الصراط المستقيم

السيرة النبوية (25) ..معجزة سورة النجم وسجود قريش

بقلم : الدكتور محمد النجار

ذكرنا في الحلقة (24) بداية الهجرة ونزول سورة الكهف،وهجرة الشباب المؤمنين ولجوئهم للكهف اكثر من 300سنة مع ثلاث قصص توحي كل قصة منها  بمعاني ودروس ومبشرات من قلب المحن،نترككم مع الحلقة( 25).نسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر في نشر سيرة وأخلاق أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم .

انقطاع خبر ابنة النبي رقية :

خرجت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع زوجها عثمان بن عفان  ضمن المهاجرين الى الحبشة  لكن انقطعت  اخبارها  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقدمت امرأة من قريش فقالت: يا محمد قد رأيت ختنك(أي صهرك وزوج ابنتك) ومعه امرأته.

قال النبي  : على أي حال رأيتهما ؟؟

قالت : رأيته قد حمل امرأته  على حمار  من هذه الدبابة، وهو يسوقها .

بعد ان اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم على ابنته مع عثمان بن عفان ، وكما يقول  أنس ابن مالك :

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( صحبهما الله ، إن عثمان  أول من هاجر بأهله بعد لوط عليه السلام  ))  .

عثمان بن عفان :أول من هاجر بعد لوط وابراهيم  : الموسوعة في صحيح السيرة النبويةص323

روى الحاكم  : لما أراد عثمان بن عفان رضي الله عنه الخروج الى ارض الحبشة قال له رسول لله صلى الله عليه وسلم (( اٌخرج بِرُقيَّة معك )) قال: (( إخال واحد منكما يصبر على صاحبه)).

ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم ، أسماء بنت أبي بكر ، رضيى الله عنهما، فقال :  ائتيني بخبرهما)).

فرجعت اسماء الى النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبوبكر، رضي الله عنه فقالت : يارسول الله ، أخرج(تقصد أن عثمان بن عفان أخرج ) حمارا  مو كفاً فحملها عليه وأخذ بها نحو البحر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

(( يا أبابكر ، إنهما لأول من هاجر بعد لوط وابراهيم عليهما السلام)).  المستدرك ج4/46.

وهذا يدل على أن اسلام عمر بن الخطاب كان بعد الهجرة الاولى الى الحبشة، وليس قبلها.

وصول المهاجرين الى الحبشة في شهر رجب :

وصل المهاجرون الى ارض الحبشة في نفس الشهر الذي سافروا فيه وهو  شهر رجب ، فقضوا جزءا من شهر رجب ثم  شهري شعبان ورمضان وجزءا من شهر شوال حيث وقع حدث في مكة كان له تأثير في عودة بعض المهاجرين الى مكة  بعد ما سمعوا عن ايمان قريش برسول الله صلى الله عليه وسلم .

معجزة سورة النجم وسجود قريش رغم كفرها :

يشعر القارئ  لسورة النجم بآياتها المتدفقة بالتأملات  ومافيها من لمسات علوية ودقة وقع موسيقية ومعاني واشراقات إيمانية ..

وانتبه لقلبك كيف يتحرك .. وكيف تتأثر  مشاعرك وخلجات قلبك ،وكيف تتأثر حتى نهاية السورة وفيها السجود .. لنبدأ  سويا :

أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ (33) وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ (34) أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ (35) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ (38) وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَىٰ (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَىٰ (41) وَأَنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الْمُنتَهَىٰ (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَىٰ (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44) 41وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ (45) مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (46) وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَىٰ (47) وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ (48) وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَىٰ (49) وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَىٰ (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَىٰ (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ ۖ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ (54) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ (55) هَٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ النُّذُرِ الْأُولَىٰ (56) أَزِفَتِ الْآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَٰذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ۩   (62)

خرج النبي صلى الله علية وسلم الى الحرم، وفيه مسلمون ومشركون ..وبدأ يقرأ سورة النجم  .. وقد اخذت تلاوة النبي- صلى الله عليه وسلم- لهذه السورة ، وتطرق اياتها القلوب ، وتأخذ بمعانيها افئدة الحاضرين بما فيهم المشركين ، وسيطر الخوف على القلوب .. فكل اية تتلى تزداد وتيرة الرهبة والسكون  حتى وصلت قمتها عند الآية ” أفمن هذا  الحديث تعجبون ، وتضحكون ولا تبكون ، وانتم سامدون ..فاسجدوا لله واعبدوا ..

