الفن والثقافة

الكيمياء.. الملح والحب والصابون.. جديد هيئة الكتاب

 

بقلم/ حاتم السروي

صدر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وضمن سلسلة “ما” لتعريف الشباب والناشئة بمبادئ العلوم والفنون، كتاب “ما الكيمياء” لمؤلفه الدكتور/ حسن أحمد شحاتة، أستاذ الكيمياء الفيزيائية بكلية العلوم- جامعة الأزهر.

ويقع الكتاب في تسعة فصول غير المقدمة والمراجع، ففي الفصل الأول يعرفنا المؤلف ماهية علم الكيمياء ونشأته، وفي الفصل الثاني يبين لنا فروع علم الكيمياء، ويتحدث في الفصل الثالث عن الكيمياء الحيوية، أما الرابع فهو مخصص للكيمياء الخضراء وهي فرع من الكيمياء يسعى إلى منع أو تقليل الانبعاثات التي تسببها عمليات التصنيع الكيميائي مثل الصناعات الدوائية، والبترول والبلاستيك، ويشير المؤلف في الفصل الخامس إلى بعض الظواهر الكيميائية، أما الفصل السادس فيوضح لنا فيه مجالات تطبيقات الكيمياء، والفصل السابع يأتي بعنوان الكيمياء والمطبخ، أما الفصل الثامن فهو عن عجائب الكيمياء أو الكيمياء المبهرة، والفصل التاسع والأخير هو عن بعض علماء الكيمياء العرب.

ويوضح لنا المؤلف أن الكيمياء مهمة جداً في حياتنا اليومية، حيث تدخل تطبيقاتها في صناعة الأطعمة والمنظفات والملابس، كما تؤدي دوراً في عواطف الأشخاص، وكل ما يمكنهم رؤيته ولمسه، ومع أن هناك أمثلة واضحة على أهمية الكيمياء في الحياة إلا أن هناك أمثلة كيميائية قد تفاجئ بعض الأشخاص؛ حيث نجد أن 99% من جسم الإنسان يتشكل من عناصر كيميائية، تشمل كل من: الأوكسجين والنيتروجين والهيدروجين والكالسيوم والفوسفور والكربون، وبعض العواطف والانفعالات تنتج عن إشارات كيميائية داخل الجسم.

ويضيف المؤلف أن الناقلات العصبية تعد من أهم الناقلات الكيميائية في الجسم، فمشاعر الحب والغيرة والحسد تنتج بسبب إفراز الجسم لمواد كيميائية كالدوبامين، كذلك نجد أن المنظفات والصابون يتم تصنيعها من أملاح الأحماض الدهنية للصوديوم أو البوتاسيوم، ويحتوي كل جزيء من الصابون على سلسلة هيدروكربونية طويلة يتكون طرفها من مجموعة الكربوكسيل. ويشير المؤلف إلى أن علم الكيمياء يشمل ستة فروع رئيسية، وهي: الكيماء العامة، الكيمياء الفيزيائية، الكيمياء العضوية، الكيمياء غير العضوية، الكيمياء التطبيقية، الكيمياء الحيوية. وقد ظهر حديثاً تخصص جديد يضاف إلى فروع الكيمياء وهو ما أُطلِقَ عليه “الكيمياء الخضراء”.

وبصفة عامة يهتم علم الكيمياء بدراسة المادة وخصائصها وكيفية اتحاد عناصرها أو انفصالها، وكيفية تفاعلها، كما تعد الكيمياء جزءاً أساسياً في كل ما هو موجود بالحياة، لأن المادة فينا وفي الشارع والملابس والسيارات والأغذية والدواء، بل إن الكيمياء تدخل في أبسط الأمور كتنظيف البيوت، كما تدخل في أعقدها كإقلاع مركبات الفضاء، وتدخل الكيمياء أيضاً في مجالات البيئة والمياه والزراعة والجيولوجيا، ولها دور مهم في معامل الأدلة الجنائية.

ويتابع المؤلف قائلاً: كذلك نجد أن مطهرات الجروح ما هي إلا سوائل ومحاليل تم تحضيرها في المعامل بنسبٍ محددة، كما أن مساحيق الخبيز وغيرها من مواد تستخدم في المطبخ، مثل: الخل والسكر وملح الطعام والنشا والفانيليا، كلها ليست إلا مركبات كيميائية.

