السب والقذف … جريمة أخلاقية
بقلم: د. شعبان عبد الظاهر
السب والقذف بضاعة المفلسين وزاد المبطلين، فهو بضاعة مزجاة، وسوق راكدة، وتجارة خاسرة، عار وعوار، وخزى وشنار، يلاحق أولئك الذين تجردوا من أخلاقهم، وتنازلوا عن صفات الرجال، وظنوا أنهم بسوء أخلاقهم وبحصائد ألسنتهم فى هتك أعراض الناس صاروا أبطالًا…كلا
- أيها السبّاب المهين، ما جنيت من هتك ستر أخيك إلا غضب خالقك وباريك، فلو كان فى أخيك ما قلت فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته، فأنت على أى حال على خطر عظيم، ولا منجأ ولا ملجأ لك إلا أن تتوب إلى الله وتتبرء من أفعال السفهاء وأخلاق الجهلاء.
وقد رصدت أعدادًا كثيرة لفئة من الناس الذين يشبعون رغبتهم ويجدون هوايتهم فى إطلاق ألسنتهم هتكًا وسبًا وقذفا فى فلان وفلان، هذا جاهل وذاك منافق وهذا مبتدع، ويجعلون ذلك سلواهم ومبتغى أمانيهم، فوجدت أن معظم هؤلاء حدثاء الأسنان سفهاء الآحلام، وقلّ أن تجد عالمًا وقورًا أو شيخًا كبيرًا أو عاقلًا متزنًا يطلق للسانه العنان فى سب وشتم من عارض رأيه أو أدحض حجته، لآنه ببساطة يعلم إن كان المعارض على حق فيحمد الله أنه قد عرف حقًا قد خفى عليه وغاب عنه فيتبعه، ويشكر معارضه وإن لم يكن المعارض على حق فإما أن يعرض عنه العالم ويقول له سلامًا إن علم أنه من الجاهلين، وإما أن يقنعه بالحجة والبرهان والدليل القاطع الساطع.
هذه هى أخلاق العلماء والدعاة إلى الله عز وجل، بل هي أخلاق كل مسلم، وأخلاق كل إنسان، ما بالك لو انتشر هذا الداء العضال والمرض الفتّاك فى جسد المجتمع، فينخر فيه كما السوس فى الحب، وإن مما يحزننى ويحرق قلبى، أن ترى الفجور فى الخصومة بين أبناء المجتمع، بل بين أبناء الأسرة الواحدة والبيت الواحد، فيتراشقون بمهارة بالغة العبارات الهابطة، ويتبادلون بخفة المتقن سفهات السفهاء وجهلات الجهلاء، ويكأنى بأحدهم وهو يقول مفتخرا منتشيًا كالمنتصر فى معركة فاصلة على العدو يقول: (مسحت بيه البلاط، بهدلته، مسحت بكرامته الأرض)،
أيها الشتّامون، أنتم بعيدون كل البعد عن روح الإسلام وسماحته،أنتم بعيدون كل البعد عن محاسن العادات وكريم الصفات وعظيم القيم، حين أمتلئت قلوبكم غلًا وحقدًا وحسدًا، فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ولا تكونوا شاتمين شامتين، ولا تكونوا سبّابين قاذفين، أين أنتم من مكارم الأخلاق التى جاء النبى ليتممها؟ أين أنتم من النبى العظيم الذى ما كان فاحشًا ولا بذيئًا ولاسبّابًا ولا لعانًا.
أتستعذبون فى سبيل الشيطان كل قبيح؟ وتستحسنون كل شر؟ أما علمتم أن لحوم العلماء مسمومة وأن عادة الله فى هتك أستار منتقصيهم معلومة؟ أما علمتم أن من أطلق لسانه فى العلماء بالسلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب؟
أفعلوا ما بدى لكم فأنتم إلى زوال، ويبقى ما كذبتم، وما أدعيتم، وما جنيتم، فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
أيها المفلسون، يوم القيامة بينكم وبين من هتكنم عرضه، ومن لوثنم سمعته، ومن أفتريتم عليه كذبًا، فسحقًا لكل سباب مهين، سحقًا لكل هماز مشاء بنميم، سحقًا لكل عتل بعد ذلك زنيم.
د. شعبان عبد الظاهر
دكتوراه في القانون كلية الحقوق جامعة المنصورة