الصراط المستقيم

السيرة النبوية ( 48) أول مسجد في الإسلام

 

بقلم الدكتور محمد النجار

الحمد لله على توفيقه لاستئناف نشر حلقات سيرة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، فبعد انتهائنا من نشر حلقات السيرة واحداثها في العهد المكي منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم والاحداث والمواجهات من المشركين ضده وضد اصحابه حتى اضطراره للهجرة ومغادرة وطنه الحبيب الى قلبه مكة والحرم الشريف وعمره في الثالثة والخمسين ،وهو العمر الذي يجب على الوطن تكريم ابناءه البررة الذين شهدوا لهم بالصدق والامانة   وكانت آخر حلقة رقم (47) والتي توقفنا فيها عند وصول النبي ﷺ اطراف ” يثرب” التي سُميت بالمدينة بعد وصوله إليها ، وسوف يصدر قريبا بإذن الله  كتاب  يشمل تلك الحلقات (فقه السيرة وظلال النبوة) في العهد المكي.   

 ونبدأ  اليوم  الحلقة الأولى (48) من حلقات السيرة واحداثها بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم الى المدينة المنورة .

 

الإقامة في قباء  السيرة النبوية ( 48) أول مسجد في الإسلام 10

نزل النبي ﷺ في قُباء عند وصوله الى يثرب “المدينة ، وهي أول منطقة من مناطق المدينة المنورة للقادم من ناحية مكة المكرمة . وقد نزل ﷺ في بني عمرو بن عوف بقباء على كُلثوم بن الهِدْم  ، وقيل : أنه كان يومئذ  مشركا   ، لكن ورد في طبقات ابن سعد أن كُلثوم بن الهِدْم  قد أسلم قبل مقدم النبي ﷺ المدينة ، عن ابن عباس : كان كُلثوم بن الهدم رجلا شريفا ، وكان مسنا ، أسلم قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما هاجر النبي ﷺ ، ونزل في بني عمرو بن عوف نزل على كُلثوم بن الهِدْم ، وكان ﷺ يتحدث في منزل سعد بن خيثمة ، وكان يُسمّى منزل العُزَّاب ، ونزل على كُلثوم بن الهِدْم  أيضا جماعة من أصحاب رسول الله ﷺ  .   ولم يلبث كُلثوم بن الهِدْم بعد قدوم رسول الله ﷺ المدينة إلا يسيرا حتى تُوفِّي وذلك قبل أن يخرج رسول الله ﷺ الى بدر بيسير ، وكان غير مغموص عليه في إسلامه ، وكان رجلا صالحا

فأقام رسول الله ﷺ بقُباء أربعة أيام يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس ، حسب ما تناقله اصحاب المغازي والسير خلفا عن سلف و لم  تثبت في حديث  ، بينما أورد البخاري من حديث أنس : أقام فيهم اربع عشرة ليلة حسب رواية عائشة بقولها : بضع عشرة ليلة  ، وأسس مسجده (مسجد قباء) .  إن أربعة أيام قصيرة وغير كافية لتشمل مظاهر استقبال النبي  صلى الله عليه وسلم واقامة بناء مسجد قباء ، بينما المدة التي ذكرها أنس بن مالك أقرب الى الترجيح ، حيث ان انس بن مالك من الخزرج و ليس من بني عمرو بن عوف فإنهم من الأوس ، وقد جزم بما ذكر فهو أولى بالقبول من غيره ، ولو أن أنساً كان أوسيا من قبيلة بني عمرو بن عوف لكان متهما في شهادته لهم وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سيما خواصهم مثل أنس رضي الله عنه أن يتأثروا بهذه النزعات التعصبية   .

وقد وضع النبي ﷺ أول حجر في قبلة مسجد قباء  ، ثم جاء أبو بكر بحجر فوضعه الى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم أخذ الناس في البنيان ، وكان مسجد قباء أول مسجد بُني في الإسلام   .

نزل  النبي ﷺ قباء ، يوم الاثنين(8) ربيع الاول سنة (14) من النبوة – وهي السنة الاولى من الهجرة ،  (((الموافق 23سبتمبرسنة 622م)))

وفي هذا اليوم تم عمره ﷺ ثلاثة وخمسين عاما كاملا  ، وتم على نبوته ثلاثة عشر عاما كاملا عند من يقول : إنه أُكرم بالنبوة في(9) ربيع الاول سنة(41) من عام الفيل ، وأما من يقول إنه أُكرم بالنبوة  في رمضان عام41 من عام الفيل فعنده يتم على نبوته في ذلك اليوم اثني عشر عاما وخمسة اشهر و18يوما أو 22 يوما  .

