أراء وقراءات

الــزواج

بقلم / هاله أبو القاسم عبد الحميد

في شهر يوليو الماضي من عام 2021م  حدثت مجموعة من جرائم قتل الازواج للزوجات وقتل الزوجات للأزواج  لماذا وصلنا إلى مثل هذه الحالات  والمواقف وخراب بيوت وتشرد أطفال ، هل البنت تركت بيت والدها لكي تُهان أو تُقتل ، أو العكس ، أم أن الشباب لا يعرفون ما هو الزواج .

مفهوم الزواج :

الزواج لغويّاً يعني اقتران شيءٍ بآخر وارتباطه به بعد أن كان كلّ واحدٍ منهما مُنفصلاً عن الآخر ويُشكّل كياناً خاصاً به، إلا أنّ مصطلح الزواج يُستخدم حَصريّاً للدلالة على زواج رجلٍ من امرأةٍ على سبيل الدوام والاستمرار بهدف تكوين أسرةٍ. الزّواج شرعاً عبارةٌ عن حلّ استمتاع كلٍّ من الزوجين بالآخر طلباً للنسل والذريّة على الوجه المشروع.

الحكمة من الزواج :

فهل الشباب يعرفون ما هي الحكمة من الزواج ، إن الغرض من الزواج ليس علاقة أو شهوة ولكن الزواج شركة بين اثنين ، لا تقوم على رأي شخص واحد فقط ولكنها بين اثنين كل منهما له رأي وكيان ، ولذلك لابد من الوصول لرأي واحد لتحقيق هدف واحد لكي تستقر هذه العلاقة ويستمر الزواج ، ولا يستمر من خلال تنازل أحدهما ، لأن لو حدث ذلك نهاية التنازل ستكون عواقبه وخيمة .


فالحكمة من الزواج أن  يُحقّق الزّواج أغراضاً مُتعدّدةً للطرفين الذكر والأنثى غير قضاء الشهوة لكلٍّ منهما؛ بل إنّ هناك أغراضاً أخرى يُحقّقها الزواج ترتبط بالمجتمع وصلاحيته، نذكر من هذه الأغراض ما يلي: الزواج رابطةٌ روحيةٌ بين الزوجين تعتمد على المودّة والرحمة؛ فتكون الزوجة أمينةً على سرّ زوجها، ويؤنس كلٌّ منهما الآخر ويُعينه على تحمّل أعباء الحياة حلوها ومرّها؛ حيث قال سبحانه وتعالى: (ومن آياته أن خَلَق لكم من أنفسكم أزواجاً لتَسكنوا إليها، وجَعَل بينكم مودّةً ورحمةً) [الروم:21]، فقد وَصَف الله عز وجل العلاقة القائمة بين الزوجين وصفاً دقيقاً في هذه الآية، وإذا انتفت هذه الخاصية بين الزوجين وأصبحت الحياة بينهم صعبة والتفاهم مستحيلاً أجاز لهما الشرع أن يَفترقا بالطلاق دون مشاكل أو محاكم ودون صراعات بينهم للوصول من الغالب والمغلوب .

فالزواج هو الطريقة الشرعيّة والصحيحة التي تنظّم وتحمي النسل حفاظاً على استمرار النوع البشريّ؛ حيث قال نبيّنا الكريم صلى الله عليه وسلم بما معناه تزوّجوا الودود الولود فإنّي أباهي بكم الأمم يوم القيامة، كما أنّ الزواج يُحافظ على الأنساب؛ فبغير الزّواج الشرعي تنتشر الفاحشة بين الناس وتختلط الأنساب فلا يَعرف الأخ أخته ولا الأب ابنته ممّا يتسبّب بنشوء مُشكلاتٍ اجتماعيةٍ كبيرةٍ ويُصبح المجتمع مُفكّكاً تكثر به حالات الانحراف عند الشباب، وما نراه في بعض المجتمعات من انتشار الأمراض الجنسية هو خير دليل على أهميّة الزواج .

