تقارير وتحقيقاتفلسطين

“الغزو الصيني” يضرب صناعة الأحذية في غزة

محل بيع احذية في غزة
محل بيع احذية في غزة

صناعة الأحذية إحدى الصناعات العريقة التي عرفتها فلسطين، وتعتبر إحدى أهم المهن المتوارثة، فمصنع “كوين شوز لصناعة وتجهيز الأحذية” شاهد على عراقة هذه الصناعة؛ حينما كان ورشة صغيرة تطورت مع مرور الوقت لتصبح مصنعًا منتجًا يغطي احتياجات السوق الغزي، ويديره حاليًّا ايهاب ساق الله الذي عمل بجانب والده منذ 28 عامًا فيما توارث أبوه المهنة عن جده.

ويعمل رزق نعيم في صناعة الأحذية منذ ما يقرب من 20 عامًا؛ فهو يمتلك ورشة صغيرة  كانت يومًا من الأيام تضم 35 عاملاً لم يتبق منهم سوى 5 عمال فقط، وعبد الكريم بصل صاحب ورشة لصناعة الأحذية، يعمل في هذه المهنة منذ 15 عامًا رغم أنه خريج جامعي إلا أنه حافظ على استمرارية مهنة الآباء.

الحصار الإسرائيلي يُطبِق الأخشبين

ترزح غزة منذ عقد من الزمن تحت حصار اسرائيلي محكم بدأ في عام 2006، وما زال يطبق خناقه على المهن الحيوية في غزة، ونالت صناعة الأحذية منه حظًّا وافرًا، ووقف عائقًا أمام تطور هذه الصناعة؛ ونقْلِها من اليدوية البسيطة التي تنتج كميات محدودة؛ إلى استخدام المعدات والآلات التي تستطيع إنتاج كميات ضخمة من الأحذية في وقت قصير.

يقول ساق الله: “نستخدم معدات قديمة، ولا نستطيع إدخال معدات حديثة بسسب الحصار الاسرائيلي وتعقيداته، وهناك أنواع معينة من الجلود نفتقدها خلال عملنا، ناهيك عن المادة الخاصة بلصق النعل، التي تمنع اسرائيل دخولها لقطاع غزة”.

ويشير نعيم إلى أن المادة اللاصقة منعت من دخول القطاع منذ حوالي 8 أشهر؛ ويقول: “نعتمد فقط على المخزون، والمشكلة الأكبر أن وعاء المادة اللاصقة (التنكة) كانت بــ 220 شيقلا، أما حاليا، فقد وصل سعرها من 800 لــ 1000 شيقل”. 

فيما يؤكد أن هناك أيضًا مشكلة بإحضار القوالب؛ ويقول: “كنا نسافر إلى مصر لإحضار كافة المواد الخام التي نحتاجها ولكن الحصار وإغلاق المعابر أثر علينا بشكل كبير جدًّا”.

الغزو الصيني يضرب الأسواق

حين تجول بناظريك في الأسواق الغزية تجدها تكاد لا تخلو من الأحذية الصينية رخيصة الثمن التي ما من شك تهدد الصناعة بالاندثار.

وفي توافق للرأي بين ساق الله، ونعيم، وبصل؛ فإنه ورغم الجودة العالية التي يعملون بها، إلا أن المنتج الصيني الذي غزا الأسواق بأسعار منخفضة هو العقبة الأساسية أمام استمرارية هذه الصناعة.

يقول ساق الله: “حاولنا محاربة المنتج الصيني من خلال تخفيض سعر المنتج المحلي ليكون بين 35 و40 شيقلا فقط، إلا أنه ليس الحل الأمثل”.

ويؤكد أصحاب المهنة أن انفتاح السوق المحلية على التجارة في الخارج  جعل المنتج الصيني يحل محل المنتج المحلي بشكل كبير لتغلق الكثير من الورش الخاصة بصناعة الأحذية.

ويقول نعيم: “كان الإنتاج اليومي من 500 لـ700 حذاء، لكن حاليًّا لا يتعدى الـ 50 حذاء منذ دخول المنتج الصيني للأسواق”.