اسعد بن زُرارة يأتي متقنعا للنبي السيرة النبوية ( 48) أول مسجد في الإسلام 11

عندما نزل النبي ﷺ في قباء على بني عمرو بن عوف (الأوس) ، كان بينهم وبين (الخزرج)عداوة بسبب الحروب التي كانت بينهم وآخرها معركة بُعاث، فكانت الخزرج تخاف ان تدخل الاوس ، وكذلك تخاف الأوس ان تدخل الخزرج، وكان اسعد بن زرارة من الخزرج قد قتل رجلا من الأوس يوم بُعاث ، ولا يستطيع الدخول الى بني عوف ، فعندما نزل  النبي ﷺ الى بني عمرو بن عوف ، سأل : أين أسعد بن زرارة؟

فقال سعد بن خيثمة: كان يارسول الله قد أصاب منا رجلا يوم بُعاث .  فلما كانت ليلة الأربعاء  جاء أسعد الى النبي ﷺ مُتَقَنِّعا بين المغرب والعشاء ، فلما رآه رسول الله قال : يا أبا أُمامة ، جئت من منزلك الى هاهنا  وبينك وبين القوم ما بينك وبينهم ؟قال أبو امامة: لا والذي بعثَك بالحق ماكنت لأسمع بك في مكان إلا جئتُ ، ثم بات عند رسول الله ﷺ  حتى أصبح ، ثم غدا ، فقال رسول الله ﷺ لسعد بن خيثمة ورفاعة ومبشر ابني عبدالمنذر : أجيروه  ، قالوا : أنتَ يا رسولَ الله  فأجِرْهُ فجوارُنا  في جوارك ، فقال رسول ﷺ: يُجيرُه  بعضُكم ، فقال : سعد بن خيثمة : هو في جواري ، ثم ذهب سعد بن خيثمة الى أسعد بن زُرارة في بيته ، فجاء به مُخاصره ، يدُه في يده ، ظهرا حتى انتهى به الى بني عمرو بن عوف ، ثم قالت الأوس: يارسولَ الله كلنا له جار ، فكان أسعد بن زرارة  بعدُ يغدو ويروح الى رسول الله صلى الله عله وسلم  .

وهذه كانت أول مصالحة حقيقية مبكرة في المدينة المنورة بين الاوس والخزرج على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بناء أول مسجد في الإسلام

السيرة النبوية ( 48) أول مسجد في الإسلام 12
مسجد قباء

اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم مكانا للصلاة في المدة القصيرة التي أقامها في بني عمرو بن عوف بقباء ثم أقام  مكانه مسجدا. قال عمار بن ياسر : ما لرسول الله  بُدٌ من أن يجعل له مكانا يستظل به اذا استيقظ ، ويصلي فيه ، فجمع حجارة فبنى مسجد قباء ، فهو أول مسجد بُني في الإسلام للنبي في المدينة ولعامة المسلمين ، وأول مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه جماعة ظاهراً ,  وإن كان تقدم بناء غيره  من المساجد لكن لخصوص الذي بناه كما تقدم في حديث عائشة في بناء أبي بكر مسجده .  روى ابن أبي شيبة عن جابر قال : ” لقد لبثنا  بالمدينة قبل أن يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسنين نعمر المساجد ونقيم الصلاة ”   .

روى احمد والترمذي عن أبي سعيد: ” اختلف رجلان في المسجد  الذي أُسس على التقوى، فقال احدهما : هو مسجد النبي ﷺ ، وقال الآخر: هو مسجد قباء ، فأتيا رسول الله ﷺ فسألاه عن ذلك ، فقال : هو هذا ، وفي ذلك – يعني مسجد قباء- خير كثير”   .

وقوله تعالى (من أول يوم) يقتضي انه مسجد قباء ، لأن تأسيسه كان في أول يوم حل النبي ﷺ بدار الهجرة .

وقد صلى النبي ﷺ في مسجد قباء  وقبلته الى بيت المقدس  .

