الصراط المستقيم

من التاريخ الإسلامي ..السلطان المملوكي خليل بن قلاوون

اخترت لكم / محمود حسن

السلطان المملوكي خليل بن قلاوون.

حكم 3 سنوات فتح عكا وأنهى الفرنجة وقهر أرمينيا وخطط لتحرير بغداد وغزو أوروبا لكن قتل وعمره 30 عاما
نشأته

وُلد في القاهرة في عام 662 هجري الموافق 1263 م، وأما أباه فهو السلطان المملوكي قلاوون وأما أمه فهي السيدة قطقطية، وكان لديه ثلاث إخوة وأختان، وهو بعمر ال21 تزوج من إبنة الأمير المملوكي ذو الأصل المغولي سيف الدين نوكيه، وأنجب فقط إبنتان.

توليه لولاية العهد بعد وفاة أخيه الأكبر

كان من المستبعد أن يتولى خليل الحكم، حيث كان أخاه الأكبر علاء الدين علي هو ولي عهد السلطان قلاوون، وحمل لقب الملك الصالح، وخطب له على منابر مصر بعد ذكر الخليفة العباسي والسلطان قلاوون، لهذا كان أمراء قلاوون يفضلون علي على أخيه خليل وكانوا يسيئون معاملة خليل ويكيدون له عند والده، ولكن في عام 1288م مرض علي بن قلاوون فجأة بعد تناوله الطعام ومات، فحزن عليه السلطان قلاوون حزنًا شديدًا، وأشيع بين البعض أن أخاه خليل قد دس له السم في الطعام لتكون ولاية العهد له، وبعد موت الأمير علي فوّض قلاوون ولاية العهد للأمير خليل وخطب له بولاية العهد.

وفي أثناء توليه لولاية العهد قام بإعتقال أبناء الظاهر بيبرس خضر وسلامش وقام بنفيهما، وذلك بسبب أخبار عن محاولة لهم لأخذ الحكم بعد وفاة قلاوون مستقبلا، وخاصة أن إشتداد مرض السلطان قلاوون أصبح خبرا متداولا.

تولي الحكم

تولى الحكم في عام 689 هجري الموافق 1290م، وذلك بعد وفاة أباه السلطان قلاوون، ورغم أن قلاوون جعله وليا لعهده ولكن حصلت بلبلة بسبب عدم قيام قلاوون بتسجيل إسم خليل على مستند التقليد، فتم إعتبار ذلك أمرا منقوصا، ولكن مع ذلك تم تنصيبه، ومنحه الخليفة العباسي أحمد الحاكم شعارات السلطنة، وبايعه الأمراء.

مع ذلك بقي السلطان خليل خائف من أي غدر، حيث اتته أخبار عن سعي الأمير طرنطاي لإغتياله، فنزل من قلعة الجبل إلى الميدان بشعار السلطنة، وجلس بالميدان حيث استحلف له كل الأمراء، ولم يدخل القلعة إلا بعد أن قتل طرنطاي وأقال واعتقل كل الأمراء المعارضين والمشكوك بولائهم.

ألقابه

واما ألقابه فهي:
– الملك الأشرف.
– صلاح الدين
– ناصر الملة المحمدية.
– محيي الدولة العباسية.
– قسيم أمير المؤمنين.
– صلاح الدنيا والدين.

وقد نُقشت ألقاب وأسماء السلطان خليل على نقوده كالتالي: «السلطان الملك الأشرف صلاح الدين ناصر الملة المحمدية محيي الدولة العباسية»، «السلطان الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين قسيم أمير المؤمنين»، «الملك الأشرف صلاح الدنيا والدين».

ويتضح من هذه الألقاب أن الإسم الرسمي والتاريخي لدولة المماليك هو (الدولة العباسية)، ولذلك يصح تاريخيا أن يتم تسمية العصر المملوكي بالعصر العباسي الرابع.

