري التي تركتها أو تركتني، منطلقاً بعدها في رحلة حياة لم تنتهي بعد، وإعادة الحياة لذكريات الطفولة الكامنة في النفس، منتظرة الوصال مع جذورها، لتنبض حياة الماضي بمشاعرها النقية التي نبضت بها القلوب، قلوب الأشجار معاً، لعل عبق الماضي يكون بلسماً لعناء الحاضر.
الرحلة ليست هروبا من الحاضر، فبدونه يغيب المستقبل، لكنها شحن لطاقة جديدة من النبع الصافي الأول، ترتوي به الروح، وتنشط به الأجسام التي تقاوم زحف المرض والشيخوخة إليها، ليشع ضوءها، ولو خافتاً، من جديد، في حاضرها ومستقبلها.
صحيح أن العودة لنفس الأرض ونفس الزمن ونفس العمر للحياة مستحيل، لكن الأرض والزمن والعمر مخزون داخل أعماق النفس، تنتظر بشوق لتعانق جذورها في الأنفس وفي الآفاق، عبر أرض جديدة صنعتها الحضارة المادية بوسائلها التي عبرت الزمان والمكان، وسائل التواصل الاجتماعي، التي تصنع الإنسان الرقمي، لكننا سنضخ فيها النبض الإنساني الفطري الكامن في أعماقنا منذ الصغر.
ولدت الرحلة الآن على غير موعد سوى ما يعيشه العالم الآن من خطر غياب لكل معاني الإنسانية، ولعل ذلك سيجعل لرحلتنا حياة في عالم يدق فيه القتل على أبواب الحياة ليغتالها.
للرحلة بقية إن شاء الله
د. أمين رمضان
الإسكندرية 6 أبريل 2025