أجر الصلاة في مسجد قباء

للصلاة في مسجد قباء أجر عظيم ، ورُويت عنه عدة احاديث نبوية  نذكر منها  :

  • ” الصلاةُ في مسْجدِ قِباءٍ كعُمرةٍ ” رواه الترمذي (324) وابن ماجه (1411) وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم (3872).عن أسيد بن حضير
  • ” من تطهر في بيته وأحسن الطُّهور ثم أتى مسجد قباء لا يريد إلا الصلاة فيه كان له كأجر عمرة ” رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (1421).
  • في الصحيحين عن عبدالله بن عمر أن رسول الله ﷺ: ” كان يأتي قباء يعني كل سبت، كان يأتيه راكبا وماشيا ” قال ابن دينار: وكان ابن عمر يفعله.
  • وعن جابر : أن رسول الله ﷺ كان يأتي قباء صبيحة سبعة عشر من شهر رمضان وكان يصلي الى الاسطوانة الثالثة لمسجد قباء التي في الرحبة   .
  • عن عائشة بنت سعد بن أبي وقاص قالت: سمعت أبي يقول:

(( لأن أصلي في مسجد قباء ركعتين أحب إليَّ من أن آتي بيت المقدس مرتين، لو يعلمون ما في قباء لضربوا إليه أكباد الإبل ))   .

تنويه : الحديث الذي فيه أن صلاة ركعتين فيه كأجر عمرة حديث صحيح، وهو شامل لتحية المسجد وصلاة التطوع والفرض من باب أولى.

 

ثناء الله على أهل قباء المتطهرين

لم يهتم دين بالنظافة والطهارة مثلما اهتم الدين الاسلامي الذي لم يكتف بالنظافة الحسية فحسب ، بل اهتم بالنظافة القلبية والنفسية والروحية ، فعندما يرغب انسان الدخول في الاسلام فإنه يغتسل ليتطهر جسديا ، ثم  التطهر النفسي والروحي الذي يتحقق بالنطق بالشهادتين ، ثم الوضوء للصلاة ، وهكذا في كافة أركان الاسلام . انه دين الله الذي يتناسب مع فطرة الانسان اينما كان .. ولما نزلت الآية (( فيه رجالٌ يحبون أن يتطهروا والله يحبُ المُطَّهرين  )) في بني عمرو بن عوف أهلُ قُباء ، قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أهل قباء ، للأنصار، إن الله قد أحسنَ عليكم الثناء في الطَّهور، فماذا (تصنعون)؟ قالوا : إنا نغتسل أثر الغائط والبول  .

وعن شهر بن حوشب عن محمد بن عبد الله بن سلام عن أبيه قال : لما أسلم أهل قُباء نزلت الآية   ” فيه رجالٌ يُحبون أن يتطهروا والله يحبُ المُطَّهَّرين” فقال رسول الله.. يا أهل قُباء :  ماهذا الثناء الذي أثناه الله عليكم ؟ قالوا : يارسول الله ،  نّجِدٌ في التوراة  مكتوباً علينا الاستنجاء بالماء   .

عن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما نزلت “فيه رجالٌ يُحبون أن يتطهروا والله يحبُ المُطَّهَّرين” بعث رسول  الله ﷺالى عُوَيْمِر بن ساعدة فقال : ما هذا الطهور  الذي أثنى به الله عليكم ؟ فقال : ما خرج رجل منا أو امرأة  من الغائط إلا غسل دبره ، أومقعده ، فقال رسول الله: فهو هذا  .

أول صلاة جمعة للنبي في المدينة

حينما ارتفع نهار يوم الجمعة ، خرج رسول الله ﷺ من قباء ، ويلتف حوله الأنصار من الاوس والخزرج من بني عمرو بن عوف  في ركبه المبارك ، فأدركته الجمعة في بني سالم ، فصلى ﷺالجمعة في ((مسجد غبيب)) الذي في بطن الوادي ((وادي رانُوناء)) وهو على مرمى البصر من قباء ، وكانوا مائة رجل  .

فكانت أول جمعة يصليها  النبي ﷺ بعد النبوة بجموع اصحابه ، وأولُ خطبةٍ جمعة خطبها في الاسلام بعد نبوته. ولم يكن النبي ﷺ قبلها  متمكناً في مكة من صلاة جماعة ظاهرة ، يخطب فيها كالجمعة ، لأن الجماعة المسلمة كانت في مكة قليلة العدد ، تُؤذى بأفدح الإيذاء ، ولم يكن قد أُذن إليها بالدفاع عن نفسها بل كانت مأمورة بالعفو والصفح والصبر والتجاوز عن سفاهة السفهاء ، وغفران السيئات ومقابلتها بالإحسان  ، ويقول الله لرسوله الله ﷺ :

((خذْ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)) الاعراف199.

ويقول الله  للمؤمنين على لسان رسوله ﷺ:

((قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله))الجاثية14

وكانت خطبة النبي الاولى لأصحابه  :

(((أحبوا الله من كل قلوبكم)))

استقبال النبي  بيت المقدس في الجمعة الاولى بالمدينة

استقبل النبي صلى الله عليه وسلم بيت المقدس في أول جمعة صلاها رسول الله ﷺ بالمدينة حين قدم ، فلما أبصرته اليهود صلى إلى قبلتهم تذاكروا بينهم أنه النبي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة  والانجيل  .