الإستعداد لتحرير عكا

غادر الأشرف خليل القاهرة في السادس من مارس عام 1291م، وبحلول الخامس من إبريل كان جيشه يقف بمواجهة عكا، فنصب الأشرف دهليزه الأحمر فوق تلة مواجهة لبرج المندوب البابوي على مسافة غير بعيدة من شاطئ البحر، وانتشر جيش مصر من نهاية سور مونتموسارت حتى خليج عكا، واتخذ جيش حماة مواقعه عند البحر وعلى ساحل عكا.

بداية الهجوم على عكا.

وفي اليوم التالي بدأت المناجيق برمي الأحجار الضخمة على أسوار عكا وراح رماة السهام يمطرون المدافعين من الفرنجة المتمركزين فوق أبهاء الأبراج وأفاريزها بسهامهم.

ثم استخدم المماليك سلاحاً يدوياً صغيراً يطلق نيراناً كثيفة وسريعة أطلق عليه الفرنجة اسم “كارابوها” وقد أحدث هذا السلاح أضراراً بالغة بالمقاتلين الفرنج وصعب عليهم التقدم نحو المهاجمين المماليك.

وتمكن المماليك من إحداث أضرار وبعض النقوب في الأجزاء الضعيفة من الأسوار، وأخذ الأمير سنجر الشجاعي ومقاتليه على عاتقهم نقب سور برج جديد يسمى برج الملك، فقام الفرنجة بإشعال النار فيه.

رد الفرنجة

اعتمد الفرنجة على الإمدادت والتعزيزات العسكرية القادمة من قبرص إلى عكا عن طريق البحر، كذلك اصبحوا يقومون بغارات ليلية على معسكر المماليك.

وفي الرابع من شهر مايو استرد الفرنجة المحاصرون بعض الثقة والأمل حين وصل الملك هنري الثاني من قبرص. وفي صحبته أربعون سفينة محملة بالمقاتلين والعتاد.

فتح عكا.

لم تنجح التعزيزات الفرنجية في تغيير مسار المعركة، فاستمر المماليك في قصف اسوار عكا حتى بدأت أبراج عكا تصاب بأضرار بالغة نتيجة لدكها المستمر بالمناجيق وتنقيبها عن طريق المهندسين المماليك. فانهار برج الملك هيو وتبعه البرج الإنجليزي وبرج الكونتيسة دو بلوا.

وفي فجر يوم الجمعة في 17 جمادى الأولى 690 هجري الموافق في تاريخ 1291/05/18 م، سمع الفرنجة في عكا دقات طبول المماليك، وقام المماليك بزحف شامل باتجاه عكا وامتداد الأسوار، وكانت الطبول قد حُملت على ثلاثمائة جمل لإنزال الرعب في صدور الفرنجة بصوت هديرها.

وقد ارتدى قادة جيش الفتح عمائم بيضاء، وراحت قوات جيش المماليك تتدفق على شوارع المدينة حيث دار قتال عنيف بينهم وبين الفرنجة، وسادت عكا حالة من الفوضى العارمة والرعب الهائل، واندفع السكان الفرنجة المذعورن إلى الشواطئ بحثاٌ عن مراكب تنقلهم بعيداً عنها، ولا يدري أحد بالتحديد كم منهم قتل على الأرض أو كم منهم ابتلعه البحر.

أعلن الفرنجة إستسلامهم وتسليم المدينة للمماليك، وفر عدد كبير من أمرائهم بمراكبهم، وبقي عدد منهم متواجد في أحد حصون المدينة لترتيب أوضاعهم وشؤون السكان الفرنجة، فأرسل السلطان المملوكي الأشرف الأمير كتبغا المنصوري ليقدم العفو الشامل والأمان بأن يخرج الفرنجة دون خوف، وفعلا غادر الفرسان التوتونيون الفرنجيين مع عائلاتهم.

وبعد مغادرة اولئك الفرسان قام الفرنجة الباقين بالحصن بالغدر وقتلوا الأمير كتبغا المنصوري، فخرج من الحصن الأمير الفرنجي دي سيفري في محاولة لإصلاح الأمر فقام السلطان خليل بقتله وقتل الوفد الذي معه إنتقاما لمقتل الأمير كتبغا المنصوري، ثم خرج باقي الفرنجة وغادروا المدينة بعد أن اخذوا عهودا جديدة بالأمان.