ويردف بصل: “الإنتاج قديمًا لا يقارن به حديثًا من ناحية كمية الإنتاج والتسويق، فالصيني أكبر مشكلة تواجهنا حين يأتي بسعر أقل بكثير من المحلي بينما الجودة لدينا عالية ومكلفة”.

قلة ثقة الجمهور بالمحلي

ويشتكي أصحاب المهنة من قلة ثقة الجمهور الغزي بالمنتج المحلي رغم جودته العالية، فيما ينوه بصل إلى أن الكثيرين ما زالوا يجهلون وجود هذه الصناعة في غزة؛ كما يرى أن الزبائن يبحثون عن السعر الأقل نظرًا للوضع الاقتصادي السيئ الذي يعيشه القطاع.  

وحول الإقبال على تعلم المهنة يقول نعيم: “تعلم على يدي من 30 عاملاً جميعهم تركوا (الصنعة) بعد دخول المنتج الصيني”.

ويقول ساق الله: “لا يوجد أجيال ترغب في تعلم (الصنعة)، فلا فائدة مرجوة منها ولا مستقبل ينتظرها”.

وتكاد المؤشرات كافة تشير إلى دنو أجل هذه الصناعة، إذا لم تؤخذ مشاكلها على محمل الجد ويعود مجدها.

دور جهات الاختصاص في حماية الصناعة

وحول حماية هذه الصناعة يقول المهندس بهاء الجدبة، رئيس قسم الصناعات التحويلية في وزارة الاقتصاد الوطني: “اتخذنا إجراءات جديدة لنعيد لهذه الصناعة نشاطها، واتفقنا في اجتماع عقد قبل فترة على تطبيق المواصفات الفلسطينية على عدة منتجات تدخل للقطاع، وفي الفترة المقبلة ستطبق على الأحذية لتقييد المستورد ومنع الرديء”.

ويؤكد بكر حبوب من اتحاد الصناعات الجلدية الفلسطينية، أن المنتج الصيني أكبر مشكلة تواجه قطاع صناعة الأحذية، فيما يطالب الاتحاد وزارة الاقتصاد بوضع حل لتفادي اندثار الصناعة المحلية.

ويقول حبوب: “خاطب الاتحاد وزارة الاقتصاد أكثر من مرة لإنقاذ صناعة الأحذية في غزة، ونطالب على الأقل بإلغاء الرسوم والعلاوات المفروضة على المواد الخام تشجيعًا للمنتج المحلي”.

ويقف الاحتلال الاسرائيلي عائقًا أمام دخول العديد من المواد الخام التي تعتبرها ذات استخدام مزدوج، وينوه الجدبة إلى أن وزارة الاقتصاد تقوم فقط بمعالجة هذه المشاكل بترتيب خاص أو إدخال شحنات محددة، إلا أنها لم تدخل القطاع منذ بداية العام الجاري.

وحول اقتراح أصحاب الصناعة بعمل “كوتة” لتحجيم دخول المنتج الصيني، يقول الجدبة :”حاولنا سابقًا ولأكثر من مرة وما زلنا نحاول وضع قيود على المستورد إلا أننا لا نستطيع منعه”.

وفيما يتعلق بالمتابعة والإشراف من قبل وزارة الاقتصاد، يقول حبوب: “لا يوجد متابعة دورية لمشاكلنا ومحاولة لحلها، ومطلبنا هو وضع قيود على المنتج المستورد، فما تتم صناعته محليًّا يجب منع استيراده حتى تنتعش الصناعة”.

ويشير الجدبة إلى أن وزارة الاقتصاد الوطني تعتزم عقد اجتماع قريبًا لتجار الصناعات الجلدية مع الصانعين، لتتبع مشاكلهم ومحاولة وضع الحلول الملائمة لإنعاش هذه الصناعة من جديد.

%d9%85%d9%86%d8%a7%d9%84-%d9%8a%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d9%86

غزة / تحقيق : منال ياسين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.