أراء وقراءات

    المصلحون لا يلتفتون إلى الوراء

                           

 

لا تنشغل بغير الطريق، أعجبتنى كثيرًا هذه العبارة التى توضع على جنبات الطريق كلوحة إرشادية لسائقي السيارات. والذى يفكر جيدًا ويتابع بدقة حوادث الطرق التى يذهب ضحيتها الكثير من الأبرياء، يعلم بيقين أن كل الكوارث المرورية هى نتيجة لمخالفة هذا التوجيه النظامي الرشيد . ولو أن كل سائق لم يفكر إلا فى سلامته ومن معه حتى الوصول إلى بر الأمان، ماوقعت  هذه الحوادث المروعة والمكررة بشكل شبه يومى. وعلى قائد السيارة الفطن الواعى أن يمتص وعورة الطريق وما فيه من عقبات ومطبات صناعية، وعليه أن يتعامل بحكمة مع اللصوص وقطاع الطريق حتى يسلم ومن معه.

استدعيت هذه المقدمة لأنها تشبه تمامًا طريق المصلحين لأوطانهم السائرين إلى رضا ربهم، فالمصلح هو القائد لسفينة النجاة بمن فيها ممن يدعوهم إلى الإصلاح ويبين لهم منهجه. ولو أن هذا المصلح أدار وجهه إلى الوراء أو التفت إلى ما حوله ومن حوله ممن يريدون أن يعرقلوا حركته ويعوقوا مسيرته، لو أنه التفت يمنة ويسرة وأصغى بأذنيه إلى ما يصدر هنا من صيحات وما يصدر هناك من عواء وعويل، لو أن المصلح أراد أن يقف عند كل صيحة يسمعها يتبين من الصائح ليسكته، ومن العاوى ليخرسه، لو أنه شغل نفسه بهذا وذاك، ربما غرقت السفينة وجنى برعونته على من فيها، لأنه شغل نفسه بغير الهدف المحدد والغاية التي يسعى إليها، ولم ينتبه لوعورة الطريق وخطورته.

وإذا كان قائد السيارة عليه أن يتعامل بحكمة ومهارة مع تلك المطبات الصناعية، فإن قائد المجتمع توضع أمامه مطبات شيطانية أشد وعورة من تلك التى تعوق مسيرة السيارات وتقلل من سرعتها، والفارق بينهما أن الأولى تهدف إلى ترشيد سرعة السيارات وخاصة عند المناطق السكنية ضمانًا لسلامة الوصول، أما المطبات الشيطانية فالهدف منها إزاحة القائد بالكلية عن إكمال السير !.حيث إنها تكون إما مطبات ناعمة محشوة بالسم القاتل، أو أنها واعرة شديدة الخطورة قد يعجز المصلحون عن تحملها، وكلاهما من فعل الشيطان وكيده، ومن تدبيره ومكره، هذه المقالب وتلك – كما اسميها أنا – يتحملها المصلح فهو من جنى على نفسه وأوقع من حيث يريد الإصلاح نفسه فى هوة سحيقة قلّ أن ينجو منها، ولو أنه منذ البداية انتبه إلى أن الطريق ليس بسهل ولا هين ولا لين، وأنه محفوف بالمخاطر، وملبد بالغيوم، ما ضره ما فيه من أهوال ونكبات وما هزه عواء الذئاب، وما أثناه عن السير نباح الكلاب.

هذه مصيبتنا وتلك نكبتنا أننا انشغلنا بهاتيك الخزعبلات وسلمنا بتلك الترهات، ولو كان همنا الوصول إلى بر الأمان آمنين لقيضّ الله لنا من يمهد الطريق ويزيل وعورته ويؤنس وحشته.وإن تعجب من ذلك فعجب انشغال المصلحون بعيوب بعضهم البعض، ويكأن الطريق ممهد ومفروش بالرياحين ولا عيب فيه إلا أن أرى رفيق دربى وصديق عمرى سائراً بجوارى، ولو رأيته لناصبته العداء وألزمته الحجة وأقمت عليه البينة، ونصبت الأدلة على أنه على خطأ جم وخطر عظيم، ولا ينبغى له أن يتقدم ولا يوازينى السير، وألا يسبقنى فى العدو، بل يجب أن يكون دومًا تابعًا ينفذ وفقط، يسير ولا يتكلم ولا يناقش ولا يجادل، فالقيادة لها أهلها والسيادة لها أربابها.وإذا كان على قائد السيارة أن يتعامل بذكاء ودهاء وحذر مع اللصوص وقطاع الطرق، فإن لصوص الوطن كثيرون، خاصة في الأوقات التي يكون فيها  الوطن مباح وحل مستباح لمن هبّ ودبّ.

إن لصوص الوطن  وقطّاع الطريق، لو أنكرت عليهم فعلة أو قولة رموك بأبشع الألفاظ وأحط الكلمات ساخرين من كلامك تارة ومن أفعالك وأنجازاتك تارة أخرى، إن قطّاع الطريق ولصوص الوطن لا يهنأ لهم بال ولا يقر لهم قرار إلا أن يروا دماءً تراق هنا وهناك ويروا حرمات تستباح وأعراض تنتهك، ثم بعد ذلك تراهم يباركون ويؤيدون، ويا ويل من أنكر عليهم أو خالفهم لن يسلم من بذاءاتهم، فى الوقت الذي يعلنون للناس أنهم يتعاملون بالأدب، فمتى كانت السخافة أدباً؟ ومتى كانت الجهالة علماً؟ ومتى كانت الحماقة حلماً؟.

إن قطّاع الطريق ولصوص الوطن يتاجرون بالدماء ويتربحون بأعراض الناس، انقلبت لديهم الموازين، هم الحاقدون يهاجمونك ويشوهون صورتك ويطاردونك فى مجالسهم، ويتلذذون بأكل لحوم المصلحين، لا لشئ إلا لأنك خالفت لهم رأياً وأنكرت عليهم مسلكاً سلكوه .

فهنيئاً لى وأف لهم، فأنا المصلح الوطني الرائد فى الحياة أطبها، وكل الدنا من علومى ترتشف

.وفى النهاية أقول سر أيها المصلح الوطني إلى الأمام شجاعًا مقدامًا والله حسبك وهو ناصرك ولا تنشغل بغير الطريق، ولا تلتفت أبدًا للوراء.

      بقلم: د. شعبان عبد الظاهر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.