اللا تعليم المجَّاني والتعليم الموازي..
كتب د/ نادر جمال نجم
إن مشكلة التعليم لهي المشكلة الأوُلى وكذلك الأوْلى، ولعلها تحتل نفس المكانة في ترتيب الأمور المنسية والمتروكة دون بحثٍ جادٍ وحازم. وكأننا نضيع عمداً ذاك المفتاح السحري لبوابة المجد والتقدم. إذ أننا نخطئ جداً عندما نكرر إهمالنا للتعليم بشتى الطرق ونريد نتائجَ مغايرة تتسم بالتقدمية. ومن ثم يكون هذا الواقع الرثُّ مبرراً أيما تبرير.
ولعل عملية التقييم ستكون خدّاعة جداً حال اكتفائنا بحصرِ هذا العدد الهائل من الشهادات الجامعية التي تمنحها الجامعات سنوياً للطلاب والدارسين مثلاً، لنرتكن بهذا إلى نتيجة مفادها أن الأكثرية متعلمةً كفاية. فإننا لا نرتكب فقط عندها مغالطة منطقية في كوننا اعتبرنا أن حامل الشهادة قد حاز العلم المطلوب. ولكننا أيضاً نتسرع بالقدر الكافي لئلا نسأل عما تعلَّمه الدارس خلال سنوات دراسته الجامعية. وهل هذا ما يجب أن يتعلمه؟ وهل تعلمه فعلاً؟ ولعلني أولي النظر لهذه المرحلة لأنه ليس هنالك مجلس أعلى للتعليم يقر المقررات محل التدريس كما ليس هنالك على الأقل معياراً متفقاً عليه لما يتم تدريسه؛ إنما يظل الطلاب يدرسون في أبحاث السادة الأساتذة التي نالوا بها درجات الماجيستير والدكتوراة عوضاً عن أمهات الكتب. ومن هنا تتجلى أزمة الكتاب الجامعي؛ تلك الآفة التي مازالت تنخر في بنيان التعليم الجامعي حتى قوضته وأحالته إلى عملية هزلية. ولعل التعليم في المراحل الأسبق لا يبرء هو الآخر من كونه لا تعليما أيضاً وكذلك ليس مجانياً.
ولهذا أستطيع أن أجيب إجابة جازمة بـ(لا) على كلا السؤالين بالأعلى، ليس فقط لعدم وجود ذلك المعيار بالأعلى، وإنما لأنه نادراً ما تجد واحداً من حاملي الشهادت يدرك ما تعلمه، فأكسبه العلم لساناً وأخلاقاً وفكراً. بينما يقف السواد الأعظم من الطلاب والدارسين على عتبة تخصاصتهم العلمية، التي نالوا فيها شهادات عليا، دون دخول!!
على سبيل المثال، إذا ما نظرنا لخرجي كلية الآداب تخصص أحد اللغات مثلاً، سنجد أنه بعد إتمامه أربعة أعوام من الدراسة الجامعية، يظل بحاجة ماسّة إلى أن يلتحق بأحد المراكز الخاصة لتعلم المحادثة والترجمة وربما تعلم اللغة من جديد، وكذلك خريجي كلية التجارة هم بحاجة ماسة أيضاً لمثل هذه المراكز لتعلم المحاسبة وغيرها من فنون التجارة. وكذلك خريجي الهندسة والطب وغيرها. فضلاً عن الدروس التي يحضرونها في تلك المراكز أثناء سنوات الدراسة، وكل هذا بأموال طائلة. ومن هنا يصبح التعليم بالجامعات مجانياً من حيث الكلفة، وغير مجدي كفاية من حيث التعليم، بينما يصبح التعليم الموازي تعليما حقيقياً ولكن غير مجاني.
والسؤال هنا لابد أن يكون حول طبيعة المُحاضر والمقررات الدراسية وكذلك طرق التدريس؛ هل بدلنا الخبيث بالطيب؟؟! يقودنا هذا التساؤل إلى ذاك المعيار المنتهج في تعيين أعضاء هئية التدريس في الجامعات؛ ويمكننا أن نسمه معيار الحفظ، إذ أنه التحصيل الدراسي -فقط- هو معدل القبول. ولعل مسألة التحصيل كافية جداً لأن يكون الطالب طالباً متفوقاً دراسياً. ولكنها لا تخلق -دوماً- مُحاضراً متميزاً أو باحثاً جاداً أو عالماً بحق. ومن ثم تتعثر العملية التعليمية أيما تعثر عندما يكون موضع الأستاذ منقوصاً أو غير ذي كفاءة.
ومن ثم نَلِجُ بهذا إلى كُنه المقررات العلمية محل الدراسة في الجامعات تلك التي أشرنا لكونها عبارة عن رسائل ماجيستير ودكتوراة للأساتذة في أغلب الظروف، فإن طبيعة هذه الرسائل تختص بجزء دقيق جداً في التخصص، وحال اقتصار الدراسة عليها يجد الطالب نفسه قد حاز أجزاء دقيقة لا تغني ولا تسمن من أي جوع معرفي.
فتسهم بذلك الدراسة الجامعية بهذا النمط في تكريس البطالة والشعور باللاجدوى من العلم، والمروق من فكرة التعلم مروقاً دؤوباً ومتكرراً. وحال إذ يرتمي المجتمع والناس فريسة للجهل يعربد بهم كيفا شاء، ارهاباً وعنفاً وفتكاً وتعصباً.
ربنا يكرمك يا حبيبي