ويعرج بنا المؤلف على أصل كلمة “كيمياء” فيذكر أن هناك أقوال عديدة حول أصل اشتقاق الكلمة، فنجد مثلاً مجموعة من المتخصصين في العلوم يؤكدون أن الكيمياء كلمة عربية مشتقة من لفظة “كمي” ومعناها: المستور والمخفي؛ وربما يرجع ذلك إلى أن الكيمياء خلال القرن الرابع الهجري لم تكن معروفة للجميع، وإنما كانت محصورة ومتداولة بين فئة قليلة من الناس؛ حيث كان الاعتقاد السائد وقتئذٍ أنه يمكن يمكن بواسطة الكيمياء تحويل بعض المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة، وقد أشار البعض إلى أنه يمكن بواسطة الكيمياء تحضير إكسير الحياة، الذي يعيد الشباب والصحة للإنسان – حسب اعتقادهم-  في حين يرى بعض المتخصصين أن الكيمياء هي كلمة مصرية مشتقة من “كيمت” بمعنى: الأرض السوداء والمقصود تربة وادي النيل. وتعد الكيمياء من الأسرار المصرية القديمة؛ حيث كانت تعرف باسم “سر الكهنة” ويقول فريق ثالث إن الكيمياء مشتقة من “خيما” وهي كلمة إغريقية بمعنى التحليل.

وأشار المؤلف إلى حقيقة أن علم الكيمياء يلقب بـ “العلم المركزي” وذلك لدوره الجوهري في ربط العلوم الطبيعية ببعضها، والعلوم الطبيعية منظومة متكاملة لا يستغني فيها علمٌ عن الآخر، وتشمل الفيزياء وعلوم الأرض وعلم الفلك وعلم الأحياء وعلم الرياضيات، ومن المهم أن نعرف حقيقة أن الفيزياء تدرس المادة أيضًا لكن مجالها يركز على كميات الفضاء والمادة، والقوانين التي تحكمها، وبذلك تكون الكيمياء ضمن منظومة العلوم الفيزيائية لكنها لا تتفرع عن الفيزياء بل هي دراسة مستقلة بنفسها.

ويتحدث المؤلف بوضوح واختصار عن مراحل تطور علم الكيمياء فيخبرنا أنها ثلاث، وهي كما يلي:

  • المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل التاريخ:

إذ يعد اكتشاف الإنسان للنار بمثابة نقطة تغير جوهرية في حياته وأساليب معيشته، فقد تمكن من اكتشاف بعض التفاعلات، التي كان يجريها بأسلوبٍ مبسط؛ حيث استخدم النار في أمور حياته العادية كطهي الطعام أوغلي الماء، وكان هذا نموذجًا للتفاعلات الكيميائية في أبسط صورها في عصور الإنسان الأولى.

والطهي هو عملية يتم من خلالها تجهيز الأطعمة بحيث تكون صالحة للأكل، عن طريق تجهيز وخلط المكونات، وفي أغلب الحالات باستخدام الحرارة. وبعبارة أخرى نقول إن الطهي أو الطبخ وسيلة لمعالجة الطعام، وبدونها لن تكون معظم الأطعمة صالحة للاستهلاك البشري.

وتتلخص أهم العمليات التي يقوم بها الطهي فيما يلي:

  • الغليان: وهو طهي الأطعمة السائلة، ويحدث عند نقطة الغليان؛ حيث تصل الحرارة إلى 100 درجة مئوية.
  • الخبز: وهو عملية طهي الطعام في الفرن، وفي أثناء الخبز تتحول الرطوبة الموجودة في الطعام إلى بخار، وهذا البخار بدوره يختلط بالحرارة الجافة للفرن وبالتالي ينضج الطعام.
  • الشواء: وهو عملية طهي الطعام بالحرار الجافة والمباشرة، وهناك العديد من مصادر الحرارة الجافة المستخدمة في الشواء، مثل: الفحم، الغاز، والمشاوي الكهربائية.

