بقلم : ياسر راجح
في غياب العقل النقدي الرافد لكل ما أنعم به الله تعالى علينا من فهمٍ صحيح لمعارف الحياة, يسقط الإنسان منا رغمً عنه فريسةً سهلة في براثن الخرافةِ و الدجل, فحيثما غاب العقل ساد الجهل, و حيثما ساد الجهل إنتشرت الخرافة.
خرافةٍ جديدة
والنفس الإنسانية مجبولةً بطبيعتها على البحث و التأمل فيما حولها من عوالم لإستكشاف ما يهمها فيه و يلزمها من علوم, فإن لم يكن يشغلها في ذلك الحق إنشغلت هي بباطل, و قد إنتشرت في الاونة الأخيرة بشكلٍ كبير صورة معاصرة من صور الباطل, خرافةٍ جديدة, أطلق عليها مروجوها من باب الخداعِ و التدليس إسم ” العلاج بالطاقة”, محاولة مبتكرة, للإلتفاف على عقول الناس و التسويق لممارساتٍ وثنية تقوم على الإستعانة بالجن على أنها علم يهتم بتقوية النفس الإنسانية في مواجهة ضغوط ومصاعب الحياةِ اليومية ومساعدتها على الشفاء و التعافي مما قد يصيبها من أمراض.
إحياء طقوسٍ شركية
و هو أمر عارٍ تمامًا من الصحة و لا أساس له على حد علمي من دراساتٍ علمية ذات نتائجٍ دقيقة مؤكدة معتمدة من جامعات ومعاهد علمية موثوقٍ بها ومعروفة جيدًا على مستوى العالم, و ما هي في حقيقةِ الأمر كما يعلمُ ذلك المنصفين من ذوي التجربة ممن وصلوا لمستوياتٍ متقدمة في دراسة هذا العلم المزعوم, بدافع الفضول, سوى إعادة إحياء لطقوسٍ شركية مستمدة من معتقدات وثنية قديمة منذ ألاف السنين تقوم في الأساس على عبادة الشيطان و الإستعانة به كالهندوسية و البوذية .. إلخ.
يرفضها الوعي الجمعي العام
ولا أدري حقيقةً كيف وردت إلينا تلك الأفكار الغريبة التي تستهدف بلا أدنى شك على المدى البعيد دين المجتمع و هويته الإيمانية الأصيلة الراسخة. لكنني مع ذلك أعترف بذكاء مروجيها و دهائهم, فلم يسوقوا لها أو يقدموها مباشرةً في ثوبها التقليدي ممهورةً بشعارها الوثني الدال على هوية المنشأ بلا تجميلٍ أو مونتاج, لعلمهم الأكيد بحتمية رفض الوعي الجمعي العام لها في مجتمعنا الذي ربما كان متأخرًا كثيرًا عن عالمه المعاصر، لكنه في نهاية الأمر مجتمعًا مؤمنًا, حتى و إن كان إيمانه هذا في أقل تقدير إيمانًا بالوراثة.
ركلةٍ شيطانيةٍ ماهرة
و بدلاً من ذلك روجوا لها كعلمٍ جديد ذاع صيته في بلاد الغرب المتقدمة بالنسبةِ لنا, ليكون رد الفعل الطبيعي المنتظر أن ينبهر الناس بالفكرة و يهتموا بها و لو من باب الفضول أو حتى على سبيل الموضة, ثم تقليدها فيما بعد تقليدًا أعمى كلمعتاد, و يالها من ركلةٍ شيطانيةٍ ماهرة, بلغة كرة القدم, سددها محترفي الدجل و التشويش بقوة نحونا طمعًا في إصابة الهدف, و الهدف قديم و معروف قدم الحياة نفسها منذ بدأت و إلى أن يرث الله الأرض و من عليها, تضليل الوعي العام لتغيير هوية المجتمع بالطريقة من الإيمان إلى نقيضه, في محاولة شريرة أزلية لحصد المزيد من أرواح البشر لترافق الشيطان في أعماق الجحيم:
( قال رب فأنظرني إلى يومِ يبعثون ; قال فإنك من المنظرين; إلى يوم الوقت المعلوم ; قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ; إلا عبادك منهم المخلصين ; قال فالحقُ و الحقُ أقول; لأملأن جهنم منك و ممن تبعك منهم أجمعين ) الأيات من ( 79 – 85 ) سورة ص, نعوذ بالله من هذا المأل.
الصلاة والدعاء والذكر يكفي المسلم
ربما وجدت تلك الأفكار الشاذة و غيرها رواجًا في الغرب حيث يسود مناخًا عامًا من الحرية المطلقة التي تعلو حتى على الدين ذاته, أما في مجتمعاتنا المؤمنة فلا حاجة لنا لأفكارٍ كنلك مع ما هدانا إليه ديننا الحنيف من صلاةً و صيامً و تلاوةً لأيات القرأن الكريم و الدعاء و التقرب إلى الله بما علمنا رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلم من أذكارٍ و أدعية:
الذين أمنوا و تطمئنُ قلوبهم بذكرِ الله ألا بذكرِ اللهِ تطمئنُ القلوب (28), سورة الرعد
و على كلٍ فقد أجمع علماء الدين الإسلامي بل و المسيحي أيضًا على تحريم تلك الممارسات و تحذير المؤمنين من الوقوع فيها, و إعتبار تلك الممارسات شكلاً من أشكال السحر و الشعوذة المحرمة شرعًا, و يمكن التأكد من ذلك ببساطة عن طريق الرجوع لفتاوى دار الإفتاء المصرية الخاصة بهذا الموضوع, فإذا كان إرتكاب الأخطاء و الوقوعُ فيها بحسن نية وارد بكل تأكيد, فإنه لا ينبغي أبدًا التمادي و الإستمرار فيها, فكما قال الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم ” كلُ ابنِ أدمَ خطاءٌ و خيرُ الخطائينَ التوابونَ”, رواه أنس بن مالك.
وأما إذا كان إرتكاب تلك الممارسات الوثنية عمدًا مع العلمِ بحقيقتها عنادًا و إستكبارًا و إستهتارًا فيصدق في مرتكبها إن لم يتوب قول الحق تبارك و تعالى :
ومن أظلمُ ممن ذكرَ بأياتِ ربهِ ثم أعرضَ عنها إنا من المجرمينَ منتقمون (22) , سورة السجدة
21/09/2021