سعد بن زرارة ..أول من جمع للجمعة بالمدينة

 

رغم أن الوحي تنزل على رسول الله ﷺ في مكة المكرمة إلا أنه لم  تُقم أول صلاة للجمعة فيها ، بل أُقيمت  في المدينة ، وكان أول أنصاري من الخزرج  يقيم صلاة  للجمعة  هو نقيب بين النجار ” سعد بن زرارة ..أبو أمامة” ، فعن عبد الرحمن بن كعب بن مالك وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره عن أبيه كعب بن مالك يقول :كنت إذا خرجت به الى الجمعة ، فسمع الأذان بها صلى على أبي أمامة “أسعد بن زرارة”  قال : فمكث حينا  على ذلك ، لا يسمع الآذان للجمعة إلا صلى عليه واستغفر له، قال : فقلت في نفسي: والله إن هذا  لعجز  بي، ألا أسأله ماله إذا سمع  الأذان للجمعة صلى على أبي أمامة أسعد بن زرارة ؟  قال : فخرجت به في جمعة كما كنت أخرج، فلما سمع الأذان للجمعة صلى عليه واستغفر له. فقلت له : يا أبت مالك إذا سمعت الأذان للجمعة صليت على أبي أمامة ؟ فقال : أي بني ، كان  أول من جمع بنا  بالمدينة في هزم النبيت من حرة بني بياضة في نقيع يقال له نقيع الخضمات . قلت: وكم أنتم يومئذ؟ قال : أربعون رجلا . رواه أبو داود وابن ماجه، وحسنه الألباني.  وكان ذلك قبل الهجرة.

    وعن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله ﷺ  .           

متى بدأت صلاة الجمعة

كان العرب يسمون يوم الجمعة في الجاهلية : يوم ((العَرُوبَة)) ، وقيل  أن كعب بن لؤي (جد رسول الله ) كان أول من سمَّى الجمعة جمعة ، وكان يقال ليوم الجمعة : العروبة. وقيل : أول من سماها جمعة الانصارُ.  روى الإمام احمد والنسائي وابن خزيمة وابن أبي حاتم عن سلمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : أتدرون ما يوم الجمعة ؟ قلتُ : الله ورسوله أعلم، قالها ثلاث مرات ، قال في الثالثة : ((هو اليوم الذي جمع فيه أبوكم آدم)).

وقد  صلى أصحاب النبي ﷺ الجمعة في المدينة  قبل قدوم النبي ﷺ إليها .  روى عبدالرزاق بسند صحيح عن محمد بن سيرين قال : جَمَّع أهلُ المدينة قبل أن يَقْدَمها رسولُ الله ﷺ ، وقبل أن تنزل الجُمُعَة ، وهم الذين سموها الجمعة ، فقالت الانصار: إن لليهود يوما يجَتمِّعون فيه كل سبعة ايام وهو يوم السبت ، وللنصارى مثل ذلك  وهو يوم الاحد ، فهلُموا – تعالوا – فلنجتمع حتى نجعل يوما لنا نذكر الله ونصلي فيه  ونستذكر، فقالوا : يوم السبت لليهود ، ويوم الأحد للنصارى ، فاجعلوه يوم العَرُوبة ، فاجتمعوا الى أسعد بن زُرارة (أبو أمامة رضي الله عنه ) فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم ، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا ، فذبح لهم أسعد شاةً فتعشَّوا وتغدوا منها لِقِلَّتهم. فهذه أول جمعة في الاسلام  ..  وأنزل اللهُ تعالى بعد ذلك ((ياأيها الذين امنوا إذا نوديَ للصلاة من يوم الجمعة  فاسعوا الى ذكر الله  )).

وما رواه عبدالرزاق أيضا عن ابن سيرين بسند صحيح في قصة تجميع الانصار مع أسعد بن زُرارة، وكانوا يسمون يوم الجمعة يوم العَرُوبة ، صلى بهم وذَكَّرهم فسموْه يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه. وقيل ((سُمِّي بذلك لاجتماع الناس للصلاة فيه))  .

وقال البيهقي : أن مصعب بن عمير كان أولَ من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله ﷺ ، ويحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة  .

انطلاق النبي الى داخل يثرب

السيرة النبوية ( 48) أول مسجد في الإسلام 13وبعد صلاة النبي  الجمعة مع  بني سالم بن عوف  ، حاول رجال بني سالم مع رسول الله ﷺ أن يقيم عندهم ، فقالوا :  يا رسول الله أقم عندنا في العدد والعدة والمنعة ،  فقال ﷺ : خلُّوا سبيلَها.