إنتصاره على أرمينيا

نتيجة المساندة الشديدة التي قدمتها أرمينيا للفرنجة خلال الحرب التي شنها خليل بن قلاوون، بدأ في عام 691 هجري الموافق 1292م حربه ضد أرمينيا، فحاصر الأشرف خليل قلعة هرموغلا مقر بطريرك أرمينيا بعشرين منجنيقًا، ولكن كانت القلعة حصينة فلم تستسلم، فأمر بالهجوم المباشر على القلعة، فقاموا بربط السلاسل والشباك على أسوارها، وصعد الجنود وقاتلوا قتالًا شديدًا إلى أن استولوا على القلعة، وقد استمرت هذه الحرب 33 يومًا.

ودخل السلطان خليل دمشق بالأسرى المكبلين بالأغلال، وكان من ضمنهم بطريرك الأرمن، وقام أهل دمشق باستقبال الجيش بآلاف الشموع المضيئة وتزينت المدينة احتفالًا بالنصر، ومن دمشق توجه السلطان خليل إلى القاهرة التي تزينت له من باب النصر وصعد إلى قلعة الجبل من باب زويلة واستقبلته رعيته المحتشدة والمبتهجة بآلاف الشموع.

آثاره العمرانية

بنى في العاصمة القاهرة في مصر قاعة الأشرفية بالقلعة، وكذلك الإيوان الأشرفي، وبنى أيضا قبة الأشرف بجوار مشهد السيدة نفيسة والتي دفن فيها، وفي بلاد الشام بنى منطقة الأشرفية في بيروت حاليا.

مقتله

من قبل تولي السلطان خليل للحكم كانت علاقته مع الأمراء المماليك سيئة، وبعد تولي إعتقل عدد كبير من أمراء أبيه، وأعدم الأمير طرنطاي نائب أبيه، وبعد فتح عكا قبض على حسام الدين لاجين وأعدم الأمير سنقر الأشقر، وفوق هذا كان سابقا قد أزاح المماليك عن منصب الوزارة ومنح هذا المنصب للتاجر الدمشقي ابن السلعوس التنوخي.

فأتاه الغدر من أحد أقرب الناس له، وهو نائبه بيدرا، ففي شهر ديسمبر 1293م ذهب السلطان خليل إلى تروجة القريبة من الأسكندرية في رحلة صيد طيور، وكان في صحبته وزيره ابن السلعوس ونائبه بيدرا، وقد إكتشف إبن السلعوس أن بيدرا قد أخر خراج الإسكندرية دون إذن، فغضب السلطان خليل واستدعى بيدرا إلى دهليزه وراح يعنفة ويهدده في حضور الأمراء، فخرج بيدرا من دهليز الأشرف مضطربًا خائفًا فجمع عددا من الأمراء واتفقوا على قتل السلطان.

وفي 21 ديسمبر 1293، وبينما الأشرف يتجول مع صاحبه الأمير شهاب الدين أحمد بن الأشل، جاءه بيدرا والمتآمرون معه واغتالوه بسيوفهم، وبعد اغتيال السلطان خليل توجه المتآمرون إلى الدهليز ونصبوا بيدرا سلطانًا ولقبوه بالملك الأوحد، ولكنه قتل سريعا وقام الأمراء بتنصيب الأمير الطفل محمد بن قلاوون سلطانا على مصر.

ويعتبر مقتل السلطان خليل وهو شاب بعمر الثلاثين خسارة فادحة للأمة، فقد كان يملك إمكانيات السلاطين المماليك العظماء، وكان يخطط لمهاجمة المغول وتحرير بغداد، وكان يخطط لتحرير جزيرة قبرص لجعلها منطلقا لفتح أوروبا، ولكن مقتله بهذا العمر الصغير أنهى هذه الأحلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.