الساجد … قبل المساجد

بقلم – وليد علي
توقفت طويلا عن عبارة نطق بها أحد الدعاة في خطبة الجمعة أثناء إفتتاح أحد المساجد الجديدة، وهو قوله ” الساجد قبل المساجد “.إنشغل الناس فى زماننا بعمارة المساجد وتزينها وزخرفتها من الداخل والخارج ظنا منهم أنهم بذلك يسعون فى رضا الله عز وجل والتقرب اليه ،واغفلوا جانبا هام جدا وهو عمارة وإصلاح الانسان او ( الساجد ) الذى سوف يعمرالمسجد ويقوم فيه بالصلاة والذكر والعبادة والتقرب الى الله .
وأول ما يجب ان نهتم به فى إصلاح الساجد هو حسن الخلق .
وهنا سؤال …. لماذا كان حسن الخلق من أول عوامل الإصلاح الذى يجب ان نهتم بها فى حياتنا كلها فى بيوتنا و مصالحنا ومتاجرنا ومساجدنا ؟؟؟؟؟؟؟؟
لانه بحسن الخلق تنصلح حياة العبد كلها تنصلح امورة بين الناس وبين أهل بيته وبين إخوانه فى العمل والمسجد .
فالمجتمع يحتاج الى التاجر ولكن التاجر بغيرحسن الخلق يفسد ولا يصلح .
وكذلك نحتاج الى المعلم والصانع والى الطبيب والى العامل وغيرهم وكل هؤلاء وغيرهم من غير حسن الخلق يفسدون ولا يصلحون. وعلى رأس هؤلاء جميعا هذا العابد الذى ينظر اليه الناس ويجعلونه قدوة وأسوة لهم فينظرن اليه بأعين ثاقبتة ناقضه واى نقيصة يأتى بها يقفون أمامها وكأنهم ينظرون الى ملاك معصوم لا يخطأ … ومنهم من يقدح فى الدين ولا يقدح فى الشخص نفسه … ومن هنا يجب ان نهتم اهتماما بالغا بهذا الساجد لانه يقف حارسا على أمانة الدين .
لذلك نجد القرأن الكريم يعلمنا أهمية حسن الخلق وانه لا ينفصل عن تقوى الله ونجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يعلمنا فى اكثر من حديث أهمية حسن الخلق
قال تعالى: في: سورة آل عمران ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ١٥٩﴾
وقال تعالى: في: سورة آل عمران ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ١٣٣ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٣٤﴾
وقال سبحانه وتعالى في سورة فصلت ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ٣٤ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ٣٥﴾
ولما كان حسن الخلق يحتل هذه القيمة العظيمة في الإسلام، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا، روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: ( كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلُقًا)
فعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح.
وقوله: وخالق الناس بخلق حسن. معناه : عامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، واعلم أن أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الخلق الحسن وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ).
وحسن الخلق من صفات النبيين والمرسلين وخيار المؤمنين، لا يجزون بالسيئة السيئة بل يعفون ويصفحون ويحسنون مع الإساءة إليهم. وقال الإمام أحمد: حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد. وعنه أنه قال: حسن الخلق أن تحتمل ما يكون من الناس.
وهذا الحديث فيه وصية عظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم للأمة، فقد جمع للسائل حقين عليه الالتزام بها، حق محض لله تعالى، وحق للخلق، فحق الله تعالى أن يتقيه حق التقوى، وحق الخلق أن يعاشرهم بحسن الخلق، قال ابن القيم رحمه الله: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسن الخلق، لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه، وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه، فتقوى الله توجب له محبة الله، وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته.
قال بعض السلف: حسن الخلق قسمان: أحدهما مع الله عز وجل وهو أن تعلم أن كل ما يكون منك يوجب عذرا، وأن كل ما يأتي من الله يوجب شكرا، و ثانيهما: حسن الخلق مع الناس وجماعه أمران: بذل المعروف قولا وفعلا، وكف الأذى قولا وفعلا
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:(ما كان أحد أحسن خلقا من رسول الله ﷺ ما دعاه أحد من أصحابه ولا من أهل بيته إلا قال: لبيك، فلذلك أنزل الله عز وجل: (وإنك لعلى خلق عظيم ).
وقال صلى الله عليه وسلم : {إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم } [رواه أحمد].
وعدَّ النبي ﷺ حسن الخلق من كمال الإيمان، فقال عليه الصلاة والسلام:{ أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً } [رواه أحمد وأبو داود].
ويقول رسول اللّه ﷺ: { أحب الناس إلى اللّه أنفعهم، وأحب الأعمال إلى اللّه عز وجل، سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولئن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً } [رواه الطبراني].
والمسلم مأمور بالكلمة الهيِّنة الليِّنة لتكون في ميزان حسناته، قال عليه الصلاة والسلام: { والكلمة الطيبة صدقة } [متفق عليه].
بل وحتى التبسم الذي لا يكلف المسلم شيئاً، له بذلك أجر: { وتبسمك في وجه أخيك صدقة } [رواه الترمذي ].
عن أم سلمة رضي الله عنها: قلت: يا رسول الله المرأة منا تتزوج زوجين والثلاثة والأربعة ثم تموت فتدخل الجنة ويدخلون معها، مَنْ يكون زوجها؟ قال: يا أم سلمة؛ إنها تخير فتختار أحسنهم خلقًا، فتقول: أي ربِّ إنَّ هذا كان أحسنهم معي خلقًا في دار الدنيا فزوجنيه، يا أم سلمة ذهب حسنُ الخلق بخير الدنيا والآخرة.
وعن بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أنه ﷺ كان يقول: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي
فعن أبي هريرة : قال: ( سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ فقال تقوى الله وحسن الخلق وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال الفم والفرج) رواه الترمذي.
ـومنها أنه أثقل شيء في الميزان يوم القيامة : فعن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق) رواه أبو داود.
ـ ومنها أنه علامة على كمال الإيمان: فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا) رواه الترمذي
ومن هذا كله يتبين لنا ان اول لبنة فى بناء الفرد المسلم وإصلاح شأنه بين الناس فى المسجد وخارجه هو حسن الخلق .
واصلاح الساجد ايضا يتم بتعليمه وتوعيته والإهتمام بصحته .
وبهذا نكون قد أصلحنا حال الساجد قبل ان نصلح من شأن المساجد .
وليد على باحث وكاتب صحفي
جزاكم الله خيرا وكم نحن في حاجه الي حسن الخلق وخاصه مع بعضنا البعض