وبعد اكتشاف النار تمكن الإنسان من اكتشاف بعض المعادن؛ حيث طوعها لاستخداماته البدائية في ذلك الوقت، فاستخدمها لقطع فروع الأشجار أو كأسلحة للدفاع عن نفسه ضد الحيوانات المفترسة، وتدلنا الآثار المصرية القديمة على أن الإنسان القديم اكتشف بعض المعادن، مثل: الذهب والبرُنز، ونجح في تشكيلها لاستخدامها في صناعة أدوات الزينة والحلي، كما نجح في مزج بعض العناصر كالنحاس والقصدير، واستخدم ذلك الخليط – الذي عرف فيما بعد بالسبيكة- لصناعة الأسلحة وأدوات الحراسة بمواصفات ذات صلابة ومتانة أعلى من صناعتها من عنصر واحد.

ثم كان الإغريق أول من فكروا في أصل المادة ووضع ما يعرف بـ “وحدة بناء المادة” وفي عام 600 قبل الميلاد أفاد أحد الفلاسفة الأقدمين وهو “طاليس” بأن الماء هو المادة الأساسية لكل ما هو متواجد في الطبيعة، وربما يرجع ذلك لاعتقاداته الدينية، ثم ظهرت نظرية “العناصر الأربعة” وهي: التراب، والماء، والنار، والهواء، وكان أول ظهورها على يد فلاسفة “أثينا” الذين توصلوا إلى الاعتقاد بأن هذه العناصر هي أصل كل شي؛ فقد أعلن الفيلسوف “أرسطو” بأن أساس المادة هي العناصر الأربعة المذكورة، ويضاف إليها بعض الخصائص، مثل: الحرارة والرطوبة وغيرهما. وقد سادت تلك الفكرة حتى نهاية القرن الثامن عشر للميلاد.

ثم حدث تطور كبير في الفكر الإنساني بشأن وحدة بناء المادة؛ حيث ظهرت فكرة تكون المادة من وحدات صغيرة للغاية أطلقوا عليها اسم “ذرات” وهي لا تفنى حسب القانون العلمي، وهذا لا يعني مصادمة المفاهيم الدينية، فهي لا تفنى طالما بقيت الدنيا.

  • ثم تأتي المرحلة الثانية من مراحل تطور علم الكيمياء، وهي مرحلة علم الصنعة:

وتستند إلى مفاهيم قديمة ارتبطت بعلم الكيمياء وبعض العلوم الأخرى كالفيزياء والفلك والطب واكتشاف المعادن وغيرها، وتعتبر هذه المرحلة هي أصل الكيمياء الحديثة، وقد فسر الكيميائيون القدماء بعض الظواهر الطبيعية التي عجزوا عن تفسيرها بأنها ظواهر خارقة، واستخدموا ما يعرف باسم علم الصنعة، وهو علم يرتكز أساسه على السحر، وقد استخدموا رؤيتهم الوجدانية في تفسير بعض الظواهر.

وعمومًا يمكن القول بأن الكيمياء القديمة كانت تسعى إلى هدفين أساسيين، وهما:

  • تحويل المعادن الرخيصة إلى معادن نفيسة ذات قيمة، كتحويل الحديد والنحاس إلى فضة أو ذهب.
  • الحصول على علاج يعالج الإنسان من أي مرض يصيبه ويطيل له في عمره – وفق تصورات بعض القدماء- وعرف هذا العلاج المرغوب في الحصول عليه باسم “إكسير الحياة”.
  • ثم تأتي المرحلة الثالثة وهي مرحلة الانفتاح الكيميائي:

وهي المرحلة الحديثة التي شملت التطورات المتلاحقة في مختلف فروع العلوم النظرية والتطبيقية، وما واكب ذلك من التوصل إلى نظريات جديدة، واكتشافات علمية متطورة ظهرت آثارها على البشرية جمعاء من خلال تلك الطفرة التي رأيناها في كافة المجالات.

