المظاهر و الحياة
بقلم / المهندس أيمن سلامة
دعانى أحدُ المعارف القُدامى لفرح إبنته , فذهبتُ إليه مصطحباً عائلتى وجلسنا بالقرب من مائدةٍ أخرى تجلس عليها عائلةُ أحد أصدقائى القُدامى , و بعد تبادل التحية بين الاُسرتين , خَفُـتَت أصواتُنا فى ظل إرتفاع صوت الموسيقى الهادر بالقاعة , وبالمصادفة كان يجلس بجوارنا محموعةٌ من المعارف والأصدقاء القدامى فتوجهت إليهم للتحية والسلام .
وكان من بينهم زميلٌ قديم لم أره منذ سنوات طويلة فتبادلنا التحية بحرارة وأخذنا نتذكر كالعادة باقى الأصدقاء القدامى وكيف تفرقت بهم سبلُ الحياة , وبعد فترةٍ قصيرة إنصرفتُ عائداً إلى أُسرتى كما إنصرف صاحبى للجلوس إلى مائدةٍ أُخرى بها بعضُ معارفه وعدتُ إلى مقعدى وحيدا أسترجع مامضى بعد أن تركنى أفراد العائلة واندمجوا فى أحاديث النساء الخاصة بهم مع السيدات الحضور فى الفرح .
ذهبت ذاكرتى بعيداً وأنا أتذكر صاحبى ذاك ولا أدرى لما طافت بمخيلتى كلمة الكاتب العملاق الاستاذ العقاد وهو يتحدث فى مقدمة سلسلة كتبه الرائعة عن العبقريات , وكيف أن لكل انسان شخصيةٌ مستقلة متفردة ولها مفتاح خاص بها يحرك كل أمورها وتصرفاتها , فمثلا ذكر العقاد أن مفتاح شخصية سيدنا عمر رضى الله عنه هو الشخصية العسكرية المنضبطة التى تسلك السلوك العسكرى فى كل شئونها رغم أنه ليس فرداً فى الجهات العسكرية , وجلست أفكر فى شخصية صاحبى , حتى رأيت أن مفتاح شخصيته يذكرنى بشخصية سيد العايق تلك الشخصية التى لعبها ببراعة الفنان كمال ابوريه فى مسلسل سوق العصر فهو شديد الإهتمام بمظهره برغم انه لم يكمل تعليمه , ولا تكاد تراه فى أى وقت إلا وهو يرتدى البدلة الكاملة والكرافت والمنديل يتدلى من جيب البدلة العلوى , حليق الذقن مرتب الشعر , فبرغم انه يمارس مهنة الحدادة فى ورشة والده , إلا انه كان حريصاً على المظهر الخارجى بشكل ملفت للنظر.
وأثناء تأملى ذاك , ظهر مرة أخرى أمامى قائلاً أنه مضطر إلى لمغادرة الحفل الآن لإرتباطه بموعد آخر , ولكنى باغته بسؤال خطر فى ذهنى… فين أسرتك ؟؟ لماذا لم يحضروا معك لنشرف بالتعرف اليهم , فقال مبتسماً مرة تانية ان شاء الله , وانصرف مسرعا من أمامى وغادرت أنا أيضا الحفل بعده بقليل .
بعد فترة قصيرة قابلت أحد المعارف وذهب بنا الكلام يسرةً ويمنة إلى أن تذكرنا صاحبنا العايق , فأخبرنى صاحبى عنه أنه لم يتزوج قط , فقد حاول أن يخطب عدة مرات لكن دائماً ماكانت تحدث مشاكل ولا يتم الأمر حتى نهايته , لإصراره على أن تكون العروس من إحدى بنات الأُسر المعروفة و تحملُ مؤهلاً جامعياً مرموقاً , ولذا كان الرفض هو الرد فى الغالب , لأنه برغم إهتمامه الواضح بمظهره لم يحصل حتى على الثانوية العامة , بعد أن فشل عدة مرات فى إجتيازها , وتعحبت من حالته كثيراً , لِـم يُـصر على هذه الشروط, هل ليثبت لنفسه أنه ليس أقلُ شأناً من زملائه الحاصلين على شهادات جامعية , أم أن المظاهر هامة فى حياة البعض لدرجة أن يضيع العمرُ هباءً فى السعى خلفها .؟