الزواج يؤدّي إلى تكوين أسرةٍ، والأسرة هي اللبنة الأولى في المجتمع؛ فإنّ الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، فعندما تكون الأسرة صالحةً ناتجةً عن زواجٍ صالحٍ يصلح المجتمع بأكمله. الزواج فرض على المسلم القادر تتغير صفة الزواج حسب الحالة التي يكون عليها الشخص؛ فيصحّ الزواج فرضاً على الشاب المسلم إذا كان قادراً على الإنفاق على بيته وأسرته ، فالزوج هو المسئول عن الانفاق على زوجته واسرته ، لكننا نجد حاليا الزوج يمكث في المنزل والزوجة تشتغل وتصرف على البيت ، ما هو دور الرجل ، أين السند للزوجة ، أين القدوة للأولاد، فأيها الزوج واجبك نحو الزوجة أن ترعاها وتعيشها عيشة أفضل ما كانت في منزل والدها أو مثلها ، وأنت أيها الزوجة عليك أن تصوني زوجك ومنزلك وأولادك .
فعن عائشة أمُّ المؤمنينَ -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (تخيَّروا لنطفِكم وانْكحوا الأَكْفاءَ وأنْكحوا إليْهم).


إن الرَّوابط المتشكِّلة عن طريقِ الزَّواجِ تنتجُ عادةً عن الانسجامِ الحاصل بينَ العائلتينِ المجتمعتين، وهذا الانسجامُ ينبني عادةً على سلسلةٍ من الأمورِ المشتركة بينَ الأفرادِ، فالمرأةُ الغنيَّةُ على سبيلِ المثالِ إن تزوَّجت من رجلٍ فقيرٍ جداً فإنَّها ستفتقد حياتها القديمة وما اعتادت عليهِ من رفاهية العيش، وقد تبدأُ هي وعائلتها بالضَّغطِ على هذا الرَّجلِ ليوفِّرَ لها أسلوبَ حياتها السابق، ممَّا قد يُحدِثُ فجواتٍ وشقاقاتٍ تُزعِزعُ استقرارَ هذا الزَّواج. وكذلك هو الحال فيما لو تزوَّجت المرأةُ الشَّريفةُ ذاتُ السِّيادةِ برجلٍ خسيسٍ فلابد من شروط التكافؤ  بين العائلتين لأن هذا بيؤثر مع مرور الايام على العلاقة الزوجية بين الازواج، ولذلك بتتم فترة الخطوبة حتى يعرف  العائلتين بعضهما البعض فالزواج ليس قائم على فرد فهذا نسب –قال تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ)،فالنسب: المقصودُ بالنّسب معلوميَّةُ أصولُ الآباء والأجداد، وهو أمرٌ كان يتفاخَرُ به العربُ سابِقاً، ولعلَّ الفكرةَ في معرفة الأصولِ هي التَّأكدُ من خلوِ النَّسبِ منَ الُّلقطاءِ والزِّنا والزِّيجات الغير شرعيَّة، ومن ذلكَ أيضاً الحَسَبُ؛ وهي الطبائِع الحسنة التي تتَّسمُ بها العائلاتُ على المدى البعيد؛ كأن يُعرَفوا بالجودِ والكرَمِ والشَّجاعةِ والعلمِ والتّقوى، والفقهاء يعتبرونَ النَّسبَ ويجعلونه من الكفاءةَ لتتزوّجَ شريفةُ النَّسبِ من الشَّريفِ لا من الخسيسِ ولتتزوَّجَ من العربيِّ لا من الأعجميِّ ، فالأهمُّ من ذلكَ هو الدِّين، وقد أشار إلى ذلكَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداعِ قائلاً: (لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ، ولا لأبيضَ على أسودَ، ولا لأسودَ على أبيضَ إلَّا بالتَّقوَى والعمل الصالح).

فأيها الازواج بيوتكم أسرار لا تتباهى بها ولا يعرف احداً عنك شيئاً وعند الانفصال ، لا تخرجوا أسرار بيوتكم ، واذا كانت الحياة مستحيلة بينكم لا تضغطوا على أنفسكم حتى لا تنتهي الحياة الزوجية بنهاية مأساوية ، حلوا مشاكلكم قبل أن تتفاقم ، وقبل ما يدفع ثمنها الاولاد ، أو أحد منكم بنهاية حياته نهاية مأساوية حتى لا يختفي بريق الذهب .

الاثنين 2 أغسطس 2021 م

هالة أبو القاسم عبد الحميد
موجهة بالتربية والتعليم

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.