وأشار المؤلف إلى العصر الإسلامي وتطور علم الكيمياء فيه على يد بعض العلماء البارزين والذين كان أشهرهم جابر بن حيان، وقد اعتبر عدد من المؤرخين القرن التاسع الميلادي بمثابة العصر الذهبي للحضارة الإسلامية، وذلك لفضل العلماء المسلمين في وضع أصول العلوم وأسسها، وعلى رأسها علم الكيمياء، وذلك عن طريق ترجمة علوم الأمم السابقة وتصحيح ما ورد فيها من أخطاء و البناء على الصحيح منها لتقديم إضافات مثمرة ومهمة، ويعود الفضل للعلماء المسلمين في استخدام الملاحظة الدقيقة وإجراء التجارب للوصول إلى تفسيرات ترتكز على أسس ومبادئ علمية.

ويضيف المؤلف أن الكيمياء ارتبطت بظهور المنهج التجريبي عند العرب والمسلمين؛ حيث تميز القرن التاسع الميلادي باستخدام العناصر والمعادن الكيميائية في تحضير العقاقير الطبية واستخدامها في علاج الأمراض، وقد برع في الكيمياء علماء العرب، وكلمة عرب هنا تعني أنهم من الجزيرة العربية رأسًا وليسوا من بلاد فارس، فمثلاً نجد أنه من أبرز من برعوا في الكيمياء نجل الخليفة الأموي يزيد بن معاوية واسمه خالد بن يزيد، وقد استهواه العلم فقرر أن يترك السياسة وفتنتها ويتفرغ للكيمياء، والتي وضع فيها بعض الكتب التي ترجمت إلى لغات أخرى.

وقد كان جابر بن حيان هو أول من اكتشف “الماء الملكي” و”ماء الذهب” واكتشف “تظرية الفلوجستون” ويعني بها أن كل العناصر قابلة للاشتعال بسبب وجود عنصر “الفلوجستون” فيها ويعتمد مقدار اشتعال المادة على كمية الفلوجستون الذي فيها، فكلما زادت كمية الفلوجستون في المادة المحترقة زادت سرعة احتراقها وقلت كمية الرماد المتخلفة عنها، وقد فسرت لنا هذه النظرية أيضًا ظاهرة تحول بعض المواد إلى “أكاسيد” وذلك لفقدانها عنصر الفلوجستون عبر التسخين في الهواء، ورغم أن هذه النظرية قد ثبت فشلها مع بعض العناصر مثل “الزئبق”  لأنه أثناء التسخين في الهواء يتحد مع “الأوكسيد” فيزيد وزن العنصر ولا يفقد الفلوجستون أثناء الاشتعال، لذلك لا يمكن العمل بهذه النظرية مع كل العناصر، لكن تبقى لها أهميتها رغم ذلك.

وللكيمياء فوائد عدة يلخصها لنا المؤلف، فهي تيسر لنا الاستفادة من المواد المستخدمة عن طريق إعادة تدويرها وإنتاجها بأشكال جديدة ومفيدة، وهي تمكن الإنسان من استغلال المواد الخام وتحويلها إلى مصنوعات يستعملها في حياته وبعضها ضروري لا غنى عنه، وقد نجح الإنسان بالكيمياء أن ينتج المواد الحافظة التي تحمي طعامه من التعفن وتبقي عليه لفترات مناسبة، وبالكيمياء نجح الإنسان في تصنيع خيوط معملية يحيك بها ملابسه التي يحتاجها حسب فصول السنة، كما تمكن الإنسان من صنع المبيدات الحشرية التي تحمي محاصيله الزراعية من الآفات، وتدخل الكيمياء في صناعة الأدوية المختلفة، وتقدم الكيمياء العلاج الإشعاعي اللازم لعلاج بعض الأورام، وتستخدم لصناعة الأسمدة اللازمة لتخصيب بعض أنواع التربة، وتساعد الكيمياء على فحص مستوى السكر في الدم، ومعرفة نسبة الكوليسترول في الجسم. وفي الكتاب فوائد أخرى عديدة أكثر من التي ذكرناها وهو جهد علمي يحسب لمؤلفه ولا غنى عنه للناشئة وأيضًا لغير المتخصصين.

جدير بالذكر أن هذا الكتاب يأتي في إطار سعي الهيئة العامة للكتاب الحثيث لبناء الإنسان المصري وتزويد الشباب بالمعرفة التي ترتقي بهم وتنير عقولهم وتعينهم على تحديد وجهتهم في الحياة.

حاتم السروي كاتب وقاص ومسئول خدمة المؤلف بالهيئة المصرية العامة للكتاب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.