وانطلق النبيﷺمن بني سالم بن عوف الى  يثرب من ناحيتها الجنوبية بعد صلاة الجمعة ، والانصار يمشون حول ناقته ، ولا يزال كل منهم  ينازع صاحبه الامساك بزمام الناقة تعظيما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولينال كل منهم هذا الشرف العظيم ،ويرد عليهم النبي صلى الله عليه وسلم ((دعوها فإنها مأمورة ، فإنما أنزل حيث أنزلني الله)) . كما ذكره موسى ابن عقبة في مغازيه ومعناه أن مسيري ومنزلي ومستقري بيد الله ، أسير بأمره ، وانزل بمشيئته ، واستقر حيث يريد ، وهذا بيان منه صلى الله عليه وسلم أنه لا يخص بطنا من بطون الانصار ،  ولا دارا من دورهم.

وكان بالمدينة دور كثيرة تُماثل القرى المتلاصقة ، تبلغ تسعا ، وكل دور محلة مستقلة بسكانها ومساكنها ونخيلها وزروعها . فاختار الله لنبيه ﷺ ((دار مالك بن النجار)) لينزل فيها .

وقال صلى الله عليه وسلم :((أنزل على بني النجار ، أخوال عبدالمطلب ، أكرمهم بذلك ))

وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم حين كان يدعوه اشراف بطون الانصار  الى المنزل فيقول ((دعوها فإنها مأمورة ، فإنما أنزل حيث أنزلني الله))

واعترضته القبائل  بكل الشوق والحب والترحاب ، كل منها تود أن تنال شرف ضيافته واقامته ، فعرضت عليه  دار بني بياضة ، فقال لهم : خلَّوا سبيلها ، فانطلقت ، فمرت بدار بني ساعدة ،فاعترضه سعدُ بن عُبادة ورجال بني ساعدة، فقال لهم: خلوا سبيلها ، حتى مرت بدار  بني الحارث بن الخزرج واعترضه سعدُ بن الربيع وعبدالله بن رَوَاحة فقال لهم : خلوا سبيلها  حتى إذا مرت بدار بني عديَّ بن النجار ، وهم أخواله ، فقالوا : يا رسول الله ، هَلُمَّ إلى أخوالك ، الى العدد والعدة والمنعة ، فقال : خلوا سبيلها فإنها مأمورة ، فخلوا سبيلها فانطلقت.

وكان يوما تاريخيا أغر ، فقد كانت البيوت والطرقات ترتج بأصوات التحميد والتقديس ، وكانت بنات الانصار ينشدن ترحيبا وفرحا وسرورا  بمقدمه صلى الله عليه وسلم ..

وقال البخاري في ((التاريخ الصغير))  عن ثابت ابن أنس قال : إني لأسعى مع الغلمان إذ قالوا: جاء محمد، فننطلق  فلا نرى شيئا ، قال: حتى  أقبل  ﷺ وصاحبه، فَكَمَنَّا (أي انتظرنا) في بعض خراب المدينة (أي المناطق الخالية)،  وبعثا  رجلا من أهل البادية يؤذن بهما ،   فاستقبله زهاء خمسمائة من الأنصار فقالوا : انطلقا  آمنين  مطاعين  .

فأقبل رسول الله ﷺ وصاحبه بين أظهرهم ، فخرج أهل المدينة حتى أن العواتق لفوق البيوت يتراءينه يقلن: أيهم هو؟ أيهم هو؟ فما رأينا منظرا شبيها به.

قال أنس: فلقد رأيته يوم دَخَلَ علينا ويوم قُبِض ، فلم أر يومين شبيها بهما.

وروى البخاري من حديث البراء بن عازب ، قال : فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشئ فرحهم برسول الله صلى الله عليه وسلم   ..

و بهذا أختم  الحلقة (48) ونلتقي معكم الاسبوع القادم بإذن الله في الحلقة  (49) مع فقه السيرة وظلال النبوة مع ملاحظة  احتفاظي بالمراجع لعدم امكانية نشرها في الجريدة في الوقت الحاضر..

اسأل الله ان يكتب لنا ولكم الاجر ” صدقة جارية” عن نشر سيرة وفقه أعظم نبي ورسول صلى الله عليه وسلم وان يجمعنا به صحبة في الفردوس الاعلى من الجنة .

السيرة النبوية ( 48) أول مسجد في الإسلام 14

اخوكم د. محمد أحمد النجار

الجمعة  28 ذو الحجة 1440

الموافق الخميس 29 أغسطس 2019

 

ـ

Related Articles

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.