انها لحظة نداء  الايمان المفطور عليه قلب الانسان بشكل عام

وانها لصيحة مزلزلة للقلب والعقل ،فارتعشت القلوب :

ولم يتمالك أحد نفسه من قوة الآيات  .. فسجد جميع الحاضرين لله ..

ومن ثم سجدوا .. سجدوا وهم مشركون .. سجدوا وهم يمارون في الوحي والقرآن ، سجدوا وهم يجادلون في الله والرسول !  سجدوا تحت هذه المطارق الهائلة التي وقعت على قلوبهم والرسول صلى الله عليه وسلم يتلو هذه السورة عليهم..

وفيهم المسلمون والمشركون .. ويسجد فيسجد الجميع .. مسلمين ومشركين .. لايملكون ان يقاوموا وقع هذا القرآن ، ولا أن يتماسكوا لهذا السلطان ..ثم افاقوا بعد فترة فإذا هم في ذهول من سجودهم  كذهولهم وهم يسجدون  .

وصول خبر سجود المشركين الى الحبشة !

انتشر خبر سجود قريش مع رسول صلى الله عليه وسلم ، وان قريشا اسلمت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى وصل خبر السجود  الى  أهل الحبشة فظنوا أن قريشا أسلمت لله رب العالمين ، فكان خبراً مفرحاً للمهاجرين ، يُنبئ بزيادة عدد المسلمين وامكانية عودة المهاجرين الى دياريهم ورسولهم وكعبتهم في مكة.

 عودة المهاجرين الى  مكة :

غادر بعض المهاجرين الحبشة عائدين الى مكة في شهر شوال من السنة الخامسة للنبوة بعد قضاء ثلاث اشهر تقريبا في الحبشة ،و بعد شيوع خبر اسلام قريش وسجودها  مع النبي صلى الله عليه وسلم

وبعد وصولهم مكة ، أدركوا  حقيقة الخبر  العاري عن الصحة ، وان قريشا لم تسلم مع النبي صلى الله عليه وسلم .. تبينت لهم الحقيقة المحزنة، وعرفوا أن المشركين أشد ما يكونون خصاماً لله ورسوله والمؤمنين، وأن عدوانهم لم ينقطع يوماً…

فقرر البعض عدم دخول مكة  والعودة فورا الى الحبشة ، ولم يستطع الاخرون دخول مكة إلا  مستخفيا  أو بجوار  وحماية أحد كبارها .

روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :

سجد النبي صلى الله عليه وسلم بالنجم ، وسجد معه المسلمون والمشركون والجن والانس..

وراجت على أثر هذا السجود  شائعة  أن قريشا ومن معها  أسلم فرجع بعض المهاجرين، فوجدوا الأمر  على غير  ما شاع ، فرجع بعضهم، ولم يستطع احد منهم دخول مكة إلا  مستخفيا أو بجوار   .

فدخل عثمان بن عفان في جوار  أبي أُحيحة سعيد بن العاص بن أمية ، فأمِن بذلك .

ودخل أبو حذيفة بن عُتبة بِجِوَارِ أبيه .

ودخل عثمان بن مظعون بجوار الوليد بن المغيرة ، ثم قال : أأكون في ذمة مشركٍ!! جِوار الله أعز ، فرد عليه جواره ، وكان لَبِيد بن ربيعة ينشد قريشا قوله :

ألا كلُ شئٍ ما خلا الله باطل …

فقال عثمان بن مظعون : صدقت ، فلما قال :

وكلُ نعيم لا محالةَ زائلُ..

قال : كذبت ! نعيم الجنة لا يزول ، فقال لبيد : يامعشر قريش ماكانت مجالسكم هكذا ولا كان السفه من شأنكم  فأخبروه خبره وخبر ذمته، فقام بعض بني المغيرة فلطم عين عثمان ، فضحك الوليد شماتةً به حيث رد جواره ، وقال لعثمان: ماكان أغناك عن هذا !!! فقال عثمان ب مظعون  : إن عيني الاخرى لمحتاجة ( الى مثل مانالت هذه) .

فقال الوليد بن المغيرة : هل لك أن تعود الى جواري؟

قال : لا أعود الى جوار غير الله .

فقام سعد بن أبي وقاص الى الذي لطم عين عثمان فكسر أنفه ، فكان أول دم أُريق في الاسلام في قولٍ   .

بهذا نختم  الحلقة (25) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة  (26) يوم الجمعة القادم  مع فقه السيرة وظلال النبوة.   مع ملاحظة  احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر.

 

أخوكم د. محمد أحمد النجار 
09 جمادى الاولى 1439هـ
الموافق 26 يناير 2018

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.