السفير أشرف عقل يدعو لإحياء مدينة ” أور ” مسقط رأس سيدنا إبراهيم
- مدينة ” أور ” هى موقع أثرى لمدينة سومرية بتل المقير جنوب العراق . كانت عاصمة للسومريين عام ٢١٠٠ ق . م .. وكانت بيضاوية الشكل وتقع على مصب نهر الفرات ، إلا أنها حاليا تقع فى منطقة نائية بعيدة وذلك بسبب تغير مجرى النهر على مدى آلاف السنين . وتبعد المدينة عدة كيلومترات عن مدينة الناصرية جنوب العراق وعلى بعد حوالى مائة ميل شمالى البصرة . وتعد واحدة من أقدم الحضارات المعروفة فى تاريخ العالم . وقد ولد بها سيدنا أبراهيم الخليل ” أبو الأنبياء ” حوالى عام ٢٠٠٠ ق . م ، كما نزلت عليه فيها الرسالة الحنيفية .
اشتهرت المدينة بالزقورة التى هى معبد نانا آلهة القمر فى الأساطير السومرية ، وكان بها ١٦ مقبرة ملكية شيدت من الطوب اللبن . وكان بكل مقبرة بئر ، وكان الملك الميت يدفن معه جواريه بملابسهن وحليهن بعد قتلهن بالسم عند موته ، وكان للمقبرة قبة .
ازدهرت مدينة ” أور” مع سلالة أور الثالثة وهى أسرة سومرية أسسها فى المدينة الأمير الشهير ” أور نمو ” . وقد بلغ عدد ملوكها خمسة حكموا أكثر من مائة عام وذلك فى الفترة من ( ٢١١١ – ٢٠٠٣ ق . م ) وقد تقدمت الحضارة فى عهدهم وانتشرت المعارف فى العلوم والآداب والفنون ، الأمر الذى أصبحت فيه ” أور ” قبلة الشرق القديم .
وقد كشفت أثريات هذه المدينة عن قدرة أهلها على شق الأنهار والترع والقنوات مما جعل التجارة النهرية للمدينة تصل إلى مملكة دلمون ” البحرين حاليا ” . وكان لمدينة ” أور ” أيضا معاملات مع سلطنة عمان وبلاد الهند ، وكانت الأحجار الكريمة تجلب من مناجم أفغانستان ، والفخار المميز من كرمان وسط إيران ، كما إمتدت تجارة ” أور ” إلى أرمينيا فى آسيا الوسطى .
والإنتساب الإبراهيمى إلى ” أور ” تؤكده حقائق تاريخية عديدة غير ذلك الأثر الذى يبعد عن قاعدة الزقورة بحوالى ٣٠٠ متر ويقال إنه البيت الذى ولد فيه سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام والذى ظل مهملا إلى أن فكر بابا الفاتيكان فى بدء رحلة كونية لها بمناسبة الألفية الثالثة نظرا للدور الريادى الذى لعبته هذه المدينة التى عانت من إهمال مقصود عبر حقب عديدة من دولة العراق الحديثة منذ أن سمح للبعثات الأثرية بنبش أرض ” أور ” وسرقة كنوزها الأثرية التى تعرض اليوم فى متاحف أوربا وأمريكا .
كانت ” أور ” من أضخم الحواضر البشرية فى ذلك الوقت ، وإذا أردنا أن نحدث القرائن بين وجودها وطبيعة الخلق الذى ابتدأه االمولى عز وجل بسيدنا ” آدم ” عليه السلام ، تكون هى من بين المدن التى تفتخر بإنتمائها التاريخى . لذا يحق لنا أن نقول عن ” أور ” أنها واحدة من مدن بدايات التبشير الأول .
كما أنها من أقدم مدن العالم التى اهتمت بتأسيس معاهد الموسيقى التى كانت تسمى آنذاك ” بيوت الموسيقى ” . وقد اكتشفت فى مقبرة ” أور ” المقدسة أقدم الآلات الموسيقية وأهمها قيثارة الملكة السومرية ” بو – آبى ” و التى تسمى خطأ الملكة ” شبعاد ” وهى جزء من مقتنيات كثيرة عثر عليها فى الأقبية الملكية التى كان يمارس فيها نمط خاص من الشعائر الجنائزية .
واليوم ترتقب ” أور ” من يلتفت إليها بعد كل هذا الإهمال المتعمد ، وهى تنتظر يدا خيرة لتقيم على ترابها المقدس احتفاء حضاريا كل عام ، يستعيد فيه المحتفون تلك القيم العظيمة التى منحت البشرية إضاءات النور الأولى إلى مدارك الوعى ، الأمر الذى يتطلب جهدا عالميا تشارك فيه كل المنظمات المحلية والدولية المعنية بتراث الشعوب والحفاظ عليه بهدف إرساء ثقافة السلام والعدل بين الشعوب كافة ، وأن يعنى بالمكان جيدا إذ لا تحوى المدينة أى مرفق سياحى .
ورغم أن المدينة استقبلت منذ بدء الألفية الثالثة وحتى إطلاق صافرة العدوان الأمريكى آلاف الأوربيين الذين فرض عليهم أن تكون زيارتهم لها يوما واحدا لعدم وجود أماكن مبيت لائقة ومرافق خدمية . لهذا يمكن للمكان أن يكون منطقة استثمار جيدة تعود بالفائدة على اقتصاد البلد والمدينة . فمن المؤكد أن هذه الأرض تستحق أن تكون ملتقى لثقافات الأرض .
كنت قد قمت بزيارة للمنطقة فى شهر يناير ٢٠١٦ م فى إطار زيارة محافظة الناصرية ” ذى قار ” إبان عملى ممثلا لمصر فى محافظة البصرة والمحافظات الوسطى والجنوبية بالعراق الحبيب ، وقد اعترانى الحزن على ما آلت إليه مدينة ” آور ” نتيجة يد الإهمال التى طالتها ، وإن كانت المحافظة قد بدأت فى النظر إليها بعين الاهتمام ، ولكن على استحياء ، كما أخبرني بذلك محافظها الهمام آنذاك .
وتجدون مرفقا بعض الصور الخاصة بالزقورة وبيت سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام من الداخل .
بقلم السفير اشرف عقل